ليس ثمة بيت بلا أوجاع، ولعل عناء ربة المنزل التي أضحت كائنا (مقسوما إلي نصفين) بين وظيفتها ومهامها المنزلية المنوطة بها خير دليل، ولم يكن الحل سوي اللجوء إلي (الخادمة) والتي ليست في كل الأحوال هي الحل!! قد تكون الخادمة سببا غير مباشر في تفكيك أواصر الأسرة وربما تكون هي الضحية حينما تتعرض للانتهاك في حقوقها المادية والمعنوية، فكثيرا ما يتم التعامل معها كإنسان من الدرجة الثانية، وبخاصة في بلد مثل مصر لاتنظم عمل الخادمات في إطار قانوني، وهذا ما يتم السعي إليه عبر إنشاء نقابة لهن تحميهن من غدر الزمان واضطرار بعض خريجات الجامعة إلي الانضمام إلي كتيبة الخادمات فقط من أجل لقمة العيش. أسرار الخادمات نتعرف عليها من خلال هذا الملف.. فإلي التفاصيل... حياة الخادمة .. تحرش وإهانة وتعذيب! إذا أردت البحث عن أسباب الأزمات.. فتش عن الفقر والبطالة، وهذا ما ستجده في الحكايات التالية، فبدأت فاطمة محمد الخدمة في البيوت في العاشرة من عمرها، بعدما أجبرها والدها علي العمل لتأتي بأموال تساعده علي المعيشة، فتركت المدرسة وذهبت مع أمها إلي واقع أسوأ من الذي عاشته في بيتها. "شفت الذل والإهانة.. وماسمعتش ولا كلمة حلوة، ودا خلاني أتنقل من بيت لبيت، والنتيجة إني فقدت صحتي وأنا لسا ماكملتش التلاتين، ومش عارفة الدنيا هتوديني لفين"، قالتها فاطمة وهي تتذكر مشاهد من حياتها تنوعت بين اعتداءات رجال البيوت عليها وظلم سيدة البيت غير المبرر وإذلال أبنائهم لها، فكلما عطفوا عليها بشيء لابد أن يذكروها " إنتي خدامة عندنا.. والهدوم اللي أنتي لابساها دي بتاعتنا.. واحنا اللي بنأكلك.. متنسيش نفسك". وجمال المرأة هو أغلي ما لديها، لكن هناك أناس يتفننون في فقد جمالهن بالتعذيب لمجرد أنها خادمة، فاطمة التي تتعامل بفطرتها لم تجد التعامل مع سكان المنازل، فكانت ساذجة ترضي بفتاتهم وبظلمهم دون أن تثور علي ذلك الظلم، لأنها بحاجة إلي تلك الملاليم التي يعطونها إياها، فوصل مرتبها إلي 200 جنيه، بجانب مكافآت تتمثل في حرقها بذراعها كلما أخطأت!. أما مها عبد الوهاب التي تركها زوجها المدمن في مقتبل عمرها دون أن يطلقها، ليبحث عن امرأة أخري تنفق عليه، تاركاً لها طفلة رضيعة، لم تجد سوي طريق الخدمة في المنازل لتهرب من التفكير في مصير معلق علي كلمة واحدة "انتي طالق"، كي تبدأ حياة جديدة مع رجل آخر. وكثيراً ما تخذلنا الحياة؛ فلم تكن تعرف أن تنتقل من بيت رجل مدمن إلي بيت امراة مدمنة، لتحيا نفس العيشة التي لا تخلو من الضرب والشتيمة، لكن في هذه المرة كانت مجبرة علي التحمل، فتقول: (لازم اشتغل عشان إخواتي اللي بجهزهم، وبنتي تتربي كويس.. وبعدين أنا أقدر أستحمل وأحمي نفسي كويس). ويبقي اليقين بداخلها أن القادم الأفضل، لكن لم يطل ذلك الشعور بعدما حاولت الانتحار من الشباك، نظراً لما تراه كل يوم من تعذيب وضرب من صاحبة البيت حتي لا تنطق بكلمة واحدة عما تفعله في منزلها الذي تحول إلي غرزة ومكان يتردد عليه المدمنون والتجار لشراء ما يريدونه، إلي أن طردتها حتي لا تتحمل مسئولية موتها، لتلتقط أنفاسها أخيراً.. ورغم كل ما لاقته مها مازالت مصرة علي العمل في البيوت الذي لا تجيد غيره. تتعدد الحكايات والمأساة واحدة، لكن (هاجر مصطفي) حكايتها أكثر تأثيرا، فهي حاصلة علي ليسانس آداب منذ ثلاثة أعوام، وفشلت في البحث عن فرصة عمل في مجالها كغيرها، فاضطرت للعمل كبائعة في محل ملابس بوسط القاهرة، إلا أن الراتب لم يكن مجزياً مقارنة بعدد ساعات العمل، الذي وصل إلي 350 جنيها لمدة 12 ساعة يومياً، قبل أن تقرأ إعلانا بصحيفة قومية يقول (أسرة سفير مصري تطلب خادمة متعلمة براتب 1000جنيه في الشهر)، فتقرر هاجر خوض التجربة لحاجتها الماسة إلي هذا الدخل.. وتضيف: هاتفت أصحاب الإعلان وطلبوا مني الحضور الي منزلهم.. وعندما ذهبت نلت موافقتهم علي العمل، وكان الاتفاق أن تبدأ ساعات العمل في الثامنة صباحاً وتنتهي في السابعة من كل يوم أذهب بعدها إلي منزلي. حياة هاجر تغيرت تماماً علي مدار العام الأول في عملها كخادمة، وهو ما شجعها علي الاعتراف لأسرتها بحقيقة عملها الذي رفضوه في بادئ الأمر وتقبلوه أمام إغراء المبلغ في النهاية. وتضم مهنة العاملات بالمنازل العديد من الأطفال الذين كانوا ضحايا إما للتفكك الأسري أو الفقر أو زيادة عدد الأبناء، فتجد الآباء يزجون بهن في بيوت أسر ثرية، ليحصلوا علي مبلغ كبير، وهذا ما حدث مع رقية سلامة، التي لم تتجاوز 13عاماً، فخدمت في منزل يتمتع بالثراء الفاخر، حوالي أكثر من خمسة شهور، دون أن يشتكي منها أحد، إلا أن مخدومتها اتهمتها بسرقة مجوهرات، وحررت ضدها محضراً وتم استجوابها في النيابة، وتم إخلاء سبيلها لعدم اثبات التهمة عليها. وحتي لا يقفل أهلها باب الرزق الذي عاد عليهم ب 2000جنيه في الشهر، أعادوها إلي هذه الأسرة مرة أخري، لكن أسلوبهم تغير معها؛ فكان الضرب والإهانة والتعذيب وسيلة التفاهم معها، وفاض برقية الكيل وحاولت الهرب من الشباك، ونجحت في العودة لأهلها، وتقبلوا عدم عودتها إلي تلك الأسرة، لكنها ستعمل في بيت آخر، وحتي الآن حياتها غير مستقرة.. وتنقلب حياة سها عبد الوهاب رأسا علي عقب، عندما يقرر والدها الزواج من امرأتين، وينجب لها 7 شقيقات، لتجد نفسها مكلفة بهجرة بيتها، لتبحث عن دفء أسرة تعوضها عن الحنان الذي فقدته، لكن كغيرها ما وجدت سوي القسوة، والأكثر من ذلك، أنهم منعوها من زيارة أسرتها أو رؤيتهم بمجرد أن ذهبت لديهم، وكانت تحول المطبخ إلي غرفة نوم لها في الليل، والبلاط إلي سرير لا يعرف الحنان، وبطانية تفرشها لتنام عليه وتتغطي بها في نفس الوقت.. مخدومتها منعت عنها طعام أهل البيت، فلم تأكل سها من أكل أسيادها.. وكفاية عليها الفول والطعمية ومن أجرتها كمان..! ولأنها تقيم عندهم، فلم يعطوها سوي 50 جنيهاً، كان والدها ياتي ليأخذهم، وعندما طلبت منه الرحيل معه، لما تراه من إهانة، لم يعرها أي اهتمام، ويأخذ المرتب ويمشي، وحاولت سها التي تبلغ من العمر 18عاماً أن تتخلص من تلك العائلة عن طريق أمها التي تلقت منها اتصالاً تخبرها فيه كاذبة أنهم تعدوا عليها جنسياً، لتأتي أمها فوراً وتأخذها إلي حضنها ثانية. في مكاتب التشغيل يسحب البساط من الأجنبية تكسب بداية يصل عدد مكاتب تشغيل الخادمات في مصر إلي قرابة 300 مكتب، ثلاثة منها فقط مرخصة من وزارة القوي العاملة، والباقي مخالف القانون، وذلك بسبب الشروط التي تضعها الوزارة للحصول علي الترخيص. وكشفت دراسة عن الخادمات في مصر صادرة من الهيئة المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعم من برنامج اليونيفيم التابع للامم المتحدة، أن لهذه المكاتب دورا ثانويا للغاية لم يتعد نسبة 2.6٪ من نسبة تشغيل الخادمات سواء المقيمات بشكل دائم أو المؤقتات، بينما اعتمد حوالي 44٪ منهن علي المعارف في الوصول لفرص العمل، أما الجيران فبنسبة تقريبية 30٪ والأقارب 15.8٪ وفي 7٪ من الحالات كانت الظروف متباينة. وأرجعت الدراسة سبب عزوف الأسر عن التعامل مع مكاتب التخديم إلي العمولة التي يحصلون عليها من أجر العاملات، بالإضافة إلي عدم تقديم أي حماية لهن في حالة تعرضهن لإساءة أو مشكلة، وأيضا عدم تقديم أي خدمات تكسبهن مهارات إضافية. "آخر ساعة" حاورت مديرة مكتب تشغيل خادمات بمصر الجديدة، وتدعي وفاء. م، التي قالت إن المكتب يستقطب الراغبات في العمل من محافظات مختلفة عن طريق مندوبين، مقابل نسبة مالية تتحدد بقيمة أجر الخادمة، ويتراوح المرتب الشهري للخادمات ما بين 1200و1500 جنيه حسب المؤهلات سواء كانت خريجة تعليم عال أو متوسط أو حتي أمية، وتقوم مكاتب التشغيل بتقديم الخدمات مقابل عمولة تتحدد بحسب أجر الخادمة، حيث يقوم العميل بدفع ما يماثل راتب شهر للمكتب يتم سداده علي ثلاثة أشهر، تنخفض هذه النسبة إلي النصف إذا تم تجديد عقد عمل الخادمة. وتواصل: إنهم لا يأخذون بالشروط التي يجب توافرها في الخادمة كما حددتها المكاتب الحاصلة علي التراخيص مثل "الفيش والتشبيه" ويكون خاليا من السوابق، والتأكد من وجود عنوان ثابت لها، بالإضافة لتحاليل طبية تثبت خلوها من الأمراض المعدية، وتضيف أنهم يلتزمون بالسن القانونية ما بين 21 و50 سنة، أما عمالة الأحداث من صغار السن فتعد مخالفة للقانون. وحول استقدام العمالة المنزلية من الخارج، قال تقرير أخير صادر عن الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالقاهرة، إن هناك قرابة 260 ألف خادمة أجنبية تتراوح رواتبهن من 200 - 600 دولار شهريا، يعملن في مصر وان هناك نحو 100 ألف خادمة أخري لم يتم تسجيلهن بسبب التهرب من الضرائب الذي تقوم به مكاتب تشغيل الخادمات، إلي جانب تجنب الملاحقات القانونية إذا حدث خلاف أو مماطلة في دفع أجر الخادمة أو تعرضت للإيذاء البدني والانتهاكات الجنسية. ورغم وجود العديد من الفتيات المصريات اللاتي يفتقدن لوظيفة إلا أن المكاتب حرصت علي الخادمات الأجنبيات من جنسيات مختلفة. واختلفت بعض الأسر بين استقدام خادمة أجنبية أم مصرية، فتقول سهام فهمي، إنها من واقع تجربتها عانت من الخادمات المصريات اللاتي يأتين من خلال مكاتب "تشغيل الخادمات"، حيث يأخذون منها مرتب شهر كامل في كل مرة يرسلون إليها واحدة، وبعد شهر أو شهرين ترحل الفتاة لعثورها علي فرصة أخري بمرتب أكبر. وأضافت "هذا غير استخدام ألفاظ غير مناسبة أمام الأطفال، و عدم الاهتمام بالعمل والتصرفات غير المسئولة مثل التحدث علي الهاتف المحمول في أوقات متأخرة من الليل"، لذلك فكرت في استقدام خادمة أندونيسية، ووجدت فيها كل ما أحلم به من أدب ونظافة. علي النقيض، تري مي حسين، ربة منزل، أنه لا يوجد أفضل من الخادمة المصرية في أعمال النظافة، ولكن للأسف الأمانة عند الخادمات المصريات ليست متوفرة دائما، مضيفة أنها استقدمت خادمة من نيجيريا بمقابل 15 دولارا شهرياً - أي ما يعادل 840 جنيها مصريا - لكنها عملت بإخلاص في الشهر الأول فقط ثم بدأت في إهمال عملها بعد ذلك، وأصبحت لا تستجيب عند طلبها، وصارت عابسة الوجه، وتخرج بدون إذن، حتي اضطررت إلي تشغيل خادمة مصرية. وعارضت رضوي أحمد، بأحد مكاتب تشغيل الخادمات، استبدال الخادمة المصرية بالأجنبيات، مشيرة إلي أن المصريات في حاجة إلي العمل أكثر من الأجنبيات، فهناك الكثير من الجامعيات تركن الشهادات ويعملن - من خلال هذا المكتب - خادمات للحصول علي "لقمة العيش". من جهتها، تقول د. مني جاد، أستاذ تربية الطفل والعميد الأسبق لكلية رياض الأطفال بجامعة القاهرة، إن الإقبال علي الخادمات الأجنبيات أصبح "موضة" ووجاهة اجتماعية عند الكثيرين، مضيفة أن أغلب العاملات الأجنبيات ملتزمات بأعمالهن ولديهن ذوق في التعامل، وليست لهن مطالب خارج حدود التعاقد، هذا غير استفادة الأهالي منهن في حالة إتقانهن للغة الإنجليزية لتعليمها لأبنائهم. وانتقدت مني عمل الجامعيات في تلك المهنة، ووصفتها بأنها كارثة بكل المقاييس عندما تعمل الجامعية خادمة، متسائلة لماذا تعلمت هذه الفتاة من الأساس؟ ولماذا كلفت الدولة في تعليمها؟ ولماذا أضاعت تعبها واجتهادها سدي؟ إلا إذا كان السبب هو صعوبة العثور علي عمل مناسب، وليس استسهال الربح المادي، لافتة إلي أن مهنة جليسة الأطفال وكبار السن لا يمارسها إلا المتعلمات. المهمشون ينظمون أنفسهم: نقابة (الخادمات) تتحدي قانون العمل من ميزات الثورات الشعبية أنها تكشف للمهمشين أنهم فاعلون ومؤثرون وبحاجة لتنظيم أنفسهم، وهذا ما فعلته العاملات بالمنازل اللاتي تم استبعادهن من قانون العمل، وبالتالي استثناؤهن من الحماية القانونية والتشريعية، حتي ظلت هذه المهنة ومن يمتهنها في الظلام، والأخطر عدم رغبة أي من العاملات أو أسرهن في اللجوء إلي أقسام الشرطة أو المحاكم عند تعرضهن لأي انتهاكات، وذلك لتأكدهن أنهن لن يستطعن الحصول علي حقوقهن من خلال المؤسسات القانونية. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء نقابة للعاملات بالمنازل كي تحمي حقوقهن كاملة، فقامت الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية بإجراء دراسة عن أحوال العاملات بالمنازل في محاولة لعمل أول قانون لتنظيم حقوق الخادمات، ويقول عبدالمنعم منصور، المحامي المسئول عن ملف عاملات المنازل بالجمعية، إن تأسيس أول نقابة لعاملات المنازل خطوة هامة بالنسبة لهذه الفئة المهمشة التي لا تتمتع بأي حقوق قانونية، مشيرا إلي محاولاتهن التي استمرت أكثر من عام في سبيل تأسيس النقابة. ويضيف منصور ل (آخر ساعة): تم اختيار النقيب ونائبه وأمين الصندوق والأعضاء المؤسسين وتدبير المقر المؤقت للنقابة، لكنه فوجئ اثناء قيامه بإجراءات الإشهار أن البطاقات الشخصية للعاملات غير مثبت بها أنهن خادمات بالمنازل، وهو الأمر الطبيعي نظرا لعدم وجود نقابة لهن، بينما وزارة القوي العاملة تشترط وجود المهنة بالبطاقة لإشهار النقابة، وبالفعل تمكنت أكثر من 250 عاملة منازل من إشهار أول نقابة مصرية مستقلة لهن، بعد محاولات لعدة أشهر بدأت بصياغة مشروع النقابة وانتهت باعتماد وزارة القوي العاملة للمشروع بعد إجراء تعديل علي المسمي إلي "نقابة العاملات بالأجر الشهري". وأجرت الجمعية قبل البدء في تأسيس النقابة دراسة أعدتها الدكتورة أمل فرج، مدير مركز الدليل للدراسات والتدريب، بعنوان (عاملات المنازل.. أي حماية) علي عينة توزعت علي محافظات القاهرة، والإسكندرية، والجيزة، والبحيرة، وبرج العرب، وكفر الشيخ، وأكدت الدراسة أن90٪ من العاملين بقطاع العمل بالمنازل من النساء والأطفال، وأن الفقر والتسرب من التعليم والتفكك الأسري أهم الأسباب التي تدفع بالأطفال إلي سوق العمل بالمنازل، أو العمل غير المنظم. وأشارت إلي أن النسبة الأكبر من العاملات أميات، ولأن هناك صلة وثيقة بين الفقر والتسرب من التعليم يصبح من الطبيعي دخول العاملات الصغيرات سوق العمل في سن مبكرة وتصبح عمالة الأطفال هي السمة المباشرة في عاملات المنازل رغم ما يجرمه القانون لعمل الأطفال، لافتة إلي أن نسبة المطلقات والأرامل والمهجورات من أزواجهن الأعلي نظرا لإعالتهن لأسرهن... ولم تقتصر هذه المهنة علي الأميات فقط بل دخلتها الحاصلات علي مؤهلات متوسطة وجامعية رغم إنكارهن طبيعة عملهن لخجلهن من نظرة المجتمع لهن، ولكنهن لجأن إلي العمل بهذه المهنة نتيجة الفقر والبطالة التي تقف حائلا بينهن وبين العمل بمؤهلاتهن العلمية، وأرجعت عدم وجود إحصائيات لحصر هؤلاء العاملات لعدم وجود عقود عمل بين العاملات وصاحب العمل. وأظهرت الدراسة أنهن يعملن أكثر من 8 ساعات متواصلة وأحيانا بدون إجازات وبأجر ضعيف، أما المقيمات فليس لديهن أساسا عدد ساعات محدد فهن يعملن طوال الوقت، وأكدت جميع العاملات أن عمل المنازل شاق ومجهد ويتطلب صحة جيدة وهو ما لا يتوافر عند أغلبهن، بالإضافة إلي اقتران المهنة بالكثير من الأمراض والحوادث التي يتعرضن لها ولا يتم تعويضهن عنها ماديا، لعدم الوعي بحقوقهن القانونية، بالإضافة إلي انعدام مكاتب التخديم وممارسة المهنة بعيدا عنها نظرا للصعوبات التي تقف أمامها كالتراخيص. وطالبت د.أمل فرج من خلال الدراسة بضرورة وجود عقود عمل موثقة بشكل رسمي بين العاملة وصاحب العمل تتضمن جميع شروط العمل التعاقدية العادلة بما لا يخالف القوانين والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر، وضرورة وجود قانون خاص بعاملات المنازل ينظم جميع قضايا العمل الخاصة بهن وفقا لطبيعة عملهن علي غرار دول عربية وغربية قامت بذلك، وإذا تعذر الأمر يتم حذف الاستثناء الخاص بقانون العمل رقم12 لسنة 2003 مادة 4 فقرة ب، ودخول عاملات المنازل تحت مظلة حماية قانون العمل بحيث يشمل توفير تأمين صحي وضمان اجتماعي وتعويض عن حوادث العمل والأمراض المهنية ومعاش عند بلوغ سن التقاعد وتحديد ساعات العمل بما لا يتجاوز 8 ساعات يوميا، وإذا تجاوزت يترتب عليها عائد مادي إضافي وتحديد إجازات أسبوعية أو شهرية بالنسبة للمقيمات مدفوعة الأجر وتوفير فرص العمل من خلال مكاتب مدربة ومجهزة علي ذلك بحيث تضمن للعاملة عملا آمنا وتضمن للأسرة صاحبة العمل عاملة أمينة. وركزت دراسة استكشافية حديثة لمركز دراسات اللاجئين والهجرة بالجامعة الأمريكية، للباحثة ياسمين أحمد "بعنوان البنات العاملات في خدمة المنازل"، علي عمالة الإناث من الأطفال في خدمة المنازل، والتي تتشابه مع غيرها من أشكال عمالة الأطفال في كونها استراتيجية متفقاً عليها تتبناها الأسر لكي تقلل من نفقاتها أو تزيد من دخلها، موضحة أن هذا النوع من العمل يوفر فرصاً للفتيات جيدة جدا ربما لا تتوافر لهن مع أسرهن، بقدر ما يمكنه أن يعرض آلاف البنات لظروف قاسية وصعبة. «تربية الخدم» تُفسد لغة وسلوك الصغار في أحيان كثيرة تكون الخادمة ضرورة لا غني عنها في البيت، وبخاصة إذا كانت الزوجة عاملة وتضطر للغياب ساعات طويلة عن المنزل، وهنا لا ينحصر دور الخادمة علي إنجاز المهام المنزلية فحسب بل يضاف إلي مهامها رعاية الأطفال والعناية بهم علي طريقة جليسة الأطفال Baby sitter . الطامة الكبري في تأثر الطفل الصغير بسلوكيات الخادمة التي يختلط بها ربما أكثر من أمه، فيقلدها في أقوالها وأفعالها ويستخدم العبارات ذاتها التي تستخدمها وأحياناً تصاب الأم بالدهشة من تصرفات ابنها وقد تصاب بالحرج الشديد حينما ينطق كلمة بطريقة معينة وسط جمع من أصدقاء العائلة فيدركون أنه "تربية خدم"! تنطق سميرة (خادمة ريفية) الكلام بطريقة أهل الريف التي تنتمي إليها، فيقلدها كريم (4 سنوات)، يندهش الأب مهندس الديكور من "مد" الطفل لحروف الكلمات بمبالغة أثناء الكلام، فيسأل الرجل زوجته فتكون الإجابة "للأسف الولد بيقلد سميرة الشغالة"! وهنا تندلع مشاجرة بين الزوجين يتهم فيها كل منهما الآخر بأنه كان السبب في تبدل تصرفات ولهجة الابن. هذه قصة يحدث مثلها الكثير يومياً في بيوتنا المصرية، والحقيقة أن جزءا من المشكلة يقع علي عاتق الأبوين لغيابهما الطويل عن البيت، ما يجعل الطفل يكتسب سلوكه ولغته من الخادمة. يدعم هذه الرؤية د.حمدي الفرماوي (رئيس الجمعية المصرية للدعم النفسي) لافتاً إلي أن الوضع في مصر فيما يتعلق بتأثير الخادمات علي نشأة الطفل بات أمراً يتطلب الدراسة والرصد، وقال: من المفترض أن يكون تأثير الخادمة علي الطفل إيجابيا، لكن للأسف الواقع يؤكد أن التأثير يكون سالباً، وتختلف درجة التأثير حسب السمات الشخصية للخادمة نفسها، وطول الفترة التي تقضيها مع الطفل، وينقسم التأثير إلي نوعين، نفسي ومعرفي، الأول يعتمد علي الخبرات التي يكتسبها الطفل خلال السنوات الخمس الأولي من عمره وتشكل بناءه النفسي، ووجود الخادمة في هذه المرحلة يكون له تأثير عظيم علي شخصيته وبنائه النفسي ويظهر ذلك في سلوكه مستقبلاً في مراحل عمرية لاحقة، لذا لابد من وجود الأم بالقرب من الطفل في سنوات عمره الأولي، إذ لا يمكن بأي حال أن نضع الخادمة موضع المساواة مع الأم. ويضيف الفرماوي: الجانب المعرفي العقلي يظهر في التصرفات السلبية للطفل والتي يكتسبها من تقليده ومحاكاته للخادمة، وهذا يجعله غير قادر علي الانتقال إلي مرحلة عمرية جديدة بسلام وسواء نفسي، لأن المنتج العقلي لديه سيكون عبارة عن اكتسابه لألفاظ غير جيدة أو غير منضبطة في حال وجود خادمة أجنبية مثلاً تتحدث بلغة مختلفة وتتصرف وفق موروثها الثقافي الذي لا يتفق مع بيئة الطفل، وبالتالي يحدث خلل في "الحس اللغوي" لدي الطفل ما يؤدي إلي حدوث تشويش لغوي لديه قد يستمر تأثيره عليه لسنوات طويلة فيما بعد. يتفق معه د.عطية عتاقي (استشاري الأعصاب والطب النفسي) مؤكداً أن السنوات الأولي من عمر الطفل هي التي تشكل ملامح شخصيته وقد يمتد تأثير الخبرات الأولي في الحياة إلي سنوات طويلة من عمر الإنسان. والخادمة قد تنتهز فرصة غياب الأب والأم عن البيت وتعامل الطفل معاملة سيئة أو تتعامل معه وفق موروثها الثقافي والفكري، فترسخ في نفسية الطفل بعض الأمور يكون من الصعب تغييرها مع الوقت، إلا بالخضوع للعلاج النفسي. ويدعو عتاقي الآباء والأمهات إلي عقد جلسات حديث يومية مع أبنائهم للحفاظ علي لغتهم وتنميتها وتفويت الفرصة علي العوامل السلبية التي قد تؤثر علي طريقة نطقهم للكلام أو استخدامهم ألفاظا غير مهذبة يكونون قد اكتسبوها من الخادمة أو العاملين في المنزل.. إلخ، لافتاً إلي ضرورة ألا تطول فترة تواجد الطفل مع الخادمة إلي ساعات طويلة يومياً لأن الطفل لن تكون أمامه أي فرصة لاكتساب مهارات وخبرات جديدة إلا من خلالها، وسيكون من الصعب تعديل هذه المكتسبات مستقبلاً، فالمثل يقول "التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر". من جانبه يري الباحث النفسي محمد حميد الريان أهمية التواصل العائلي مع الأبناء وعدم الاكتفاء بدور الخادمة أو جليسة الأطفال، ففتح باب النقاش والحوار مع صغارنا يفتح معه مدارك الطفل حول أمور مهمة في ثقافتنا وموروثنا الحضاري، أما الارتكان إلي أن الخادمة ستتولي رعاية الطفل والبقاء معه لساعات طويلة يومياً فهذا سيؤدي إلي مشكلات نفسيه تؤثر حتي علي اندماج الطفل اجتماعياً فيما بعد بين أقرانه بالمدرسة أو علي تكوين صداقاته في المستقبل، وربما ينعكس تأثير تربية الخادمة علي اختياره لشريكه حياته بعد ذلك.