الملك فاروق بملابس القائد العام للبحرىة على الىخت المحروسة قبل مغادرته النهائىة لمصر يحسب للملك فاروق أنه رغم كل ماقيل عن غرامه بالملك ومدي حبه للثروة والسلطة فإنه لم يعرض نفسه ولا عائلته ولا وطنه الأكبر مصر لمتاعب سفك دماء.. واستسلم في كبرياء لمطالب الثورة.. كما لو كان يستعد من قبل لمثل هذه اللحظة.. نسي أن من يطلب منه التنازل عن العرش هم ضباط صغار وهو جلالة الملك.. تفهم أن الرفض والعناد معناه في الحقيقة صدام لن يكون في مصلحته ولا في مصلحة أسرته.. كان مطلعا بدون شك علي نهاية الأسرة الملكية في العراق والتي جرت وقائعها بشكل دام ودموي وغير أخلاقي.. ربما تذكر في هذه اللحظات عبرات التاريخ. ولاشك أن الملكة ناريمان عاشت تجربة مثيرة وشهدت وقائع مريرة خلال الساعات التي جري فيها التنازل عن الحكم وما سبقها.. منذ اندلاع الثورة يوم 32 يوليو 2591 وحتي مغادرة اليخت المحروسة لميناء الإسندرية مساء 62 يوليو.. وما تبع ذلك من أحداث أدت إلي أن تطلب الطلاق من فاروق وهما في روما بإيطاليا. وعن هذه الساعات العصيبة كتبت ناريمان تقول: قبل الانهيار نصحت فاروق كثيرا ورجوته أن يبتعد عن الحاشية التي كانت حوله وهم كريم ثابت باشا وأندراوس باشا وبوللي ولكن بكل أسف لم يسمعني.. وليته سمع كلامي. وتتذكر ناريمان ماجري فتقول: فجأة صباح يوم من الأيام فتحت عيني فوجدت فاروق يرتدي البدلة العسكرية لباس سلاح البحرية وقال لي بالنص: استيقظي بسرعة لأننا سنسافر نحن الثلاثة أنا وأنت وولي العهد الصغير إلي الخارج، وكان يمسك في يده العدسة المكبرة. فقلت : خير. فقال: حريق كبير اشتعل في البلد وهناك مظاهرات صاخبة. هذه هي المرة الأولي التي أري فيها فاروق مضطربا.. ثم بعد هذه الكلمات خرج مسرعا من داخل حجرتي وأجري اتصالا تليفونيا بوزيري الحربية والداخلية لحصر الموقف.. وبعد مشاورات سريعة تم فرض الأحكام العرفية ونزل الجيش ليري هل بالفعل تم حرق دار الأوبرا الملكية.. وهل المظاهرات توسعت؟.. كان الملك ينوي السفر بطائرة هليكوبتر مع ياوره الخاص حسن عاكف من مرسي مطروح إلي قصر عابدين.. كان فاروق يعرف معلومات عن حركة الضباط الأحرار عن طريق قنوات سرية،. ولكن لم يكن يعرف أسماء هؤلاء الضباط. طلبات الضباط الأحرار كانت طلبات الضباط الأحرار هي زيادة الرواتب وتعيين اللواء محمد نجيب رئيسا لنادي الضباط، ولكن الملك كان يريد تعيين حسين سري عامر. لقد نصحت الملك كثيرا وخشيت عليه أن يفقد شعبيته.. وفي يوم طلبني علي التليفون للغداء وكنت غير جاهزة ولم أرتد ملابسي فقال مش مهم سنقابل أحد أصدقائي.. ولما ذهبت دهشت حيث كان الصديق هو السفير الأمريكي مستر كافوي، وقال لي إنه من أعز أصدقائه.. وفي المساء ذهبت مع الأميرات بنات الملك من الملكة فريدة إلي السينما.. أما الملك فذهب إلي نادي السيارات كعادته للتسلية. بداية المأساة توالت بعد ذلك الوزارات وحل الصيف وذهبنا إلي الإسكدرية لقضاء فترة الصيف هناك.. وهنا كانت بداية المأساة.. وقامت الثورة.. كنا نقيم في قصر رأس التين أنا ومعي المربية وولي العهد الأمير أحمد فؤاد وبالطبع الملك فاروق .. وعلي الفور ذهبنا إلي قصر رأس التين، وعند دخولنا قصر رأس التين توقف إطلاق الرصاص، كان رجال الثورة يريدون القبض علي حاشية الملك خاصة بوللي. وتواصل الملكة ناريمان شهادتها علي ماجري فتقول: كنت في منتهي الخوف والحزن وفي حالة من الاضطراب ومعي الأميرات اللاتي وصلن في اليوم التالي إلي قصر رأس التين دون حتي اصطحاب ملابسهن الشخصية.. كنا نسرع في كل شيء وفي عجلة من أمرنا.. كان الملك فاروق في الطابق الأول من القصر مشغولا مع علي باشا ماهر وشاهدت في هذه اللحظة الفارقة أنه يكرر توقيعه علي وثيقة التنازل مرتين لأن يده كانت ترتعش. وجرت مراسم رسمية لوداعه في حضور إسماعيل شيرين وزير الدفاع الجديد ومستر كافوي السفير الأمريكي لأنه طلب أن تكون المراسم رسمية وعندها قبل العلم المصري. أتمني للثورة التوفيق وذهبنا إلي اليخت المحروسة ورافقنا ضباط من أعضاء الثورة داخل اليخت المحروسة ليشاهدوا بأنفسهم ما بداخله.. وقال الملك لهم: »أتمني للثورة التوفيق وأن يراعوا الشعب ولاينحازوا إلي الشيوعية«.. ووجه ملحوظة لجمال سالم أن ينزل العصا التي في يده ويؤدي التحية العسكرية.. وكانت مراسم الوداع في قمة الاحترام مقارنة بما حدث مع ملوك الشرق والغرب.. كانت الدموع تملأ عيني عندما قبل فاروق أرض المحروسة وعلمها. لم نخرج بشيء يذكر معنا من كل ماكان يملك فاروق.. لقد تمت مصادرة كل شيء ثمين وغير ثمين وخصوصا المجوهرات. رحلة بلا مظاهر ملكية وفي مذكرات فاروق قال لناريمان لحظة وداعه لمصر: »يجب ألا تصطحبيني ولديك شعور بالشفقة، لأن الشفقة لاتستمر.. ومن الأفضل أن ننفصل إذا كنا سنعيش يكره كلانا الآخر«.. استغرقت الرحلة من الإسكندرية حتي نابولي في إيطاليا ثلاثة أيام لم تكن المحروسة عامرة بالأكلات التي تليق بالأسرة المالكة.. ويبدو أن رجال الثورة أرادوا أن تكون الرحلة خالية من كل مظاهر الملكية، حتي أنواع الطعام التي في العادة يتم تزويدها بها كانت غائبة، واقتصرت قائمة الطعام علي الجبن والبيض. وصل فاروق وناريمان إلي كابري وسجل نفسه في الفندق »صاحب الفخامة الملكية الأمير فاروق فؤاد أمير مصر«.. ويقال إنه واجه صعوبة في الإقامة المناسبة في الفندق بسبب نسبة الإشغال المرتفعة بالفندق في ذلك الوقت.. وفي اليوم التالي لوصوله عقد مؤتمرا صحفيا في الفندق الذي نزل فيه ورد علي أسئلة الصحفيين باللغات الثلاث التي يجيدها وهي: الانجليزية والفرنسية والإيطالية.. كانت الملكة ناريمان تقف إلي جواره والأميرات الصغيرات من الملكة فريدة والملك الصغير أحمد فؤاد.. وفي هذا المؤتمر التاريخي لم يهاجم فاروق الثورة، وإنما تحدث عن حياته الجديدة ونفي نفيا قاطعا ما تردد عن تكوينه ثروة كبيرة.. وعندما سُئل الملك عن المكان الذي يفضل أن يعيش فيه أجاب بأنه ليس متأكدا الآن ولكن بشرط ألا يكون خلف الستار الحديدي.. وكان فاروق يقضي وقته في هذه الأثناء في اصطحاب الأميرات الصغيرات للسياحة.. وبعد أقل من شهرين غادر فاروق كابري إلي كارل حيث استقر هناك في قصر يضم 03 حجرة مكسوة بالمرمر الأحمر ويقع علي جبال الألب خارج روما. كان فاروق حريصا علي إرضاء عائلته، وكان حريصا أكثر علي أن تعيش حياة كريمة.. ولكن لأسباب كثيرة نشبت مشكلات بينه وبين ناريمان وتطورت إلي حد الانفصال والطلاق.. ولعبت أم ناريمان دورا في ذلك وساعدت الملكة علي الانفصال والعودة إلي مصر. لم يكن يتوقع أحد أن تكون النهاية بهذه السرعة بين الملك والملكة.. .. بل كان الجميع يتوقع أن توحد بينهما الظروف الجديدة وتدفعهما للتماسك في مواجهة الظروف الصعبة.. لكن فيما يبدو أن الخلافات كانت أكبر من كل ذلك. وتتذكر ناريمان هذه الفترة فتقول: وصلنا كابري وكانت العلاقة الزوجية فاترة بيننا وتدخلت الدسائس بيننا ومنع فاروق عني الأمير أحمد فؤاد، وكان لايسمح لي برؤيته إلا ساعة واحدة في اليوم، وبعد ذلك ذهبنا إلي روما وبدأت في روما المشكلات الصعبة، وواصل الملك سهره الليلي.. واستمرت العلاقة متترة بيننا لمدة سنة ومرضت بسبب نزواته وطلبت الطلاق. إقصاء الملك الصغير وفي عام 3591 وتحديدا في 81 يونيو أقصي مجلس قيادة الثورة الملك الصغير أحمد فؤاد رسميا عن حكم مصر وكان عمره وقتها 81 شهرا.. وبهذا التاريخ وضعت الثورة النهاية المؤكدة لأسرة محمد علي والتي حكمت مصر 841 عاما.. وسقطت الحياة الملكية .. ومثلما انهارت حياة الملكية في مصر سريعا انهارت الحياة الزوجية للملكين فاروق وناريمان سريعا.. وقالت في حينه أصيلة هانم والدة الملكة إن أبنتها ناريمان لاتستطيع العيش معه أكثر من ذلك وأن شخصيتهما متعارضتان تماما.. ووقعت ناريمان وثيقة الطلاق وتنازلت عن نفقتها حيث كانت قد طلبت نفقة شهرية قدرها 51 ألف دولار في الدعوي التي أقامتها أمام محكمة مصر الجديدة الشرعية.. وجاء في إعلان الدعوي القضائية التي رفعتها أمام المحكمة أن الملك لم يحسن معاشرتها وإنما قسا عليها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، كما أن الملك تنازل عن ولاية الملك واستتبع ذلك إبعاده عن البلاد مؤبدا كما استتبع أيضا زوال صفة الملكية عن ناريمان.. وعاش الأمير الصغير أحمد فؤاد مع والده ولم تشاهده أمه إلا بعد مرور عامين، حيث سمح لها فاروق بأن تري إبنها لأول مرة في عام 5591.