عنوان هذه المقالة مقتبس من اسم رواية بديعة للأديب المصري العالمي ألبير قصيري (3191 8002) والمقصود بالشحاذين النبلاء فقراء مصر الذين حملهم قصيري في قلبه إلي باريس حيث استقر منذ مطلع شبابه المبكر وحتي مماته.. أما لماذا استدعيت اسم الرواية وصاحبها؟ فلأنه كان يتبني فلسفة تجاه العالم هي الغضب من فساده ومظهريته، مؤثرا العيش باستغناء خارج أسر الماديات وحب الامتلاك البغيض وجمع الثروة المؤرق، وكلها صفات مضادة للقبح العالمي السائد، خاصة مع ما نشهده من تصدع الرأسمالية وفساد رؤوس الأموال من أمريكا إلي اليونان المتهاوية مرورا بإيطاليا وأسبانيا. عاشت أوروبا قمة الرفاهية، فمياه الشرب النقية متعددة الأنواع والأسعار، أثمنها من نبع الملك لويس 41 حيث يصل سعر الزجاجة المعبأة منه إلي 89يورو. أما الطعام الفاخر فينتمي للأطباق المصنوعة من خضراوات نادرة تنمو في الأحراش والغابات، وسعرها أضعاف ثمن الأطباق البروتينية ذات اللحوم، لأنها أكثر فائدة للصحة.. هكذا كان يعيش المواطن الأوروبي بعد أن تجاوز مرحلة تاريخية عتيقة من الثورات الكبري وترسيخ الحريات السياسية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، والتناغم الحضاري بين الأديان والأجناس، ولكن السقوط الاقتصادي تكفل بسحق الكرامة الإنسانية للمواطن الأوروبي في ظل الظروف المادية الراهنة.. فقراء إيطاليا واليونان وأسبانيا ليسوا من قاع الدنيا مثل فقراء مصر المعتادين علي الانسحاق والعوز، لذلك يقدمون علي الانتحار عندما يداهمهم الزلزال الاقتصادي و»يدفنهم بالحيا«، بينما في مصر يقوم الشحاذون النبلاء بمناورة الفقر والتحايل علي الحياة التي يتشبثون بها لآخر رمق حتي ولو اقتاتوا الفتات من صناديق القمامة.. فالانتحار حرام بحكم الدين، وبحكم حب الحياة الذي يغمر قلوب المصريين رغم قسوة الفقر. ديميتريس كريستولاس.. صيدلي يوناني عمره 77سنة، انتحر أمام البرلمان اليوناني احتجاجا علي إجراءات التقشف.. وعجائز يبيعون اليانصيب بعد قرار خفض رواتبهم، كما انتشرت محلات رهن المجوهرات.. وفي إيطاليا صار موقع انتحار رجل أعمال أفلس، مزارا ومكانا لإضاءة الشموع والاحتجاج.. وفي أسبانيا شاب عمره 04سنة تم الاستغناء عنه في العمل ففشل في دفع إيجار البيت، ووجد نفسه في الشارع يتسول فعليا مع كثيرين غيره ويذهب إلي الجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية لينال وجبة غذائية مجانية وينتظر إيجاد مأوي يرحمه من النوم في العراء.. وطبعا هذه »البهدلة« جديدة علي الأوروبيين وتشعل الاتحاد الأوروبي بمباحثات مكثفة لإنقاذ الدول المتهاوية وإلا انفرط عقدهم جميعا ومات اليورو أمام سائر العملات العفية. وبموازاة الانحطاط الاقتصادي الذي خذل دولا أوروبية وكشف عن فساد فادح في القطاعات المصرفية والائتمانية خصوصا فيما يعرف بدول حوض البحر الأبيض المتوسط (اليونان وإيطاليا وأسبانيا)، فإن التجربة الأوروبية في مجال التنمية البشرية قد أثبتت نجاحها وجدواها، ففي الريف الفرنسي مثلا تتحقق للأسرة حياة كريمة من تسويق منتجاتها الزراعية والحيوانية: لحوم، دواجن، ألبان، بيض، خضراوات وفواكه.. وكذلك الانتفاع بها في غذاء الأسرة علي أساس صحي، حيث لا تدخل الكيماويات في هذه المنتجات الحيوانية أو الزراعية، فالبقرة الأوروبية تدر 51كيلو جراما من اللبن يوميا، بينما البقرة المصرية العليلة لا تنتج في اليوم الواحد سوي خمسة كيلوجرامات.. إنها كالعادة عنوان صادق علي محنة الفلاح المصري وسوء الصحة والتغذية التي يعانيها.. يظل إذن شحاذو أوروبا تحت عناية الاتحاد الأوروبي الذي يحاول انتشالهم حتي لا يغلق أبوابه.. أما شحاذونا فلا صحة ولا اتحاد عربي يغيثهم. ارجع يازمان.. حن ياماضي أيام الحب ما كان عادي ولا كان الشوق للناس تهمة ولا نظرة عين وحنين أزمة ولا عقل الناس خاوي وفاضي حن ياماضي.. الكلمات السابقة من أغنية عذبة ألفها الشاعر الثائر د.مدحت العدل، وزينت تيترات مسلسل مهم من تأليفه بعنوان: »قصة حب«.. المسلسل ينتصر لفكرة الحرية المنضبطة والمسئولة متمثلة في شخصية بطله ناظر المدرسة ومعلم الأجيال ياسين الحمزاوي (الفنان جمال سليمان)، كما يرفض المسلسل كآبة التزمت والتطرف وفرض الرأي والرؤي باسم امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة، وذلك في سياق درامي سلس وإخراج بديع للمخرجة الشابة إيمان حداد.. ورغم بثه في شهر رمضان قبل عامين أجده ملائما للتكرار والإعادة حتي ينير العقول والأفئدة، ويقاوم العتمة المتسللة إلي النفوس الضعيفة التي يستغلها الذين يشوهون سماحة الدين الجميل.