بعد أي تحول سياسي أو اجتماعي يحدث في المجتمعات يصاحبه تحول في الأفكار من قبل الجماهير فمثلاّ بعد نجاح ثورة يناير ارتدي المصريون رداء الثورة وأخذوا يشيدون بها وبانتمائهم لها ووجدنا الثورة أسماءها وشعاراتها منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وكذلك في وسائل الإعلام علي اختلاف توجهاتها. وما إن نجح د.محمد مرسي وجدنا أغلب المصريين بكل أطيافهم في ميدان التحرير أحتفالا بفوز أول رئيس مدني منتخب حتي من كانوا علي خلاف معه وأعطوا أصواتهم للمرشح الخاسر. ومن ثم بدأ الجميع يردد شعارات الحب والاحترام له ولجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها وظهر ذلك واضحا بين الطبقات الوسطي في المجتمع إلا أن ذلك لم يقتصر علي تلك الطبقة فقط فأغلب قيادات الوزارات في الوقت الحالي تخطب ود الإسلاميين أملا في البقاء في مناصبهم أو الحصول علي منصب سياسي أعلي عند تشكيل الحكومة الجديدة ونفس الحال تكرر مع رجال أعمال كانوا ينتمون إلي النظام القديم. ومن مظاهر التحول التي ظهرت بعد الثورة إطلاق بعض الرجال لحيتهم وكانت هي "الموضة" عقب وصول التيار الإسلامي إلي البرلمان كما زادت نسبة ارتداء السيدات للنقاب إلا أن ذلك لايعتبر نفاقاّ بقدر كونه مواكبة مع من وصلوا إلي سدة الحكم بعد الثورة. قابلنا أحد الشباب الذي قام بإطلاق لحيته بعد الثورة وأكد أن خوفه من بطش النظام السابق الذي كان يعتبر الملتحين إرهابيين جعله يتخوف من إطلاقها قبل الثورة إلإ أنه اكد أن ذلك لايعتبر نفاقاً لأحد ولكنه عن اقتناع. وأضاف أن وصول نظام إسلامي إلي الحكم في مصر سيغير الكثير من العادات والتقاليد في المجتمع وسيعلي من شأن الإسلام والإسلاميين بصفة عامة وسيكون لهم احترام كبير من كافة أطياف المجتمع باعتبارهم المسئولين عن إدارة شئون البلاد. ومن جانبها قالت أمنية حمدي (32 عاما) إنها تتوقع أن تنتشرالأزياء الإسلامية وخصوصاّ الزي الذي ترتديه حرم الرئيس. وأضافت أن البسطاء في المجتمع يلجأون لمن يمد لهم يد العون ويساعدهم وهو ما سيتم خلال الفترة المقبلة ولكن ذلك لايعتبر نفاقا بقدر ماهو تغير اجتماعي. وفي إحدي المناطق الشعبية بمنطقة بولاق الدكرور وعند دخولنا أحد الشوارع وجدنا صورة د. مرسي وبجانبها شعار جماعة الإخوان لتهنئة الرئيس المنتخب عقب فوزه في انتخابات الرئاسة وعندما سألنا عن صاحب تلك الصورة عرفنا من الأهالي أنه أحد رجال الأعمال المنتمين الي الحزب الوطني (المنحل) وكان من مؤيدي الفريق أحمد شفيق إلا أنه عقب فوز د. مرسي قام بتهنئة الرئيس الجديد بتلك الصورة. وقال محمد عيد أحد شباب المنطقة إن أغلب من كانوا في صف الفريق أحمد شفيق أثناء الانتخابات عبروا عن فرحتهم بفوز د. مرسي مشيراّ إلي أن الأهالي لم يكن أغلبهم مقتنعا بهذا أو ذاك لكنهم يبحثون عمن يحل مشكلاتهم ويجلب لهم قوت يومهم. وأوضح أن ما فعله أحد رجال الحزب الوطني المنحل من تهنئة د. مرسي والترحيب به ليس جديدا علي متملقي الحزب المنحل الذين كانوا يلهثون وراء مصالحهم وأعمالهم. ماحدث في منطقة بولاق تكرر بشكل أكبر في الصحف القومية والخاصة والحزبية أيضلً خاصة من رجال الأعمال الكبار الذين ساندوا الفريق شفيق بكل ما أوتوا من قوة وصرفوا الملايين علي حملته الانتخابية ولكن بعد فوز مرسي كانت إعلاناتهم تملأ جميع الصحف في اليوم التالي لتهنئة د. مرسي ووصفه بالحكيم والقادر علي إدارة سفينة البلد. وهو ما حدث أيضاً من بعض وسائل الإعلام والإعلاميين الذين تحولوا بمجرد فوز مرسي وذلك يعتبر تكراراً لماحدث أيضا من قبل عند نجاح الثورة في خلع الرئيس السابق مبارك. أما ماحدث في المؤسسات الحكومية والوزارات فكان شيئاّ لافتاّ للنظر فرغم أن وزارات بعينها كانت تساند الفريق شفيق إلا أنها غيرت جلدها عقب فوز محمد مرسي بل إن إحدي القيادات الكبيرة في إحدي الوزارات الهامة صرح للصحفيين بأنه جذوره إخوانية وأنه لم يكن يرضي أن يعلن ذلك من قبل وانه محب لجماعة الإخوان المسلمين وعلي استعداد للعمل معها وكذلك الحال بالنسبة للموظفين البسطاء. ويري علماء النفس والاجتماع أن النفاق ظاهرة نفسية راجعة إلي فساد الطبائع وعادة يكون المنافق مرائيا ومداهنا ويعمل علي التعدي علي حقوق الآخرين حتي ولو كان هناك تجاوز للفضيلة والشرف من خلال التفريق والوقيعة بين الناس واستغلال الخلافات وتوسيع شقتها والإفساد في الأرض . من جانبها قالت د. إنشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع الأسري بجامعة المنوفية إن النفاق الاجتماعي يتزايد في المرحلة الراهنة في ظل اتساع الفجوات الاجتماعية بين الأثرياء عند القمة والفقراء عند سفح الهرم الاجتماعي وبين الشرائح بعضها البعض وأرجعت ذلك إلي ارتفاع معدلات الفساد والمحسوبية والوساطات في الحصول علي فرصة عمل أو الحصول علي ترقية مستحقة أو علي فرصة علاج واعتماد ثقافة النفاق علي ثقافة الخنوع والاستسلام الشائعة تاريخيا لدي غالبية المصريين في مواجهة الأقوياء و الخلل في أنظمة التنشئة الاجتماعية والسياسية ونظم التعليم وأضافت: النفاق هو آليه مداهنة للسلطة السياسية والدينية والاجتماعية ومحاولة لتكييفها مع مصالح بعض المنافقين عند كل مستوي لها في ظل غياب للشفافية والمساءلة ودولة القانون مشيرة إلي أن النفاق ألوان وأشكال فمنه النفاق السياسي والديني والصحفي الذي في نظره أخطر أنواع النفاق حيث التأثير الكبير للإعلام علي الرأي العام. وأوضحت أن من أخطر نتائج النفاق اخفاء الحقائق علي صانعي القرار وتخديرهم وتعطيل اهتمامهم بأحوال المواطنين وعلي الجانب الأخلاقي فإن النفاق يؤدي إلي شيوع الشقاق والحقد وبسببه تندثر القيم وتتسرب الضمائر ذلك أن المنافق يحتال علي الواقع ويسرق حقوق الغير ويضرب المبادئ في مقتل وذلك من استعداده الدائم لتنفيذ كل ما يوكل إليه من أعمال حتي ولو كانت في غير صالح العمل. وأشارت إلي أن الاخطر أن يقفز المنافق إلي المناصب المؤثرة ويملك القدرة علي اتخاذ القرار وهنا يكون الضرر بالعمل والعاملين حيث لا يكون همه سوي مزيد من النفع له في الوقت الذي يطيح فيه بالأكفاء ويهدر مصالحهم ويأكل حقوقهم وقد يتفق معي البعض أن النفاق أحد أسباب التخلف الاقتصادي لدول العالم الثالث التي يعشش فيها النفاق السياسي حيث تعاني هذه الدول من تدني معدلات التنمية وانخفاض متوسط نصيب المواطن من الدخل القومي. وقالت إن الأمر خطير ولا أمل في القضاء علي ظاهرة النفاق السياسي وغيره سوي بالديمقراطية ذلك لأنها ليست فقط مجرد تداول سلمي للسلطة بل هي إحدي مدخلات التغيير الاجتماعي علي كافة الأصعدة خاصة تلك المرتبطة بطبيعة السلطة المستبدة مشيرة الي أن ماحدث يعتبر تكرارا لما حدث بعد الثورة. ومن جانبه قال د. إسماعيل إبراهيم أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة إن النفاق ظاهرة عرفتها المجتمعات الإنسانية قديماُ وهي ظاهرة عامة يعايشها ويلامسها البشر علي اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم، وتختلف بدرجات متفاوتة من مجتمع لآخر بحسب القيم والأخلاق والأديان والسلوكيات المتجذرة في ثقافة المجتمع. وأضاف: يمكن أن تكبر هذه الظاهرة وتنمو بشكل كبير وخطير لتهدد مستقبل المجتمعات والشعوب وتطيح بالإنجازات والأهداف الوطنية لأي مجتمع إذا ما وجدت البيئة المناسبة لها وأصبحت لها موارد ومكتسبات وثقافة عامة تمارسها قطاعات واسعة من المجتمع سواء علي مستوي الفرد أو الجماعة أو المؤسسات أو الجمعيات أو الأحزاب أو التجمعات المتنوعة التي تمثل النسيج الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي والفكري لأي مجتمع. وأوضح أن الظاهرة يمكن تعريفها أنها وسيلة ماكرة وخبيثة يلجأ إليها أصحاب المصالح والمنافع الشخصية لتحقيق أهدافهم الضيقة علي حساب المصلحة العامة ولتحقيق أجندة ومكتسبات ليست حقا لهم وليسوا أهلا لها. ولأصحاب هذه الظاهرة صفات وسمات تبدأ من التلون والاختلاف الكبير ما بين السلوك الداخلي والخارجي والتكيف مع تغير المراحل والرموز والأحداث العامة التي تجري في المجتمعات وتعكس فعلها القوي علي حياة الأمم والشعوب ،واستخدامها لأساليب الغش والخداع والمكر والغدر لتحقيق أهدافها وغاياتها محاربة بذلك الوسائل الطبيعية والقانونية والأخلاقية والدينية والعلمية للوصول إلي الأهداف المشروعة. وأوضح أن خطورة وتأثير هذه الظاهرة تكون في مراحل عديدة أهمها التي تتعرض فيها الأمم والشعوب لاحتلال عسكري وأجنبي أو في مراحل التحرر الوطني كما هو حاصل في العراق وفلسطين بالإضافة الي الشعوب التي تقوم فيها ثورات ويتبدل النظام القديم بآخر جديد. ففي العراق وبعد تعرضه لاحتلال أجنبي أطيح بالدولة ومؤسساتها وملاحقة قادتها ورموزها من قبل الاحتلال، وظهرت فئة تتباهي وتجاهر أنها عانت من ظلم النظام السابق وأنها قاومته بكل الوسائل وتعرضت لكل أنواع التعذيب والبطش رغم أن هذه الفئة كانت مستفيدة وتتعايش من نفس النظام فتراها تتلون وتتكيف لتعيش وتستفيد من تغير وتبدل الأحوال والحكومات وفي هذا السياق ونحن نتحدث عن المنافقين والمتملقين فإننا لا ننفي تعرض بعض الفئات للظلم. أما في فلسطين وبعد توقيع اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الوطنية علي الأرض الفلسطينية وقيام المؤسسات العامة تجلت هذه الظاهرة في محاولات أصحابها بكل الوسائل للوصول إلي المواقع والمناصب وتحقيق الامتيازات الخاصة والمنافع الشخصية دون وجه حق من خلال تزوير التاريخ وابتداع السيرة الوطنية والنضالية والكفاءة والمؤهلات والأخلاق الحميدة علي حساب الأغلبية المطلقة الذين يسعون لتحقيق طموحاتهم المشروعة ضمن القانون والنظام وسيادة القضاء،وقد وفر المجتمع بمؤسساته ونسيجه العام من خلال الظروف التي مر بها من احتلال واتفاقات وطبيعة النظام العالمي الجديد البيئة المناسبة والأرض الخصبة لوصول هذه الفئة إلي أهدافها وتحقيق غاياتها. ويمكن تحديد الوسائل والأشكال المتبعة للمنافقين والمتسلقين بوسائل عدة أهمها كيل المديح والإطراء المفرط واستخدام اللافتات في الشوارع والأزقة واستخدام وسائل الإعلام المختلفة لغايات التهنئة والتعزية والمباركة والترحيب وإقامة تجمعات وزيارات وعلاقات عامة وغيرها، ولكن الأهم في تحليل الظاهرة هو تحديد مخاطرها وتأثيرها علي المجتمع ونسيجه الاجتماعي في حال أصبحت ظاهرة عامة ومستفلحة.