امتدادا لإعجابي القديم بالأستاذ إبراهيم سعده الهارب لسويسرا من تحقيقات نيابة الأموال العامة أذكر له في بداية توليه رئاسة مؤسسة "أخبار اليوم" أنه شدد علي عدم السماح للصحفيين بالعمل الإعلاني، ورفض نشر إعلانات لترويج الخمور .. وكانت صورته مثالية.. إذ لم نكن نعلم عنه الكثير منذ عاد من العمل كمراسل بالخارج، لكن سرعان ما فوجئنا بتغيرات جذرية، سريعة، ومتناقضة.. فقد سمح للمحررين بجلب الإعلانات، والحصول علي العمولات، وأسس شركة استثمارية مشتركة مع "الأهرام"، واكتسب خبرات كبيرة في "البزنس" من الأستاذ إبراهيم نافع، الذي كان خبيرا في الاقتصاد، وأمضي زمنا في العمل بالبنك الدولي، وشاركا مع بعض رجال الأعمال في ملكية نادي العاصمة الراقي بجاردن سيتي.. وكانت هذه المشاركة بداية لرحلة الاستنزاف والإهدار لموارد المؤسسة التي اعتادها سعده خاصة في تجارة الأراضي، وأسس من أجلها شركة "أخبار اليوم للاستثمار" بمشورة الأستاذ فريد الديب المحامي.. هل يصدق مواطن مصري واحد أن مؤسسة "أخبار اليوم" العملاقة تعجز عن سداد 005جنيه كإيجار لأحد مكاتبها شهرياً، خصوصا لو تسبب ذلك في طردها وخسارتها لمقرها التاريخي الكائن بأهم المواقع الحيوية بالإسكندرية؟!.. فعل هذا الأستاذ إبراهيم سعده.. ولم يكن ذلك سهوا أو لمرة واحدة، بل تكرر ثلاث مرات.. الأولي عام 7991 والثانية 9991 وكان السبب في المرتين التأخر في موعد سداد الإيجار، لكن ربنا سلم وكان قرار القضاء لصالح بقاء أخبار اليوم بمقرها.. وظن الجميع أن حكم المحكمة في المرتين سيمنع أي سبب لعدم سداد الإيجار من جديد، لكنه حدث، ولم تسدد المؤسسة في الفترة من 61/1/0002 الي 51/7/0002 وكان ضمن الأسباب التي ذكرها الأستاذ الديب محامي المؤسسة وجود الموظف المختص في إجازة مرضية، وأن الشركة المؤجرة أقامت الدعوي ضد "دار أخبار اليوم" بينما أصبح اسمها "مؤسسة أخبار اليوم"؟!.. وكانت النتيجة حكما نهائيا من محكمة استئناف الإسكندرية بفسخ عقد الإيجار والإخلاء واسترداد شركة "مترو جولدن ماير" لمكتبها الذي يعلو السينما الشهيرة بشارع صفية زغلول بالإسكندرية.. (1) يوما ما في نهاية سبعينيات القرن الماضي أمر أحد رؤساء مجالس الإدارة (رحمه الله) بعقابي بالنقل لذلك المكتب التاريخي للمؤسسة بالإسكندرية ،وكنت قد تجرأت علي انتقاد بعض سلبيات العمل والتعامل مع شباب الصحفيين.. وخلال شهور الصيف لعامين متتاليين اقتربت من أستاذي مصطفي أمين، الذي كان معتادا علي قضاء الصيف بالإسكندرية وكان يحضر للمكتب في نفس موعد ذهابه لمكتبه بالقاهرة ولكن للفترة الصباحية فقط.. في أحد الأيام طرقت بابه "لأصبح عليه" وفوجئت به يكتب مقاله اليومي فقررت الانسحاب قبل أن افتح فمي، لكنه بإشارة من يده التي لا تكتب دعاني للجلوس واستمر هو في الكتابة، وكان ذلك كافيا لأن أرجئ التحية وأظل صامتا وأشاهد بعيني مالم تكن تصدقه أذني.. لم يرفع مصطفي أمين عينه ولا قلمه عن ورق الكتابة إلي أن أنهي مقاله بالكامل دون توقف أو شطب.. وداس علي الجرس ليحضر الساعي ويتناول المقال لإرساله للجريدة للطبع بالقاهرة.. في تلك اللحظة فقط ابتسم لي لأقول له "صباح الخير يامصطفي بيه".. (2) لم يكن مجرد مقر لصحيفة بموقع حيوي بأرقي أحياء الإسكندرية فحسب.. كان تاريخا وجغرافيا وقيمة أدبية ومادية لا تقدر بثمن.. استأجرته "أخبار اليوم" منذ 52 يونيو 2591 أي قبل ثورة يوليو بشهر واحد.. وكان أول مدير لهذا المكتب جلال ندا أحد الضباط الأحرار ممن حاربوا في الفالوجا عام 8491 دفاعا عن فلسطين.. وكان من أوائل الصحفيين الذين عملوا بالمكتب وأصبحوا ضمن قمم الصحافة المصرية الأساتذة الكبار أحمد رجب ومحسن محمد والسيدة حُسن شاه.. وزار المكتب كل زعماء وقادة مصر الكبار.. زاره اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية، وزاره عبدالناصر بعد أن كان في زيارة لمكتب الجمهورية (جريدة الثورة) بالإسكندرية، فأقنعه هيكل رئيس تحرير "آخر ساعة" وقتها بزيارة المكتب حتي لا "يزعل" صحفيو مؤسسة أخبار اليوم، وعقد به السادات في أغسطس0791 (قبل وفاة عبدالناصر بشهر) آخر اجتماع لمجلس المديرين ورؤساء التحرير بالمؤسسة، وحضره الأساتذة الكبار أنيس منصور وموسي صبري ويوسف السباعي وقاسم فرحات وعثمان العبد.. وكان السادات بجانب منصبه كنائب لرئيس الجمهورية مشرفا عاما علي مؤسسة أخبار اليوم، وفي ذلك الاجتماع أقر العلاوات السنوية للمتميزين من العاملين بالمؤسسة.. (3) وفي عام 6691 حضر العديد من القيادات وكبار صحفيي المؤسسة للمكتب لتغطية مؤتمر القمة العربي الذي عقد بالإسكندرية، وكان مصطفي أمين هو الذي اختار اسم "فلسطين" للفندق الجديد الذي استضاف المؤتمر.بمنطقة المنتزه.. وفي السبعينات عقد موسي صبري بالمكتب اجتماعات سرية مع المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ عمر التلمساني لتحسين العلاقة بين الإخوان والرئيس السادات بعد الخلاف العاصف الذي قال فيه التلمساني للسادات "شكوتك لله تعالي".. وقد أحزن ذلك السادات جدا وطلب منه سحب الشكوي!.. كما قام موسي صبري بدور مماثل للتقريب بين الرئيس المخلوع ود. نبيل هاشم القيادي الإخواني بجامعة الإسكندرية.. كما زار المكتب من فنانات القمة السيدات أم كلثوم وفاتن حمامة وشادية ونجاة.. ومن قمم الطرب والموسيقي عبدالوهاب وعبدالحليم وفريد الأطرش وغيرهم. (4) علي جانب آخر قام الأستاذ سعده نفسه بفعل معاكس تماما لما فعله بمكتب الإسكندرية، فقد كانت أخبار اليوم تستأجر مكانا كجراچ لسياراتها علي كورنيش ساحل شبرا بحكر أبودومة وذلك من مواطن عادي "من المستضعفين يعني".. وكان هناك خلاف حول مستندات الملكية الثبوتية للأرض باعتبارها أرضا حكرا أو أوقافا خيرية تتنازع عليها الدولة مع الأفراد والأجيال الجديدة لعائلات الملاك القدامي الذين أوقفوا هذه الأراضي لأعمال الخير من مئات السنين.. ولكن علي أي حال كانت أخبار اليوم تستأجر تلك الأرض من أحد أفراد تلك العائلات الذين يقيمون بالفعل بهذه الأراضي ويضعون يدهم عليها .. وفي هوجة الرغبة المحمومة للاستيلاء علي الأراضي المتميزة من جانب ولدي الرئيس المخلوع، قررت الدولة القفز علي كل الخلافات القانونية والدعاوي القضائية، وأصدرت قرارات جديدة بنزع ملكية أرض حكر أبودومة بالكامل بغرض تطوير المنطقة، وهي ذات واجهة متميزة للغاية علي النيل حيث تقابل جزءا من حي الزمالك الراقي وتمثل بقيتها ساحل شبرا، إلي حدود كورنيش أغاخان.. (5) وسخر الأستاذ سعده كل نفوذه ونفوذ الزملاء المحررين بمجلس الوزراء ومحافظة القاهرة لكي تتحول أخبار اليوم من مستأجر إلي مالك للأرض.. ومع أن الدستور يصون ملكية المواطنين بوضوح شديد، ويعوضهم عنها في حالات نزعها لغرض واحد فقط هو المنفعة العامة إلا أن الفساد الذي تغلغل في كل مكان كان يدوس علي المواطن الضعيف، وأصيب بالفعل المواطن صاحب الجراج واسمه "صالح حزين" الذي أمضي معظم عمره في المحاكم بالقهر ومات كمدا، وحقق الأستاذ سعده انتصارا بأن استطاع شراء الأرض من الدولة بدلا من استخدامها في المنفعة العامة، وأصبح مالكاً لنفس الأرض التي كان مستأجراً لها.. بما يؤكد أنه لايمكن أن يفرط فيما يريده أبدا بعكس التهاون الغريب في مكتب الإسكندرية بأهميته وتاريخه وموقعه وعقد إيجاره المستقر الذي كان يمكن أن يستمر ككل الإيجارات القديمة المنزلية والتجارية. ومن الطريف أنه تم صرف مكافآت ضخمة بعشرات الألوف من الجنيهات للزميلات والزملاء الذين ساهموا في نقل ملكية الأرض، بينما كان إيجار مكتب الإسكندرية حوالي 005جنيه شهريا بعد الزيادات وتسدد علي دفعتين كل ستة شهور!.. ومن يقرأ حيثيات حكم المحكمة يشعر أن كلا من القانون والقاضي يشفقان علي أخبار اليوم من الحجج الواهية التي ساعدت علي خسارتها لمكتبها الثمين، لكن القاضي يحكم بالأوراق والأدلة وليس بالضمائر!.. تقول الحيثيات إنه ثبت أن المستأنف (أخبار اليوم) تأخر في السداد كما ثبت تكرار تأخره لأنه قام بعرض الأجرة وإيداعها في خزينة المحكمة بعد رفعه الدعوي وانعقاد الخصومة.. أي أن التأخير في السداد لم يكن بإهمال الموظف بالمؤسسة أو لمرضه فحسب، وإنما تكرر أيضا أثناء التقاضي (!).. وهو مالا يجب أن يفوت علي المؤسسة أومحاميها.. (6) بلاغ للنائب العام لم يكتف الأستاذ إبراهيم سعده بالتفريط في ذلك المقر التاريخي، ذي القيمة والموقع الثمينين، بل مارس مخالفة إدارية تحمل شبهة إهدار وتربيح وتربح من المال العام،.. إذ أسندت المؤسسة وهو رئيس مجلس إدارتها وممثلها قانونا بالأمر المباشر لشركة " موبيكا" التي يملكها زوج ابنته لتجديد أثاثات وديكورات ذات المكتب بتكلفة تخطت المليون جنيه .. والغريب أن يحدث ذلك أثناء تداول الدعوي واحتمال صدور الحكم بالطرد وإخلاء المكتب.. وهو ما حدث بالفعل إذ تم تسليم المكتب بعد اتمام التوريد والتركيب والديكور طبقا لمحضر وقع عليه كل من ممثل شركة موبيكا وممثل مؤسسة أخبار اليوم بتاريخ 31 أغسطس 2002.. وبعدها بأقل من ثمانية أشهر وبالتحديد في جلسة 16 أبريل 2003 صدر الحكم بتسليم المكتب لشركة مترو خاليا بنفس حالته يوم استئجاره في 25 يونيو 1953.. وبقيت الديكورات الثابتة ونقل ماتبقي من أثاث جديد للمخازن بما يمثل ذلك من إهدار كان من الممكن تحاشيه بانتظار حكم المحكمة. (7) بجانب المبلغ الذي زاد علي المليون جنيه في الديكورات والأثاثات المهدرة تكلفت المؤسسة مليونا و200ألف أخري ثمنا للمكتب البديل بالإضافة إلي تكلفة تأثيثه وديكوراته من جديد، وهي تزيد علي التكلفة المشار إليها للمكتب القديم، لأن المساحة الجديدة أكبر من القديمة بأكثر من 50٪ كما أن شكلها أقرب للمربع مما تزداد معه التكلفة عن الشكل المستطيل الأضيق.. وبذلك تتراوح قيمة ما أهدر ماليا بسبب التفريط في ذلك المكتب مابين أربعة إلي خمسة ملايين جنيه، ناهينا عن الخسارة الأدبية والتاريخية التي لا تقدر بمال كما تناولناها في البلاغ أو المقال من بدايته. هذه واقعة محددة بخصوص إسناد بالأمر المباشر لشركة موبيكا التي يمتلكها صهر الأستاذ إبراهيم سعده.. لكن هناك أوامر إسناد أخري كثيرة مباشرة لنفس الشركة بتوريد وتركيب ديكورات وأثاثات مكتبية لمباني ومقرات مؤسسة أخبار اليوم العديدة بالقاهرة ومدينة 6 أكتوبر وغيرها.. وهي ذات مساحات ضخمة وأدوار متعددة تختلف كليا عن مكتب الإسكندرية الذي تبلغ مساحته 250 مترا فقط.. وتكرر ذلك طوال فترة رئاسة الأستاذ إبراهيم سعده لمجلس إدارة المؤسسة التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما.. وكل من كاتب هذه السطور ومعه الزميل محمد شاكر مدير مكتب الإسكندرية السابق مستعدان للإدلاء بأقوالهما وتقديم المستندات. »نظف مؤسستك تتطهر مصر كلها«