نجح موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في كسر حاجز الخوف الذي شيدته الدولة البوليسية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وما لم تستطع حشده الأحزاب السياسية من أعضاء حقيقيين علي الأرض تمكنت منه مواقع التواصل الاجتماعي في زمن قياسي، فعبر سنوات قليلة من ظهور "فيسبوك" وصل عدد مستخدميه حول العالم إلي نحو 900 مليون مشترك، وفيما نجح الموقع الإلكتروني الأبرز علي شبكة الإنترنت في تعبئة ملايين المصريين في صفوف الثورة، نجح أعداؤها أيضاً في وأدها بعد عام ونصف تقريباً من اندلاعها وبالطريقة ذاتها عبر ما يعرف ب"اللجان الإلكترونية" التي أضحت كلمة السر في تراجع شعبية الثوار وتبدل القناعات بمبادئ الثورة، لتحتشد ملايين جديدة في الاتجاه المغاير خرجت من غياهب "فيسبوك" إلي سطح المشهد مع بدء التصويت في انتخابات الرئاسة التي جاءت نتائجها – وإن كانت مرضية لقطاع عريض صَوَّت للمرشح الفائز - مخيبة لآمال الثوار وتطلعاتهم لمصر الجديدة، ما أصاب المؤمنين بالثورة بحالة من الصدمة وأثار تساؤلات عدة حول العملية الانتخابية التي شَهدت العديد من الدوائر المتابعة لها ب"النزاهة". "اللجان الإلكترونية" كانت اللاعب الأبرز في تحويل قناعات أعداد كبيرة من الناخبين بعيداً عن مرشحي التيار الثوري، ويوضح الناشط السياسي أحد شباب الثورة حسام صبري أن اللجنة الإلكترونية في الغالب مجموعة تضم حوالي 20 شخصاً يتقاضي كل فرد أجراً يومياً متفاوتاً يصل في بعض الأحيان إلي 600 جنيه يومياً يتجمعون في أحد المقار أو يمكن أن يمارس كل شخص مهمته من المنزل، لافتاً إلي أن هذه المسألة انكشفت حينما اعترف بها بعض الشباب التائبين إلي وائل غنيم مؤسس جروب "كلنا خالد سعيد" علي فيسبوك وأقروا بتفاصيل خطيرة في هذا السياق، بحسب حسام صبري، ومنها تقاضي أجر عن إجمالي عدد التعليقات وعلامات الإعجاب Like علي كل مشاركة علي الصفحة والتي غالباً تكون تعليقات ساخرة من الثورة وهجومية علي شباب الثورة! وظهرت علي مواقع التواصل الاجتماعي "بوستات" تشير إلي أن رموز قيادية في الحزب الوطني المنحل – دون ذكر أسمائها - خصصت مقار لهذه اللجان يتجمع فيها شباب اللجان الإلكترونية حول أجهزة الكمبيوتر والأنترنت وغالباً ما يتم الاعتماد في هذه اللجان علي الشباب العاطلين الباحثين عن فرصة عمل وأجر مادي مجز تحققه لهم هذه اللجان، وأن بعضهم شعر بالذنب نتيجة ترويج شائعات معينة وأكاذيب وقرر الانسحاب من هذه التجربة. وربما يكشف ذلك سر انتشار العديد من الشائعات الكثيرة التي تم ترويجها منذ قيام الثورة وزادت حدتها مع بدء الانتخابات الرئاسية حيث ظهرت شائعات طالت أبرز المرشحين ووصلت إلي الذروة في جولة الإعادة بين د.محمد مرسي والفريق أحمد شفيق تضمنت اتهامات متبادلة معظمها بلا دليل وصلت إلي حد الاتهام بالخيانة وقتل المتظاهرين وإهدار المال العام بل وشائعات بموت أحد المرشحين أو إصابته بمرض خطير.. وغيرها من الشائعات التي كان الهدف منها "حرق" أنصار كل مرشح لمنافسه. وكل هذه الشائعات كانت تخرج من الغرف المغلقة الخاصة بهذه اللجان غير المعلوم مكانها الحقيقي كما يشارك في صناعتها والترويج لها شباب عاديون من منازلهم يؤمنون بضرورة ترويج شائعة لتحقيق هدف معين دون الحاجة لوجود من يدفع لهم. وعزز فكرة وجود هذه اللجان الإلكترونية انتشار قصة علي "فيسبوك" مع بدء الانتخابات الرئاسية، قبل نحو ثلاثة أسابيع، عن شاب خاض هذه التجربة وكان عضواً سابقاً في اللجان الإلكترونية التابعة للحزب الوطني المنحل وأمن الدولة واعترف بكل تفاصيلها قبل أيام من قرار اتخذه مؤخراً بالهجرة ومغادرة البلاد حيث قال: "نعمل رسمياً من أول فبراير2012 بمرتب شهري 4آلاف جنيه، نتلقي التعليمات من أمانة الحزب في محافظة الإسكندرية وكل حسب أمانة محافظته. بعض التعليمات تأتي من القاهرة والإشراف العام من د.علي الدين هلال، والمهمات هي شق صف الثوار ولعن الثورة مع ذكر أننا من الثوار وشاركنا في اعتصامات يناير حتي سقوط النظام ونرفض ما يفعله الثوار"، موضحاً »بروفايلاتنا« تحمل صور حازم أبوإسماعيل وأبوالفتوح وحمدين صباحي ومحمد حسان وخالد علي والحويني، ومن المهام أن نهاجم المرشحين الآخرين حتي ينفر الناس منهم ومن مؤيديهم، والانتشار في كل المواقع الإلكترونية والفيسبوك والتركيز علي مواقع "مصراوي" و"الشروق" و"الدستور" و"الوفد" ومهاجمة الثورة والاعتصامات والمظاهرات". وذكر عضو اللجنة التائب أن مكافأة فوز شفيق في الجولة الانتخابية الأولي كانت حصيلة راتب شهرين حسب الراتب الذي يتراوح بين 3 و4 و5 و7 آلاف وهي طبقاً للأقدمية وأنا أتقاضي 4 آلاف جنيه، بينما مكافأة فوز شفيق في الجولة الثانية ومنصب الرئيس جملة راتب 5أشهر وعودة العمل مكتبياً في المقار الجديدة للحزب الوطني التي تم شراؤها بالفعل!! وأضاف: "نتلقي الرواتب والمكافآت من مكاتب رجال أعمال الحزب أعضاء مجلس الشعب السابقين بالإسكندرية حسب المنطقة. وكل عضو في لجان الحزب يمتلك علي الأقل 15 حساباً علي "فيسبوك" وخمسة علي "تويتر" وكل موقع إخباري لا يقل عن 5 حسابات وكل الحسابات وكلمات السر مع رئيسنا المباشر لمراقبتنا. وذكر أن آخر مهمة كلفت بها المجموعة كانت مساء 25 مايو وهي حملة "إسلاموفوبيا" ضد الإخوان والإسلاميين لمنع التوحد حول د.محمد مرسي ضد شفيق مع الإبقاء علي صور أبوالفتوح وحمدين علي بروفايلاتنا وإعلان النية التصويت لشفيق وأن مكتب الإرشاد سيكون الرئيس وإعلان رفضنا توحد حمدين وأبوالفتوح مع مرسي لأنه اختياطي وتابع للإرهابيين. تغيير القناعات بالإيحاء وبغض النظر عن صحة القصة السابقة التي قد تكون هي الأخري ضمن الشائعات التي تم الترويج لها لهدف معين فإن الشائعات التي يتم الترويج لها عبر اللجان الإلكترونية يكون لها تأثير نفسي إيحائي قوي علي مستقبليها من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي يمكن أن يكون لها دور حقيقي في تغيير الأفكار والتوجهات وتبديل القناعات. وعن التأثير النفسي الإيحائي لهذه اللجان علي الناخبين أثناء فترة انتخابات الرئاسة يقول د.إيهاب عيد (أستاذ الصحة العامة والطب السلوكي في جامعة عين شمس): من أشيع الألفاظ المصرية التي نستخدمها هذه الأيام لفظة "التسخين" أو كما يقال في الحديث الدارج "إحنا جايين نهدي النفوس" والتي تُقال استهجانا وأعني العكس أن الشخص أتي ليثير الفتن ويشعل الضغينة، ويفجر العداوة أو ما تحت الرماد من غضب، وغرائز بشرية مدمرة استناداً إلي كلام المحلل النفسي الشهير سيجموند فرويد. الجديد والمثير في نفس الوقت أنه وكما يواكب التحديث الإلكتروني كل شيء في حياتنا وضمن حالة الانفلات العام الملحوظ الآن في مصر، نجد حالة من الانفلات الإلكتروني الجديدة والمختلفة نوعاً عن الانفلات الإلكتروني الذي شاهدناه إبان بداية الثورة في بلدان الربيع العربي عموماً، فهناك الآن– في تقديري– التسخين الإلكتروني، والحشد التقني من خلال استقطاب الآراء السياسية، ورأي وتوجهات المواطن البسيط بالشارع والحارة، و"السايبر" المصري من خلال المواقع الإلكترونية المختلفة التي بدا بعضها أنه كان شبه مستخدم ضمن الحملة الانتخابية للمرشحين في انتخابات الرئاسة أو من يعاديهم، إما لحشد أصوات المتابعين كمؤيدين، وإن لم يكن، فأضعف الإيمان أن يتم تأليب وإثارة الريبة تجاه المرشح الآخر! بل نعتقد أن فكرة الحشد هذه وصلت لدرجة الرشوة الفعلية، والخداع والغش والتدليس الإلكتروني لدرجة الظهور في أكثر من صورة لمدونين ومطورين للشبكات تحت العشرات أو المئات من الأسماء، وهم لشخص واحد مستأجر تفنن في تقديم الرأي الواحد لكن بشخصيات مختلفة وثقافات متعددة، وكأنك تسمع الكلام من رجل متأنق ووضعه المادي جيد لكنه غاضب علي الأوضاع، وآخر رث الأوضاع ويشعر أن الانتخابات مزورة وهو يكره هذه الحالة، وتلك الفتاة التي فقدت خطيبها في الثورة، والأم التي تقدم مداخلة بتوعد أن تثأر لفقء عين ابنها وضياع مستقبله. مع التفنن حتي في اختيار صورة الهوية أو الخلفية التي ترمز لشخص من يتكلم، وحتي هذه يتم الضرب النفسي فيها من خلال الأوتار الإلكترونية كأعلام مصر، أو صورة "الشيخ عماد عفت"، أو الدبابة المحترقة، أو العجوز حامل الحذاء، أو شفيق ولحظة الحذاء، أو مرسي وعلي جبهته "إرحل" أيا كان توجه الذي يبث هذه المساهمات الإلكترونية. يضيف عيد: ما يهمني هنا وأريد أن أخلص إليه أن التدوين الإلكتروني، والمساهمة في التفاعلات والمكالمات الإلكترونية علي فيسبوك وتويتر، ليس بالضرورة، أن تكون الملحمة والمصارعة الكلامية، والمبارزة في تحليل المرشحين أثناء الانتخابات ليس من اللازم أن تكون حقيقية ومن سبعة أو عشرة أشخاص كما هو ظاهر لنا علي شاشة اللاب أو الكمبيوتر، بل يمكن أن تكون وسيلة رخيصة مدفوعة الأجر، وبشكل يكفي أو ينجح من يألب النفوس، ويملأ الصدور، ويغل القلوب نحو الاتجاه المضاد، أيا كان، لحشد أكبر عدد من أصوات الناخبين أو المؤيدين لموقف أو تيار معين، وما أخشاه هو شراء الميول والاتجاهات بمهارة، وبخاصة أن شحن كروت أو بطاقات الانتخاب علي حساب أعصاب المواطنين البسطاء أصبح مهارة إلكترونية خبيثة لا يحمد عقباها.