كنت أنوي الكتابة عن التشكيل الوزاري، ولأني أدرك تماما أن الأزمة ليست في تغيير وزير بوزير، وإنما في السياسات وأسس الاختيار، عدلت عن ذلك لأشيد بدعاة السعودية الذين تحدثوا عن مصر بما يليق بها مما جعلني أبحث عن كتاب فضائل مصر المحروسة لابن الكندي لأستزيد فوجدت فيه أن الله فضّل مصر وشهد لها في كتابه بالكرم، وعظم المنزلة وذكرها باسمها وخصها دون غيرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، {وأوحينا إلي موسي وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة}، {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين}، {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه}، {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي}، وقال بعضهم حين قرأ قوله تعالي ({كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين}) : إننا لم نعلم بلداً من البلدان في جميع أقطار الأرض أثني عليه الكتاب بمثل هذا الثناء، أو وصفه بمثل هذا الوصف، ومما قاله العلماء : مصر خزانة الأرض كلها، قال تعالي: {قال اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم}، ولم تكن تلك الخزائن بغير مصر، فأغاث الله بمصر وخزائنها كل حاضر وباد من جميع الأرض، وجعل الله مصر متوسطة الدنيا، فطاب هواؤها، ونقي جوها، فكثر خصبها، ورغد عيشها، ورخص سعرها، وأجمع أهل المعرفة: إن أهل الدنيا مضطرون إلي مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق بها، وأهلها لا يطلبون الرزق في غيرها، ولا يسافرون إلي بلد سواها، حتي لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، وكان كعب الأحبار يقول: لولا رغبتي في الشام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إني لأحب مصر وأهلها؛ لأنها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافون، ومن أرادها بسوء كبه الله علي وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه، أهيب بدعاة مصر أن يقرأوا للناس علي المنابر ما يحويه هذا الكتاب.