حكمة الله سبحانه وتعالي اقتضت تصارع الخير مع الشر منذ خلق هذا الكون الفسيح، فكان رسل الله وأنبياؤه إلي الناس لهدايتهم إلي الطريق المستقيم، ومع ذلك فقد واجه كل نبي منهم الكثير من الافتراءات والصراعات والمواجهات علي أيدي جماعات من أعتي أنواع المجرمين الذين قاوموا تلك الهداية بألوان من الأحقاد والأكاذيب والفساد.. لقد نذروا أنفسهم لمحاربة رسل الله بدعوي أنهم أصحاب بدع تارة، وإفساد عقائدهم وأفكارهم تارة أخري! هل نسينا بداية المسلسل من قديم الأزل مع نبي الله موسي (عليه السلام)، وكان بطل الإساءة فرعون وملأه، فلم ير في موسي ودعوته إلا إفسادا في الأرض، وتخريبا لحياة الجاهلية التي عاشها قومه قرونا طويلة، لنتأمل ماجاء عن ذلك في القرآن الكريم: {وقال فرعون ذروني أقتل موسي، وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}. وهاهي التوراة تقول إن موسي تعرض للنقد الجارح من أخيه هارون وأخته مريم عندما تزوج ثانية من امرأة كوشية أعجبته: (وتكلمت مريم وهارون علي موسي بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها، فقالا: هل الرب كلم موسي وحده، ألم يكلمنا نحن أيضا، فحمي غضب الرب عليهما، فالتفت هارون إلي مريم وإذا هي برصاء، فقال هارون لموسي: أسألك يا سيدي لاتجعل علينا الخطيئة التي جمعتنا وأخطأنا بها سفر العدد 21 : 1 - 11. وهاهو المسيح (عليه السلام) يشك فيه أقرباؤه ويعتبرونه مختلا عقليا: »ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه مختل إنجيل مرقس 3 : 12. وحين سمع كثير من تلاميذه بعض مواعظه، فإنهم انفضوا عنه وتركوا صحبته شكا فيه، فلم يبق معه إلا اثنا عشر حواريا.. الإنجيل يقول لنا ذلك: (فقال يسوع للاثني عشر: ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا إنجيل يوحنا 6 76). يذكر القرآن الكريم تفصيلا صنوف الاتهام التي تعرض لها أنبياء الله ورسله ومنها الكذب والسحر والجنون والرغبة في التسلط.. إلي آخر تلك الاتهامات الكاذبة التي قرأناها في قوم نوح وعاد وصالح وموسي وهارون وعيسي وأخيرا سيدنا محمد([): {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويقولون أئننا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون}. الحرب العدائية التي صاحبت رسول ([) ماهي إلا استمرار لما تعرض له السابقون من الأنبياء والمرسلين.. القرآن الكريم حدثنا عن ذلك: {كذلك، ما أتي الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون، أتواصوا به بل هم قوم طاغون}. وتمر السنون والقرون الطويلة ومازلنا نري صورا متعددة للإساءة لنبي الإسلام محمد ([) والطعن في الإسلام وتاريخه، حتي أن السيرة النبوية الشريفة تعرضت للكثير من المغالطات والتشويه والمفتريات، علي أيدي رجال الكهنوت، والمستشرقين والمبشرين، والكتاب، وخلفاء الاستعمار، وأتباع الصهاينة الحاقدين، حتي أن القرآن الكريم تنبأ بهذا الواقع الأليم منذ أكثر من 41 قرنا عندما قال: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}. لكن هؤلاء المتربصين للإساءة للإسلام ونبيه الكريم([) ينكشفون.. ويتساقطون بسبب أفكارهم التافهة والهشة، والتي تستقي مصادرها من تحريفات متعمدة، وأساطير خيالية مشوهة لايقبلها إنسان عاقل.. وآخر تلك (التفاهات) هو ذلك الفيلم الساقط التافه المسيء لسيدنا رسول الله([) والذي قامت ضده الدنيا ولم تقعد. لكننا لابد أن نصارح أنفسنا بأننا تعاملنا مع هذه الأزمة بشكل غير حضاري بالمرة، كان المفروض أن نحتج علي هذا العمل الهابط المسيء لسيدنا الرسول ([) بطريقتين: عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية لمخاطبة أمريكا للفت الأنظار لأولئك المتاجرين بقضية الفتنة الطائفية من أقباط المهجر، وبأن للحريات حدودا، أما الطريقة الثانية فبوقفات احتجاجية سلمية للتعبير عن غضب الشارع العربي والإسلامي للتنديد بهذه الإساءة في حق نبيهم الكريم. أما ماحدث في دول العالم العربي والإسلامي فيعكس حجم تلك البلطجة المرفوضة من عنف، وقتل، وإصابات، وإشعال النيران في المباني والممتلكات والسيارات، وتراشق بالحجارة علي السفارات الأمريكية والاعتداء علي الدبلوماسيين، والصدام المستمر بين المواطنين وقوات الأمن، واستغل هذه المظاهرات الصاخبة (صبية) عاطلون، وقد لايعرف أحدهم قراءة الفاتحة وأركان الوضوء لكنه انغمس في قوافل التخريب تحت ستار الدفاع عن الرسول[. وكانت النتيجة المتوقعة أن أمر الرئيس الأمريكي (أوباما) بمراجعة أمنية لكل السفارات الأمريكية بالشرق الأوسط، ومدها بقوات من مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) لحمايتها، وتخيلوا ماسوف يترتب علي وصولها جاردن سيتي، وماسيحصده المواطن المصري من متاعب ومشاكل سبق أن ذقنا بعض مرارتها في العهد السابق قبل الثورة رغم أن هذه الحراسات كانت أقل شراسة من المارينز؟! لنكن حضاريين في التعامل مع المواقف والأزمات والأحداث، ولنتذكر دائما أن المبالغة في ترديد الافتراءات والاتهامات والأكاذيب قد يرفعها إلي مرتبة الحقائق والتصديق!!