عندما نتحدث عن الرسول الكريم([) كأب، نري صورة من أروع الصور لمشاعر الأب.. الحنان .. والحب.. والرعاية.. والإيمان بقضاء الله وقدره. عندما سمع رسول الله ([) بمرض ولده إبراهيم، وكان يسكن مع أمه مارية، وكان سنه ستة عشر شهرا وكان الرسول الكريم ([) يحب ابنه إبراهيم حبا جما، وفيه الكثير من ملامحه، وكان قد فقد أولاده جميعا، ما عدا فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين. واشتدت العلة بإبراهيم، وأخذه النبي الكريم([) في صدره وهو ينظر إليه في حنان وهو يجود بأنفاسه ويقول له: إنا يا إبراهيم لانغني عنك من الله شيئا. وعندما مات إبراهيم، ذرفت من عينيه الدموع وقال: يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك بأشد من هذا. وقال وهو يتجه إلي ربه: تدمع العين، ويحزن القلب، ولانقول إلا ما يرضي الرب إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف: ما عن الحزن نهيت، وإنما نهيت عن رفع الصوت بالبكاء، وأن ماترون بي أثر ما في القلب من محبة ورحمة، ومن لم يبد الرحمة لم يبد غيره عليه الرحمة وحدث أثناء ذلك كسوف للشمس وقالت بعض الأصوات إن الشمس كسفت لوفاة إبراهيم، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاتخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلي ذكر الله بالصلاة. ويقول عنه الأستاذ العقاد كأب: أرأيت إلي الحسن بن فاطمة وقد دخل عليه فركب ظهره وهو ساجد في صلاته.. إن النبي في صلاته لهو النبي في مقامه الأسني ليشفق أن يشغل الصبي عن لعبه فيطيل السجدة حتي ينزل الصبي عن ظهره غير معجل، ويسأله بعض أصحابه: لقد أطلت سجودك؟ فيقول : إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله! أرأيت إلي فاطمة تدخل البيت أشبه الناس مشية بمشية محمد؟ أرأيت إلي حنان يفيض علي القلب كحنانه حين يري فتاة تشبه أباها في مشيته وسمته. تلك فاطمة بقية الباقيات من الأبناء والبنات، فيختصها النبي([) في غشية وفاته: إني مفارق الدنيا فتبكي.. إنك لاحقة بي فتضحك.. في هذا الضحك وفي ذلك البكاء علي برزخ الفراق بين الدنيا والآخرة أخلص الود والحنان بين الأب والأبناء.. سرها بنبوته، وسرها بأبوته، فضحكت ساعة الفراق لأنها ساعة الوعد باللقاء.. وكذلك فارق الدنيا أكرم الأنبياء وأكرم الآباء.