تترات فيلم «الديكتاتور» تقدم تحية خاصة «لكيم جونج لى»، وقد يعتقد البعض أن هذه التحية، هى تكريم له أو تذكرة للمشاهدين به، وخاصة وأن الفيلم أو أى فيلم يصبح بعد ذلك وثيقة تاريخية تبقى مدى الحياة، ولكن بعد أن تبدأ أحداث الفيلم الذى قام بتأليفه وأداء دور البطولة فيه «ساشا بارون كوهين»، سوف تكتشف أن ذكر أمس «كيم جونج لى» هو نوع من التهكم والسخرية، من ديكتاتور كوريا الشمالية، الذى مات العام الماضى، بعد أن ورث الحكم لابنه! وكان قد بدأ حكمه لجمهورية كوريا الشمالية خلفا لوالده، الذى توفى عام 1994، وقد شغل كيم جونج لى، كما يفعل كل ديكتاتور، كل المناصب الهامة فى بلاده، فهو قائد الجيش، ورئيس الحزب الحاكم، والقضاء والشرطة، باختصار لقد جمع فى يديه كل خيوط اللعبة، كل السلطات، وامتد نفوذه لتشمل كل مؤسسات الدولة، ومثل كل ديكتاتور أصبح يوم ميلاده، من الأعياد الوطنية التى تعطل فيها الوزارات وتتوقف الأعمال ليحتفل الشعب قهراً، بهذه المناسبة السعيدة! التقط الممثل الأمريكى اليهودى ساشا بارون كوهين، حالة الديكتاتور، وقرر أن يقدم عنه فيلما، وقد استحضر عدة نماذج من الحكام العرب، كلهم يحملون لقب ديكتاتور مع مرتبة الشرف، منهم صدام حسين، الذى يحمل حافظ علاء الدين «اسم الشخصية» الكثير من صفاته، مخلوطة ببعض ملامح وصفات القذافى وخاصة ما يتعلق ببعض تصرفاته التى كانت تثير الضحك والسخرية بقدر ما تثير الرثاء، ليس لحاله ولكن لحال البلد الذى يحكمه، سوف تجد فى الفيلم، ملامح كثيرة من مسرحية «الزعيم» التى قام قدمها عادل إمام لأكثر من عشر سنوات، والحكاية ليس فيها أى عجب لأنها مأخوذة من نص أجنبى، قامت عليه كثير من المعالجات السينمائية والمسرحية فى مصر والعالم، وهى فكرة الحاكم الديكتاتور الفاسد الذى يقتل أو يموت، ويتم استبداله ببديل يشبهه، يحاول هذا البديل الاصلاح، ولكنه يكتشف أن هناك شبكة عنكبوتية من المصالح والمفاسد تعوقه عن تحقيق حلمه فى الإصلاح، حدث هذا فى فيلم نجيب الريحانى «سلامة فى خير»، و«صاحب الجلالة» فريد شوقى، كما قدمت السينما الأمريكية فيلم «ديف» بطولة كيفين كالكين، وسيجورنى ويفر! حاول «ساشا بارون كوهين» الدعاية لفيلمه، الديكتاتور، من خلال حضور حفل الأوسكار، الذى أُقيم فى فبراير الماضى، وارتدى ملابس الجنرال علاء الدين الديكتاتور العربى، بلحيته الكثيفة التى تشير الى بن لادن، ولكن المشرفين على حفل الأوسكار، رفضوا حضوره بهذا الزى، الذى يعتبر إعلاناً صريحا لفيلمه الذى كان لم يعرض بعد، واكتفى «ساشا بارون كوهين» بالتواجد على السجادة الحمراء أمام كاميرات التليفزيون، وعدسات مصورى الصحف والمجلات الذين يبلغ عددهم بالآلاف فى هذا اليوم المشهود! وحقق الفيلم الذى عرض فى منتصف مايو الماضى، ايرادات معقولة، ولكنها تقل عن إيرادات أفلامه السابقة «بورات» و«بورنو»، رغم إنه يعتمد فى معظم أفلامه على ثلاثة عناصر مهمة فى تفجير الكوميديا، منها السخرية الشديدة من «التابوهات» التقليدية مثل الجنس والدين والسياسة، وإطلاق أكبر كم من الإفيهات «الأبيحة»، مع بعض النقد للسياسة الأمريكية فى الداخل والخارج! إنها تلك الكوميديا الخشنة التى تميز بعض نجوم أمريكا اليهود! أحداث الفيلم تم تصويرها فى ارتيريا، رغم أن الأحداث تؤكد أنها إحدى الدول العربية التى تمتلك حقولا للنفط، الذى تريد أمريكا ان تضع يدها عليه، والجمهورية الوهمية أطلق عليها ساشا كوهين اسم «واديا» وحاكمها «علاء الدين» ورث الحكم عن والده، وهو دكتاتور مخبول ومهووس، لايطيق أن يعارضه أحد، وقد حكم بالاعدام على عشرات من أهم علماء بلاده، لأسباب غاية فى التفاهة، ومثل صدام حسين، فهو يستيعين بأكثر من بديل خوفا من محاولات اغتياله المتكررة، ويشبه القذافى فى أنه يستعين بجيش من الحرس النسائى لحمايته، أما وزيرة ونائبه ويلعب دوره «بن كنجسلى» فهو كما العادة فى معظم الأفلام التى تتناول بطانة الديكتاتور، فهو يتآمر ضده، ويسعى للتخلص منه، ووضع بديلا له ينفذ رغباته، ويحقق مصالحه ويمنحه مزيدا من النفوذ! يسعى علاء الدين لامتلاك الأسلحة النووية، ويواجه مثل صدام، اتهاما بإنه مصدر خطر للدول المجاورة وخاصة اسرائيل، ويذهب علاء الدين الى أمريكا، لالقاء كلمة فى الاممالمتحدة، يؤكد فيها كذبا انه سوف يسخر السلاح النووى فى خدمة البشرية وليس تدميرها، ولكن يحدث ما يغير من الخطة، ومن مسار حياة هذا الدكتاتور، الذى يجد نفسه مخلوعا من مكانته، نتيجة مؤامرة من نائبه الذى وضع مكانه البديل، أما الدكتاتور علاء الدين فهو يضطر لإخفاء هويته والتخلى على لحيته الطويلة، حتى ينجو من ملاحقة أعدائه، ولكنه يجوب شوارع أمريكا وهو لا يملك وسيلة لكسب الرزق، ويتعرف على فتاة تمتلك متجرا يبيع المنتجات الغذائية الطبيعية، التى تخلو تماما من التدخل الكيميائى، بالاضافة لكونها إحدى المناضلات فى منظمات حقوق الانسان التى تحارب التمييز العنصرى، وتتعاطف الفتاة مع علاء الدين دون أن تعرف شخصيته الحقيقية، معتقدة أنه لاجئ سياسى، وهارب من جحيم الحكم فى بلاده، ويتعلم منها بعض فنون الحياة، ويتعلق بها عاطفيا، ويكتشف وهو فى أمريكا وجود بعض من أصدر عليهم حكما بالاعدام، ويتأكد أن أومره بإعدامهم لم تنفذ، والغريب ان أحد هؤلاء العلماء يتعاطف معه، ومع ما آل إليه حاله، ويتفق معه على إعادته الى كرسى الحكم وإحباط خطة نائبه، الذى كان قد تعاقد مع الامريكان على منحهم حقوق استغلال البترول فى بلاده، مقابل إعلان الديمقراطية «الوهمية» وعمل انتخابات نزيهة!! لوقف تدفق الثورة ضد الحكم الديكتاتورى فى بلاده، وفى هذا يقول فى حوار ظريف لأحد معاونيه، لقد قررت أن أمنحهم الديمقراطية ولكن على طريقتى، بعد ان شاهدت بعينى نهاية صدام حسين، والقذافى، ومبارك، ولا أريد أن أصبح الحاكم الرابع الذى يطيح به شعبه من على كرسى الحكم! شخصية الحاكم الديكتاتور تثير شهية المبدعين دائما، فهى شخصية تحمل بذور فنائها مهما طال الزمان، فلا ينتظرها إلا نهاية واحدة محتومة، وربما يكون فيلم «الديكتاتور العظيم» «THE GREAT DICTATOR» الذى قدمه شارلى شابلن فى عام 1940 من أهم تلك الافلام التى اعتمدت على كوميديا الفارس، وإذا كان الحاكم الديكتاتور يحمل ملامح عربية فى السنوات الاخيرة، فقد كان فى فيلم شابلن يحمل ملامح هتلر، الذى روع العالم، وادى الى دمار نصف العواصم الأوروبية، وإلى مقتل ملايين المواطنين الأبرياء، غير الجنود النظاميين، وميزة فيلم شابلن أنه قدم فيلمه فى عز جبروت أدولف هتلر، ورغم أنه استعار كل ملامحه وطريقته وأسلوبه فى إلقاء خطبه، وفى حركته وملابسه، إلا أنه اطلق على الشخصية اسم «هينيكيل» الذى يحكم دولة وهمية أيضا هى «تومانيا»، وقد أصبح فيلم شابلن من أهم كلاسيكيات السينما العالمية، ومات هتلر بعد عرض الفيلم بخمس سنوات، بطريقة غامضة، بعد أن أدرك انه مُنى هو وجيشه بهزيمة نكراء، ودمر بلاده «ألمانيا» وأدى الى تقسيمها الى منطقتين شرقية والأخرى غربية، ربما لن تتذكر الأجيال القادمة هتلر، وسوف تضيع من ذاكرة الشعوب العربية سيرة مبارك والقذافى وصدام كما حدث مع غيرهم، فالطغاة يموتون غير مأسوف عليهم، بينما تبقى الأفلام!! فيديو..تريلر فيلم الديكتور