ساركوزى.. بالقبعة اليهودية وصداقة ودعم بلا حدود لإسرائيل علي الرغم من المواقف المعلنة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ فوزه في الانتخابات عام 2007 في اتجاه إعادة العلاقات الفرنسية – الأمريكية إلي المنطقة الدافئة وصداقته مع بوش ودعمه بلاحدود للدولة العبرية إلا أنه نجح في إبرام صفقات ضخمة للسلاح والتكنولوجية النووية مع عدة بلدان خليجية وفي وقت قياسي وفي تصريح له ردا علي قضية حظرالنقاب في بلاده قال إننا لانتلقي دروسا من دول تمنع بناء الكنائس لديها، ساركوزي أو "ساركو" الأمريكي كما أطلق عليه في بداية حكمه ليس من أصول فرنسية ومع ذلك فقد وصف المهاجرين من شمال أفريقيا في حوادث الشغب منذ سنوات بأنهم حثالة وأنشأ للمرة الأولي في تاريخ الحكومات الفرنسية وزارة للهوية الوطنية بهدف تفريغ البلاد من المهاجرين غير الشرعيين وتشديد الرقابة علي الهجرة وحماية الهوية خاصة من المسلمين وثقافتهم وفتح الباب لإصدار العديد من التشريعات لحظر الحجاب والنقاب وكافة الرموز الإسلامية وآخرها منع الأذان في مسجد يقام في مارسيليا واستبداله بالأضواء، ووصفه اليهود بأنه من أخلص أصدقاء إسرائيل من بين الرؤساء الفرنسيين بينما مازال النظام العربي الرسمي يتعامل مع فرنسا علي أنها دولة صديقة ومتعاطفة مع قضايا العرب. ينحدر ساركوزي ( 55عاما) من أصول مجرية ومن أم يهودية وقد عانت أسرته من اضطهاد النازيين وبدأ حياته السياسية مبكرا في صفوف اليمين الفرنسي منذ ثلاثين عاما حتي نجح في تولي رئاسة الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل حركة شعبية) عام 2004 الذي أسسه الرئيس السابق جاك شيراك ثم تولي وزارة الداخلية وظهرت خلال توليه نزعاته القومية وتوجهاته تجاه قضايا الهجرة والمهاجرين المسلمين تحديدا - رغم أن فرنسا أغلقت باب الهجرة للعمالة الأجنبية رسميا منذ عام 1974 - وهو صاحب التصريح الشهير " سوف نخلصكم من الحثالة " قاصدا مرتكبي حوادث الشغب في الضواحي الفرنسية عام 2005 كما قاد حملة حظر الحجاب في المؤسسات العامة والمدارس ثم استقال من الوزارة لدخول الانتخابات عام 2007 وفاز علي المرشحة الاشتراكية سيجولين رويال بنسبة 53٪ ليتولي الحكم لخمس سنوات. الاتجاه غربا في فترة حكم شيراك وصل الخلاف بين واشنطن وباريس إلي أبعد مدي خاصة ما يتعلق بالحرب في العراق ومعارضة فرنسا لشنها والمناظرة الشهيرة بين وزير الخارجية السابق دوفيلبان ونظيريه البريطاني (جاك سترو) والأمريكي (كولن باول) في مجلس الأمن وقد ساد التوترعلاقات بوش وشيراك في العديد من الملفات السياسية والاقتصادية، ولكن مع قدوم ساركوزي للحكم تبدلت الصورة بشكل كبير ومد يد الصداقة لواشنطن معربا عن وجود صديق لها في قصرالإليزيه وتعددت لقاءاته مع بوش وسعي لدخول العلاقات بين البلدين مرحلة الدفء بعد البرودة والجفاف السابقة إلي الدرجة التي أطلق عليه المراقبون لقب (ساركو الأمريكي) لمسايرته وتبعيته لسياسات واشنطن خاصة أن الفرنسيين يعانون من العقدة الأمريكية منذ زمن بعيد يعود للحرب العالمية الثانية وإسهام أمريكا في تحريرهم من النازي وسعيهم للتحرر من القبضة الأمريكية وإعلانهم بأن لهم قرارهم المستقل بعيداعن واشنطن، كما كان لكل من ديجول وميتران وشيراك سياسة متوازنة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي وكان لشيراك مواقف عديدة أظهر من خلالها تعاطفا مع الفلسطينيين وأثارت غضب إسرائيل جاء ساكوزي بنهج مغاير زاد من خلاله من اقترابه من المواقف الأمريكية باعتبارحركات المقاومة العربية إرهابية رغم أن فرنسا تحررت من خلال حركة مقاومة وإعلانه أن أمن إسرائيل له أولوية علي أجندة اهتمامات السياسة الفرنسية، وحتي تصريحاته وأركان حكومته جاءت لتصب في صالح تل أبيب فمساندة إقامة دولة فلسطينية علي حدود 76 هو من أجل أمن الدولة العبرية والقنوات الدبلوماسية التي فتحتها باريس مع سوريا ولبنان لعدم تعريض إسرائيل لأي خطر من جيرانها، كما مارس اللوبي اليهودي في فرنسا ضغوطه علي صناع القرار الفرنسي لاستخدام »فزاعة« معاداة السامية ضد كل من يجرؤ علي انتقاد اليهود أو إسرائيل ومضت باريس في هذا الاتجاه عبر تشددها تجاه طهران وملفها النووي خاصة بعد التصريحات النارية التي أطلقها نجاد حول محو إسرائيل من الخريطة. وبالعودة لماضي العلاقات الفرنسية الإسرائيلية نجد أن باريس كانت من أكبر داعمي الدولة العبرية فهي بدأت تسليحها بقدرات نووية منذ عام 1956 وبعلم أمريكي شريطة عدم الإعلان عن برنامجها (سياسة الغموض النووي)، وتعد فرنسا ثاني مصدرتجاري لتل أبيب وتاسع مستقبل لصادراتها وثاني وجهة لسياحها كما أن أكبر نسبة من المهاجرين خلال أربعين عاما هي من اليهود الفرنسيين، كما يرفض ساركوزي تقديم إسرائيل كمعتدية ولكن كضحية وقدم الكثير من الوعود بحمايتها في كافة المحافل الدولية وأحدث هذه الجهود دعوته لتجريم اللاسامية في دول حوض البحر المتوسط، وهوينظرلإسرائيل علي أنها كما جاء في أحد تصريحاته معجزة القرن العشرين التي أدخلت الديمقراطية والتنوع في الشرق الأوسط وهو مادعا أولمرت إلي وصفه بأنه صديق حقيقي لإسرائيل والشعب اليهودي، وهكذا تواصل الدعم الفرنسي بلاحدود للدولة العبرية إلي الحد الذي وصف الكثير من المراقبين عهد ساركوزي بأنه العصر الذهبي لإسرائيل نظرا لما قدمه ولايزال لتل أبيب باعتبار جذوره اليهودية ونهجه المتشدد تجاه القضايا العربية والذي لايراه النظام العربي الرسمي ويكفي القول إنه في العام الماضي قام بزيارة لمدة ثلاثة أيام لعدة بلدان خليجية أبرم خلالها عقودا ضخمة وصلت قيمتها إلي40 مليار يورو لشراء أسلحة متقدمة ومشاركة في مشروعات للطاقة النووية إضافة لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في أبو ظبي، أما فيما يتعلق بنهجه تجاه أمريكا أوباما فقد ساد الود علاقات الرئيسين في البداية ولكن ظهر تباعد كبير في مواقفهما خاصة مع عدم ميل أوباما إلي نهج بوش اليميني المتشدد في التعامل مع ملفات الحروب المفتوحة وفتح أبواب الحوار مع القوي التي اعتبرتها إدارة بوش دولا مارقة مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا وغيرها ومن هنا بدأ ساركوزي توسيع نطاق علاقات بلاده مع عدة قوي عالمية في آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في محاولة للمنافسة وإيجاد موضع قدم في مناطق النفوذ الأمريكي خاصة مع تراجع هذا الدور بسبب الاخفاقات التي منيت بها واشنطن علي يد بوش ومغامراته الفاشلة والأزمة المالية العالمية. مطاردات فضائية النموذج الفرنسي في حرية التعبير واحترام الآخر مني بالعديد من النكسات خلال السنوات الاخيرة من صدور قانون (فابيو جيسو) لمطاردة من ينكرون المحرقة اليهودية ويقدمون للمحاكمة بتهمة معاداة السامية إلي مطاردة القنوات الفضائية التي تبث إرسالها علي أقمار صناعية فرنسية وقد طال هذا العقاب العديد من هذه القنوات وكانت البداية بقناة (المنار) التابعة لحزب الله اللبناني والتي اتهمها مجلس البث الفضائي الفرنسي بالتحريض علي الإرهاب ومعاداة السامية وتم حظر بث إرسال القناة علي الأقمار الفرنسية عام 2004 ثم وخلال الأسابيع الماضية تكررنفس المشهد والموقف ولكن مع قناتين عربيتين جديدتين الاولي قناة (الرحمة) الدينية المصرية وتم إتهامها بالخطاب التحريضي ضد اليهود وتم وقف بثها، ثم قناة (الأقصي) الفلسطينية والتي ينطلق بثها من غزة وتتبع حركة حماس والغريب أن هذه القنوات تتحدث بالعربية فأي خطر تمثله علي المشاهد الأوربي ولكن يقف وراء هذا الإرهاب الإعلامي قوي اليمين المتشدد واللوبي اليهودي في فرنسا والذي يداوم علي تقديم الشكاوي ضد أي قناة يراها معادية ولإسكات أي صوت يشير بأصابع الاتهام لجرائم وعدوانية الكيان الإسرائيلي وهكذا تبدو علمانية فرنسا أشبه بالجبن السويسري المليء بالثقوب وتبدو العنصرية في أبهي صورها في فرنسا بلد النور والحرية ولكنها حرية الفرنسيين وحدهم والباقي كما وصفهم ساركوزي بالحثالة، إنها فرنسا التي توهمنا في العلن أنها صديقة للعرب والمسلمين ولكنها تمارس حربا تدور ساحتها في مدنها وخارج حدودها ضد العرب والمسلمين والذين تخشي من تحولهم إلي غالبية سكانها في يوم من الأيام، فرنسا التي ترفض الاعتذار عن جرائمها ضد الجزائريين والتي راح ضحيتها خلال حرب التحرير أكثر من مليون شهيد في عدة سنوات ونكافئها بالصفقات الضخمة.