العبور العظيم لجنودنا البواسل إذاعة البيانات مقصورة علي المذيعين خشية الانفعال الخدعة والالتزام بالمصداقية وعدم التهويل التنسيق مع أجهزة الدولة والقيادة العسكرية بمركزية واحدة محطة مصرية تذيع مبادئ السلام »بالعبرية«! ب تطبيق شعار »اعرف عدوك« وتداول الكتب الاسرائيلية! ب حين كلف الرئيس الراحل أنور السادات الدكتور محمد عبدالقادر حاتم (الأب الروحي للإعلام المصري والعربي) برئاسة مجلس الوزراء وإعداد الدولة لحرب أكتوبر 1973 نيابة عنه، وضع خطوطا رئيسية لسياسة جديدة تقوم علي اتباع المفاجأة الاستراتيجية، فاتبع أسلوبا جديدا لأول مرة لم يكن معروفا من قبل وهو التعتيم والتكتم الإعلامي: فمن يريد أن يحارب لا يعلن عن ذلك تنفيذا لقول رسول الله [: »استعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان«.. ب والسطور التالية تحكي أبرز الخطوط الرئيسية لتلك المفاجأة الاستراتيجية، ودور الإعلام المصري في تحقيقها حتي بلوغ النصر، مع حلول الذكري ال 39 سنة لحرب أكتوبر المجيدة وعلي لسان الدكتور عبدالقادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام الأسبق. ب طبقت بنجاح خطة الإعلام أثناء الحرب وهي الجزء الثاني من الخطة فجمعت رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة 12 ظهر يوم السبت 6 أكتوبر 1973 وكان البيان الأول قد أعد في قيادة القوات المسلحة وطلبت من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية في هذه الخطة علي نحو الآتي: ب لا خطابة ولا إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية، فالإعلام هو لنقل الأخبار وليس من عمله صنع الأخبار ومن المهم أن يتفادي كل أخطاء إعلام 1967. ب أن تقتصر إذاعة البيانات علي المذيعين فقط، ولاداعي لأن تقوم المذيعات بالإذاعة خشية الانفعال، خصوصا وقد تقع أحداث ليس بها انتصارات فيصعب عليهن التحكم في مشاعرهن.. وقد سمحت بإذاعة المذيعات للبيانات بعد يوم 10 أكتوبر بعد أن تحقق النصر. ب إذاعة الأغاني الهادئة جميع الأغاني هادئة، ولاداعي للصراخ وافتعال أناشيد وطنية لاداعي لها والأغاني تكون مثل »علي الربابة أغني«.. وغيرها. ب أحاديث عن روعة قواتنا وصلابة الجبهة وماقامت به دول متقدمة في الحرب العالمية الثانية من تقييد صرف التموين ببطاقة التموين... وقد قدم المرحوم الاستاذ الدكتور يحيي عويس »وزير الاقتصاد حينئذ« برامج إذاعية ناجحة يوميا عن خبرته في إنجلترا أيام الحرب العالمية الثانية. ب وقد سئلت هذا السؤال: ماهي الخطة التي اتبعتها لاسترداد الثقة بين الحكومة والشعب؟ وكانت إجابتي: ب كانت أمامي فجوة عدم الثقة بين الشعب وأجهزة الإعلام سببها فقدان مصداقية الحكومة وجهازها الإعلامي منذ 1967 عندما كانت الاذاعة المصرية أثناء الهزيمة تذيع أكاذيب، لذلك كان دستور الإذاعة والإعلام في عام 1973 هو: الصدق والسرعة في نقل الخبر، بحيث يستمع المواطن المصري أول خبر عن أحداث الحرب بسرعة من مصادر الإعلام المصرية.. أما بخصوص المصداقية وعدم الثقة واستردادها فأذكر علي سبيل المثال أن المشير أحمد اسماعيل رحمه الله أبلغني بأن قواتنا كبدت العدو خسائر في معركة الدبابات 70 دبابة وسمعت في إذاعة اسرائيل خبرا عن هذه المعركة بأن إسرائيل خسرت 50 دبابة فأذعت أنه حدثت معركة بين الدبابات وخسرت اسرائيل 30 دبابة أي أقل مما أذاعته إسرائيل.. وهنا أخبرت المشير أحمد اسماعيل بعد الإذاعة بأن الهدف من ذلك استرداد الثقة في أجهزة الإعلام.. فقد نشرت كل أجهزة الإعلام العالمية أن أجهزة الإعلام المصرية لها مصداقية بينما الدعاية الاسرائيلية تذيع الأكاذيب، لأنها أذاعت بأنها هشمت عظام الجنود المصريين بينما الجنود المصريون يأسرون الجنود الإسرائيليين. ب الحرب لأجل السلام وكان تعاملنا مع الرأي العام العالمي أثناء المعركة يقوم علي أساس أن الحرب بالنسبة لنا ليست هدفا في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لابديل عنها من أجل تغيير الأوضاع والمفاهيم التي سادت في سنوات ماقبل أكتوبر.. وأنها أداة لتهيئة الظروف المناسبة للتوصل إلي السلام والاستقرار في المنطقة. ب وكانت رسالتنا في هذا الشأن أثناء المعركة: ب إننا قاتلنا وسوف نقاتل لتحرير أراضينا التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، ولإيجاد السبيل لاستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين. ب إننا نلتزم بقرارات الأممالمتحدة، وعلي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس انسحاب القوات الاسرائيلية من كل الأراضي المحتلة فورا وتحت إشراف دولي، وإلي خطوط ماقبل 5 يونيو 1967. ب إننا علي استعداد، فور إتمام الانسحاب من كل الأراضي المحتلة، أن نحضر مؤتمر سلام دولي في الأممالمتحدة، مع العمل علي إقناع العرب وممثلي الشعب الفلسطيني به، من أجل وضع قواعد وضوابط سلام في المنطقة تقوم علي احترام الحقوق الشرعية لكل شعوبها. ب إننا علي استعداد لأن نبدأ فورا في تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة الدولية. ب مبادئ الإعلام الإسلامي استعان الإعلام المصري في حرب 1973 بمبادئ الإعلام الإسلامي، متخذا من الحديث الشريف أسلوبا لتحقيق المفاجأة الاستراتيجية في الحرب: ب اسْتَعِينُوا عَلَي قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ: ب قرر الإعلام المصري أنه يجب اتباع التعتيم والكتمان وعدم التصريح أو الإعلان عن أي معلومات يستفيد منها العدو في مرحلة إعداد الدولة للحرب وذلك بعكس ما كان يحدث في حرب 1967 حيث كانت أجهزة الإعلام تبين في تصريحات المسئولين بأننا سنلقن إسرائيل درسا لن ننساه وأننا أكبر قوة حربية وكان هناك تهويل في قواتنا وتهوين في قوات العدو. ب إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ: ب لقد عرف الإعلام المصري في إبان إعداد الدولة للحرب بأنه يجب أن تغير أجهزة الإعلام الأسلوب الذي كان متبعا في حرب 1967 وهو المبالغة وعدم المصداقية في الأخبار التي كانت تذيعها أجهزة الإعلام عام 1967، وأن يلتزم الإعلام المصري بالمصداقية وعدم المبالغة. ب وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ... ب كان الإعداد الجيد الذي تم في مرحلة إعداد الدولة للحرب تطبيقا للأسلوب الإعلامي السليم فكان بلا إعلان حتي بدأت المعركة، وكانت هناك خطة إعلامية أعدت لما قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة. ب منع أغاني العدوان وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي: ب كان من أسباب الهزيمة في حرب 1967 عدم التعاون بين أجهزة الإعلام والقيادة العسكرية لذلك وضع أسلوب إعلامي جيد في حرب 1973 مبني علي التعاون والتنسيق بين الدولة وأجهزة الإعلام وتولي المسئولية بمركزية واحدة. ب نشر مبدأ الإسلام... وهو السلام: ب منع أغاني العدوان مثل »راجعين راجعين بقوة السلاح راجعين«.. وقد أنشأ جهاز الإعلام المصري محطة إذاعة مصرية تذيع بالعبرية مبادئ الاسلام، وهي أن السلام غاية المسلمين.. لذلك تريد مصر تحرير أرضها وهي دولة محبة للسلام.. مما كان له أثر كبير في الرأي العام الاسرائيلي.. فالشعوب تريد السلام ولكن قلة من العسكريين في إسرائيل يريدون البقاء في مناصبهم، ولذلك يعملون من أجل الحرب باستمرار. ب الإسلام يحترم أهل الكتاب: ب وهذه حقيقة، إذ يشيد القرآن بأنبيائهم ورسلهم، ولكن الإسلام ضد الصهيونية.. لذلك لم يهاجم الإعلام اليهود في حرب 1973، بعكس ماكان يحدث في حرب 1967. ب من تعلم لغة قوم أمن مكرهم: ب وهو منهج يتركز في شعار »أعرف عدوك« وقد طبق هذا المبدأ الإسلامي بأن قام الإعلام المصري في حرب 1973 بالسماح بكل الكتب الاسرائيلية وبتوزيعها بعد ترجمتها لمعرفة كيف يفكر ويعمل العدو.. وكان ممنوعا في حرب 1967 تداول الكتب الإسرائيلية أو التي تتحدث عن إسرائيل. ب الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ: ب وقد طبق ذلك في الأخبار والتعليقات فكانت تذاع في أجهزة الإعلام المصرية بلا سباب أو شتائم، تطبيقا لمبدأ إسلامي مستفاد من قول الله تعالي لرسوله الأمين: ب ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ«. ب تصنيف الرأي العام وقام الإعلام المصري بتصنيف الرأي العام المخاطب إلي فئات ليخاطب كل فئة بما يناسبها: فقد خاطب الله سبحانه وتعالي في سورة البقرة ثلاث فئات من الرأي العام في بداية الدعوة وهم: المؤمنون والكافرون والمنافقون، كذلك خصص للمؤمنين سورا أقل من الكافرين وسورا للكافرين أقل من المنافقين. ب لذلك راعي الإعلام المصري مخاطبة الشعب المصري الذي كان يئن من الإحباط وماحدث في هزيمة 1967. ب وكذلك مخاطبة الإسرائيليين بأسلوب، ومخاطبة الغرب بأسلوب يتلاءم مع فهمهم للأمور.. فأكد الإعلام المصري علي أننا نريد تحرير أرضنا المحتلة.. وكلمة تحرير يقبلها الغرب ولا يقبل كلمة الحرب أو العدوان. ب ولاستعادة الثقة في نفوس الجنود وزيادة حماسهم والارتقاء بمستوي أدائهم وشجاعتهم كان لابد من أن يؤمن هؤلاء الجنود إيمانا راسخا بحتمية النصر، وأن الله سوف ينصرهم، وذلك تطبيقا للآية الكريمة: »أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ« فنحن نقاتل دفاعا عن أنفسنا واسترجاعا لحقوقنا وأرضنا وشرفنا، وأكثر من ذلك نصرة ديننا.. وهي مسائل تحظي بكامل الاحترام والتقدير لدي كل مسلم، وهي نفسها المسائل التي لا يحجم المسلم عن التضحية بكل شيء حتي حياته من أجلها. ب الرد علي الأكاذيب أسلوب الرد علي المزاعم الباطلة للعدو: ب فقد واجه الرسول [ مكر أعداء الإسلام.. من خلال مناقشة أقوالهم والرد عليهم بالحجة، وذلك لحماية المسلمين والدعوة الإسلامية من الهواء المسمم الذي كانوا ينفثونه ويحاولون به إثارة البلبلة في نفوس الناس، وهو في سبيل ذلك لم يتخذ إجراء عنيفا باترا، ولكنه اتبع أسلوب الرد علي مزاعمهم الباطلة بما يقوي به إيمان المسلمين ويزيد من قوة الدعوة.. والسيرة النبوية وقبلها القرآن الكريم مليئة بأخبار من هذا القبيل.. وهو الأسلوب الذي حاولنا التركيز عليه طوال الفترة بعد حرب 67 وبشكل خاص عام 1973 عام الإعداد للحرب، وطوال تلك المدة كان الإعلام المصري حريصا علي الرد علي كل المزاعم الاسرائيلية الباطلة التي كان يوجهها، سواء للمصريين أو للعالم، وكنا نلاحق أكاذيبه في كل مكان وكل الوقت. ب الصبر علي البلاء مع الثقة بالله: ب وذلك مصداقا لقوله تعالي: »أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ «. ب وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا«. ب هاتان الآيتان تعبران عن الصبر، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بالإيمان والثقة دون اهتزاز مهما كانت النوازل، وهو الأسلوب الإعلامي الذي اتبعناه في إعداد جنودنا لحرب أكتوبر 1973، خاصة مع ماكانوا يرونه من أفعال الإسرائيليين علي الضفة الأخري من القناة، أو ماكانوا يسمعونه من إذاعات مثبطة لعزائمهم. ب مواجهة مزاعم الإسرائيليين ولقد كان أحد عناصر قوة الدعوة الإسلامية لدي الناس هو التزامها المطلق بالصدق، وابتعادها كل البعد عن الإفتراءات والأكاذيب. ب ومن هذا المنطلق أرتكز إعلام أكتوبر 1973 علي عنصر الصدق، وحرص علي تحري الحقيقة في كل خبر ينسب إليه، حتي إن العالم بدأ يستقي الأخبار من الإعلام المصري لما له من مصداقية في مقابل أكاذيب وافتراءات كثيرة اتسم بها الإعلام الإسرائيلي. ب كما إن مصداقية الإعلام المصري كانت عونا لنا في كسب تعاطف المجتمعات الأخري واحترامهم لنا.. وقبل ذلك استعادة المصريين لثقتهم في إعلامهم التي اهتزت بشدة عام 1967. ب