في ظل سياسة.. الغموض.. والحالة الضبابية التي نعيشها هذه الأيام.. لا أحد يدري ما إذا كان قرض صندوق النقد الدولي نعمة.. أم نقمة.. خاصة بعد أن ارتفعت قيمة القرض - بين عشية وضحاها- من3.2 مليار إلي 4.8 مليار دولار!.. البعض يري أن هذا القرض بمثابة "طوق النجاة" للاقتصاد المصري الواهن لاجتذاب الأموال مجددا للبلاد خاصة بعد أن هبط الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد مؤخرا إلي 14.4مليار دولار، وفي ظل عجز في الميزانية للعام المالي 2013 يبلغ 7.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي.. ووصول الدين الداخلي إلي 193 مليار دولار، والدين الخارجي إلي 33.8 مليار دولار.. هذا بخلاف الهبوط الحاد في إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي وهما اثنان من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي لمصر.. ولكن الأمر يتطلب إصلاحات صعبة. في حين يرفض آخرون وعلي رأسها الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر بهذا القرض -جملة وتفصيلا-ويرونه عبئا ثقيلا سوف تتحمله الأجيال القادمة مستقبلا واصفين القرض"بديون الاستبداد" التي تقع في دائرة الديون الكريهة التي يجب علي مصر عدم سدادها. عادت مصر مرة أخري إلي مائدة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولكن هذه المرة للحصول علي قرض يبلغ 4.8 مليارات دولار بدلا من 3.2 في محاولة لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناق البلد وتهدد باندلاع المزيد من الاضطرابات وكانت التوقعات الاقتصادية في مصر قد تراجعت خلال الأشهر السبعة الماضية منذ رفض الحكومة المصرية عرض صندوق النقد الدولي في يونيو الماضي نتيجة للمخاوف العامة من أن شروط الصندوق لتقديم القرض قد تشكل مساسا بالسيادة المصرية، إلا إنه من الواضح أن هذا القرار تم الرجوع عنه في ظل عدم وجود وسيلة أخري لتمويل العجز في الميزانية العامة في مصر وتعويض تناقص الاحتياطي الخارجي. وعلي الرغم من أن إجراءات الحصول علي القرض منذ أن التقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالرئيس المصري محمد مرسي تسير بصورة أكثر يسرا عن ذي قبل وهي الزيارة التي دعمت محورين مهمين.. الأول بوجود بعثة رفيعة المستوي برئاسة كريستين لاجارد مديرة الصندوق الدولي وهو أمر نادر الحدوث.. والثاني تمثل في زيادة القرض من 3.2 مليار دولار إلي 4.8 مليار، بزيادته 1.6 مليار دولار.. وهو الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام. كما أن اشتراطات صندوق النقد الدولي للحصول علي هذا القرض مازال يشوبها التعتيم الغريب وكأن الأمر -أسرار حربية- حيث اكتفي هشام قنديل رئيس الحكومة بمقولة مفادها أننا اتفقنا علي خارطة مع الصندوق تنتهي في نوفمبر أو ديسمبر القادم يتم بعدها التوقيع علي القرض. في حين جاءت تصريحات لاجارد أكثر غموضا عندما قالت إنني أريد أن أساعد مصر-لا جدال في هذا الأمر-ولكن يجب أن يتم هذا وفقا لقواعد وشروط الصندوق. هذا في الوقت الذي يري فيه بعض الاقتصاديين أن هذا القرض الذي طلبته مصر من صندوق النقد الدولي سيوفر متنفسا ماليا ثمينا لحكومة الرئيس محمد مرسي غير أنه سيترتب عليه تطبيق إصلاحات صعبة علي الصعيدين السياسي والاجتماعي..خاصة بعد التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته مصر إثر الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير 2011 ليضاف إلي سلسلة صعوبات اقتصادية موروثة من العهد السابق ومنها الدعم الحكومي للمواد الأساسية الذي يثقل كاهل الموازنة ، والفساد المستشري في معظم الدوائر العامة، والفقر المدقع الذي تعاني منه شريحة كبري من السكان.. إذ إن40٪ من المصريين مازال يعيش الواحد منهم بأقل من دولارين في اليوم. كما جاء انخفاض احتياطي المصرف المركزي المصري من العملات الصعبة بأكثر من النصف (من 36 مليار دولار في 2011 إلي 14.4 مليار اليوم) ليزيد من ضعف ميزانية البلاد ويهدد قدرتها علي استيراد المواد الأساسية مثل الوقود والقمح..كذلك فإن عجز الموازنة العامة سيرتفع بحسب التقديرات الرسمية إلي 12.5٪ في السنة المالية الجارية 2012 - 2013 ليصل إلي حوالي 22.5 مليار دولار. وبالنسبة لقطاع السياحة الذي يتعيش منه بشكل مباشر أو غير مباشر حوالي 10٪ من السكان لم يستعد عافيته بعد.. حتي وإن شهد مؤخرا تحسنا مقارنة بالفترة التي تلت اندلاع الثورة ضد النظام السابق.. هذا بخلاف التراجع الشديد في الاستثمارات الأجنبية أحد الروافد القوية للعملة الأجنبية للبلاد. لذا يري أحمد جلال الخبير في مركز الأبحاث الاقتصادية أن مصر بحاجة إلي عشرة مليارات دولار لبدء النهوض من الأزمة، وعليها أيضا أن تحرك بعض الموارد الأخري، إضافة إلي قرض الصندوق البالغ 4.8 مليار دولار..كما أن الحصول علي القرض يجب أن يترافق مع برنامج إصلاحات داخلية يمتد علي مدي سنوات عديدة. أما الخبير الاقتصادي انجوس بلير من معهد سيجنيت ومقره القاهرة فيري ان مسألة رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية20٪ من الموازنة العامة للدولة يذهب لدعم أسعار الوقود الذي يتصدر سلم الإصلاحات الواجب إقرارها.. لكنه لن يكون إجراء شعبيا علي الأرجح..ويؤكد علي ضرورة حل مسألة الدعم حتي يذهب إلي مستحقيه فقط. ويري مستثمرون دوليون أن طلب مصر لقرض من صندوق النقد الدولي هو بمثابة خطوة رئيسية لاجتذاب الأموال مجددا إلي البلاد لكنهم ربما يريدون مزيدا من التقدم قبل أن يضخوا أموالهم..خاصة أن السوق المصري بعد أن كانت سوقا ناشئة محببة للمستثمرين، إلا أنها فقدت جاذبيتها وامتزجت المخاوف بالقلق من عدم الاستقرار ومن هبوط قيمة العملة وتضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي. فمن المرجح أن يساهم القرض في تفادي أزمة ديون أو أزمة عملة.. حيث يقول دانييل بروبي رئيس الاستثمار لدي سيلك إنفست إنه سينظر إلي قرض صندوق النقد الدولي علي أنه خطوة إيجابية رغم أن احتمال حدوث مزيد من التراجع لقيمة العملة لا يزال قائما إلا أن القرض سيساهم في دعم الجنيه ضد نتيجة أكثر سوءا. وعلي الجانب الآخر تري أصوات المعارضة أن ما تنويه حكومة قنديل هو حل سهل ومريح كما كانت تفعل الحكومات السابقة قبل الثورة بالاقتراض الخارجي الذي يترتب عليه زيادة الدين العام علي الأجيال القادمة. فعلي سبيل المثال عبر حزب مصر القوية "تحت التأسيس" برئاسة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن اعتراضه علي طلب مصر الاقتراض لأنه سيؤدي إلي زيادة الأعباء علي المواطنين..وسوف تواجه الدولة أزمة في ميزان المدفوعات وارتفاع كلفة الاقتراض.. وتتحمل البنوك المحلية العبء الأكبر من إقراض الحكومة. كما استنكرت الحملة الشعبية لإسقاط ديون مصر احتياج الدولة لقروض خارجية..وناشدت الرئيس الدكتور محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة وجميع الأحزاب المصرية والحركات السياسية رفض قرض صندوق النقد الدولي، بعد أن أثبت التاريخ أن الاعتماد علي الصندوق وشقيقه البنك الدولي لم يؤد إلي نهضة أمة أو تقدمها.