تترات فيلم الديكتاتور تقدم تحية خاصة (لكيم جونج لي)، وقد يعتقد البعض أن هذه التحية، هي تكريم له أو تذكرة للمشاهدين به، وخاصة أن الفيلم أو أي فيلم يصبح بعد ذلك وثيقة تاريخية تبقي مدي الحياة، ولكن بعد أن تبدأ أحداث الفيلم الذي قام بتأليفه وأداء دور البطولة فيه (ساشا بارون كوهين)، سوف تكتشف أن ذكر أسم "كيم جونج لي" هو نوع من التهكم والسخرية، من ديكتاتور كوريا الشمالية، الذي مات العام الماضي، بعد أن ورث الحكم لابنه!! وكان قد بدأ حكمه لجمهورية كوريا الشمالية خلفا لوالده، الذي توفي عام 4991 وقد شغل كيم جونج لي، كما يفعل كل ديكتاتور، كل المناصب الهامة في بلاده، فهو قائد الجيش، ورئيس الحزب الحاكم، والقضاء والشرطة، باختصار لقد جمع في يديه كل خيوط اللعبة، كل السلطات، وامتد نفوذه ليشمل كل مؤسسات الدولة، ومثل كل ديكتاتور أصبح يوم ميلاده، من الأعياد الوطنية التي تعطل فيها الوزارات وتتوقف الأعمال ليحتفل الشعب قهراً، بهذه المناسبة السعيدة! التقط الممثل الأمريكي اليهودي ساشا بارون كوهين، حالة الديكتاتور، وقرر أن يقدم عنه فيلما، وقد استحضر عدة نماذج من الحكام العرب، كلهم يحملون لقب ديكتاتور مع مرتبة الشرف، منهم صدام حسين، الذي يحمل حافظ علاء الدين »اسم الشخصية« الكثير من صفاته، مخلوطة ببعض ملامح وصفات القذافي وخاصة ما يتعلق ببعض تصرفاته التي كانت تثير الضحك والسخرية بقدر ما تثير الرثاء، ليس لحاله ولكن لحال البلد الذي يحكمه، سوف تجد في الفيلم، ملامح كثيرة من مسرحية الزعيم التي قدمها عادل إمام لأكثر من عشر سنوات، والحكاية ليس فيها أي عجب لأنها مأخوذة من نص أجنبي، قامت عليه كثير من المعالجات السينمائية والمسرحية في مصر والعالم، وهي فكرة الحاكم الديكتاتور الفاسد الذي يقتل أو يموت، ويتم استبداله ببديل يشبهه، يحاول هذا البديل الإصلاح، ولكنه يكتشف ان هناك شبكة عنكبوتية من المصالح والمفاسد تعوقه عن تحقيق حلمه في الإصلاح، حدث هذا في فيلم نجيب الريحاني سلامة في خير، وصاحب الجلالة فريد شوقي ،كما قدمت السينما الأمريكية فيلم (ديف) بطولة كيفين كالكين، وسيجورني ويفر! حاول (ساشا بارون كوهين) الدعاية لفيلمه، الديكتاتور، من خلال حضور حفل الأوسكار، الذي أُقيم في فبراير الماضي، وارتدي ملابس الجنرال علاء الدين الديكتاتور العربي، بلحيته الكثيفة التي تشير إلي بن لادن،ولكن المشرفين علي حفل الأوسكار، رفضوا حضوره بهذا الزي، الذي يعتبر إعلاناً صريحا لفيلمه الذي كان لم يعرض بعد، واكتفي (ساشا) بالتواجد علي السجادة الحمراء أمام كاميرات التليفزيون، وعدسات مصوري الصحف والمجلات الذين يبلغ عددهم بالآلاف في هذا اليوم المشهود! وحقق الفيلم الذي عرض في منتصف مايو الماضي، إيرادات معقولة، ولكنها تقل عن إيرادات أفلامه السابقة "بورات" و"بورنو"، رغم إنه يعتمد في معظم أفلامه علي ثلاثة عناصر مهمة في تفجير الكوميديا، منها السخرية الشديدة من (التابوهات) التقليدية مثل الجنس والدين والسياسة، وإطلاق أكبر كم من الإفيهات (الأبيحة)، مع بعض النقد للسياسة الأمريكية في الداخل والخارج! إنها تلك الكوميديا الخشنة التي تميز بعض نجوم أمريكا اليهود! أحداث الفيلم تم تصويرها في أرتيريا، رغم أن الأحداث تؤكد أنها إحدي الدول العربية التي تمتلك حقولا للنفط ،الذي تريد أمريكا أن تضع يدها عليه، والجمهورية الوهمية أطلق عليها ساشا كوهين إسم (واديا) وحاكمها (علاء الدين) ورث الحكم عن والده، وهو دكتاتور مخبول ومهووس، لايطيق أن يعارضه أحد، وقد حكم بالإعدام علي عشرات من أهم علماء بلاده، لأسباب غاية في التفاهة، ومثل صدام حسين، فهو يستعين بأكثر من بديل خوفا من محاولات اغتياله المتكررة، ويشبه القذافي في أنه يستعين بجيش من الحرس النسائي لحمايته، أما وزيره ونائبه ويلعب دوره (بن كنجسلي) فهو كما العادة في معظم الأفلام التي تتناول بطانة الديكتاتور، فهو يتآمر ضده، ويسعي للتخلص منه، ووضع بديل له ينفذ رغباته، ويحقق مصالحه ويمنحه مزيدا من النفوذ! يسعي علاء الدين لامتلاك الأسلحة النووية، ويواجه مثل صدام، اتهاما بأنه مصدر خطر للدول المجاورة وخاصة إسرائيل، ويذهب علاء الدين إلي أمريكا، لإلقاء كلمة في الأممالمتحدة، يؤكد فيها كذبا أنه سوف يسخر السلاح النووي في خدمة البشرية وليس تدميرها، ولكن يحدث ما يغير من الخطة، ومن مسار حياة هذا الدكتاتور، الذي يجد نفسه مخلوعا من مكانته، نتيجة مؤامرة من نائبه الذي وضع مكانه البديل، أما الدكتاتور علاء الدين فهو يضطر لإخفاء هويته والتخلي علي لحيته الطويلة، حتي ينجو من ملاحقة أعدائه، ولكنه يجوب شوارع أمريكا وهو لايملك وسيلة لكسب الرزق، ويتعرف علي فتاة تمتلك متجرا يبيع المنتجات الغذائية الطبيعية، التي تخلو تماما من التدخل الكيميائي، بالإضافة لكونها إحدي المناضلات في منظمات حقوق الإنسان التي تحارب التمييز العنصري، وتتعاطف الفتاة مع علاء الدين دون أن تعرف شخصيته الحقيقية، معتقدة أنه لاجيء سياسي، وهارب من جحيم الحكم في بلاده، ويتعلم منها بعض فنون الحياة، ويتعلق بها عاطفيا، ويكتشف وهو في أمريكا وجود بعض ممن أصدر عليهم حكما بالإعدام، ويتأكد ان أوامره بإعدامهم لم تنفذ، والغريب أن أحد هؤلاء العلماء يتعاطف معه، ومع ما آل إليه حاله، ويتفق معه علي إعادته الي كرسي الحكم وإحباط خطة نائبه، الذي كان قد تعاقد مع الأمريكان علي منحهم حقوق استغلال البترول في بلاده، مقابل إعلان الديمقراطية "الوهمية" وعمل انتخابات نزيهة!! لوقف تدفق الثورة ضد الحكم الديكتاتوري في بلاده، وفي هذا يقول في حوار ظريف لاحد معاونيه، لقد قررت أن امنحهم الديمقراطية ولكن علي طريقتي،بعد أن شاهدت بعيني نهاية صدام حسين، والقذافي، ومبارك،ولا أريد أن أصبح الحاكم الرابع الذي يطيح به شعبه من علي كرسي الحكم! شخصية الحاكم الديكتاتور تثير شهية المبدعين دائما، فهي شخصية تحمل بذور فنائها مهما طال الزمان، فلاينتظرها إلا نهاية واحدة محتومة، وربما يكون فيلم الديكتاتور العظيم THE GREAT DICTATOR" الذي قدمه شارلي شابلن في عام 0491 من أهم تلك الأفلام التي اعتمدت علي كوميديا الفارس، وإذا كان الحاكم الديكتاتور يحمل ملامح عربية في السنوات الأخيرة، فقد كان في فيلم شابلن يحمل ملامح هتلر، الذي روع العالم، وأدي إلي دمار نصف العواصم الأوروبية، إلا أنه اطلق علي الشخصية اسم "هينيكيل" الذي يحكم دولة وهمية ربما لن تتذكر الأجيال القادمة هتلر، وسوف تضيع من ذاكرة الشعوب العربية سيرة مبارك والقذافي وصدام كما حدث مع غيرهم، فالطغاة يموتون غير مأسوف عليهم ،بينما تبقي الأفلام!!