وبالرغم من التحذيرات المشددة التي وجهها الأزهر الشريف لكافة أئمة المساجد بعدم التدخل في الشأن السياسي واحترام حرمة المساجد خاصة خلال خطب الجمعة إلا أن البعض لم يلق لتلك التحذيرات بالاً وباتت ساحات المساجد منابر للمرشحين . وعلي غرار ذلك الموقف من قبل أئمة تلك المساجد نجد علي النقيض تمامًا مشايخ من الأزهر لم يهتموا سوي بالشأن الديني فقط دون غيره، آملين بأن يسود مصر مناخ وسطي معتدل لا ينتمي لأية تيارات سياسية أو حزبية ومرجعيته هي الأزهر الشريف، لذلك ظهرت " نقابة الأئمة والدعاة". تأسيس نقابة الأئمة والدعاة كان حلما سعي إليه آلاف الأئمة منذ سنوات، وبدأت تلك الدعوة في 2010 منذ أن تقدموا بطلب للشيخ أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق وتم تأجيل إشهارها إلي أن فتحت لها الثورة الطريق لكي تظهر للنور. لم يكن تأسيس تلك النقابة سوي لوضع مطالب مشايخ الأزهر في عين الاعتبار و تحسين أجور الأئمة والارتقاء بظروف العمل، والرفع من المستوي المهني في الأزهر الشريف، والتأكيد علي عدم "تسييس الأزهر الشريف" تحت أي ظرف لأن الأزهر بات وسيظل منارة لكافة المسلمين ولن يتم إقصاء تيار علي حساب الآخر. جاء الإعلان عن النقابة بعد موافقة وزارة القوي العاملة علي الطلب المقدم من الأئمة لتأسيس نقابتهم، وهي خاصة بأئمة ودعاة وزارة الأوقاف فقط، وقد وافق وزير القوي العاملة والهجرة علي مشروع النقابة وسجلت برقم 1197/ 2 بتاريخ 13 يوليو 2011 وتبع تلك الموافقة إجراء انتخابات للنقابة، حيث نجح الشيخ محمد عثمان البسطويسي نقيبًا، والشيخ أحمد عبدالرحيم أمينا عاما، والشيخ إبراهيم خليفة أمين صندوق. وبدأ الصراع يدب بين أئمة الأزهر والدعاة لتأسيس النقابات وحدثت انقسامات عديدة خاصة بعد أن لاقت النقابة الأولي " الأئمة والدعاة المستقلة" إقبالاً كثيفًا من جانب مشايخ الأزهر وغيرها من تيارات إخوانية وسلفية، وتبع إعلان تلك النقابة ظهور نقابة أخري تحت اسم " نقابة الدعاة المصرية" التي ضمت دعاة ومشايخ يمثلون تيار الإخوان المسلمين ومن هنا بدأ الصراع والخلاف بين الدعاة والإخوان "البرلمان سابقًا". الشيخ محمد عثمان البسطويسي نقيب الأئمة والدعاة أكد أن النقابة أشهرت بالفعل بعد موافقة وزير القوي العاملة وسجلت برقم 1197/ 2 بتاريخ 13 يوليو الماضي ووافق الأعضاء المنضمون علي تحويل اشتراكاتهم إلي حساب نقابة أئمة ودعاة وزارة الأوقاف علي حساب النقابة ببنك مصر رقم 58574/ 1/ 224 وأضاف أن هدف النقابة الارتقاء بالأئمة والدعاة وأن تقتصر علي أئمة ودعاة وزارة الأوقاف فقط، مؤكدا أن النقابة لا تمثل أي تيار سياسي أو حزبي وأن الأئمة دورهم يتمثل في توعية الناس بأمور الدين، وأشار إلي أن النقابة قد استقرت علي مقر مؤقت بمسجد سيدي عبد الدائم بشارع عبد العزيز جاويش بجوار وزارة الأوقاف. وقال البسطويسي: إن النقابة تقف خلف الأزهر الشريف في كل مواقفه الوطنية، ولن تنفصل عن الأزهر لأنه الملاذ الأخير للمسلمين بعد أن تعالت أصوات السياسيين باسم الدين، مشيرًا إلي أن النقابة تري أن الأزهر الشريف هو المرجعية الدينية الوحيدة في مصر والتي تنشر الوسطية والاعتدال وأن أعضاء النقابة يتخذون تلك المواقف من دافع الانتماء إلي مصر والأزهر الشريف بعيدًا عن الانتماءات السياسية. واشتعل الصراع مبكرًا بين البرلمان والنقابة حينما اتهم السيد عسكر النقابة "بالفلول"، مشيرًا إلي أنها تدعم الفريق أحمد شفيق، وأن عدد أعضائها لا يتعدي 15 إماماً، خلال لقائه مع الشيخ خالد عبدالله في لقاء تليفزيوني. وتساءل البسطويسي: كيف نكون داعمين لشفيق أو غيره طالما نحن ننادي بالمذهب الأزهري الوسطي، مشيرًا إلي أن النقابة وأعضاءها يقفون علي مسافة واحدة من كلا المرشحين، تاركين حرية الاختيار لكل فرد علي حدة. ومن جانبه أوضح الشيخ محمد عوف وكيل مؤسسي "نقابة الدعاة المصرية" أن النقابة التي أشهرت هي نقابة عمالية لا تمثل أئمة ودعاة وزارة الأوقاف ولكنها تمثل الأئمة المنضمين لها فقط وهي صادرة طبقا لقانون النقابات العمالية من وزارة القوي العاملة، أما مشروع نقابة الدعاة المصرية فهو خاص بنقابة مهنية تضم أئمة ودعاة وزارة الأوقاف وخريجي الأزهر وكلية دار العلوم ،ونفي الشيخ محمد عوف الاتهامات التي يرددها البعض بسيطرة الإخوان المسلمين علي لجنة تسيير الأعمال مشيرا إلي أن عدد المنتمين لجماعة الإخوان باللجنة ثلاثة فقط، وأشار إلي أن انضمام الدكتور صلاح سلطان للجنة تسيير الأعمال جاء لكونه داعية وهو يمثل خريجي كلية دار العلوم لأن هذه النقابة ليست خاصة بالأئمة فقط بل لكل الدعاة ولخريجي الأزهر وكلية دار العلوم. ورأي الدكتور خلف مسعود إمام وخطيب بالأوقاف، أن الانتماءات السياسية للأئمة والدعاة باتت حقيقة لا يمكن إخفاؤها، لأن هناك قطاعا من الدعاة هم أبناء الحركات الإسلامية، ومن الطبيعي أن يكون ولاؤهم لهذه الحركات التي تولت العناية بهم وتربيتهم في الوقت الذي تخلت عنهم الدولة وأعطتهم ظهرها. وأضاف أن تجربة مناقشة أمور الدولة داخل المساجد هي فكرة جديدة علي قطاع عريض من الدعاة بسبب أنهم ولفترة طويلة ظلوا محصورين في موضوعات معينة لا يتعدونها بسبب سيطرة النظام السابق علي الخطاب الدعوي داخل المساجد، وبالتالي فإن أي تجربة جديدة لابد أن يكون لها أخطاء، ولايمكن إغفال حالة الاستقطاب الفكري التي يمر بها المجتمع بكل أطيافه مع الأخذ في الاعتبار أن الأئمة والدعاة جزء لا يتجزأ من المجتمع يتأثرون ويؤثرون بما يجري فيه. وأوضح أن فكرة الحياد وعدم الانتماء لأي من التيارات السياسية والوقوف علي مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية أو من جميع المرشحين تكون عندما يكون كل المرشحين علي مستوي متقارب من الصلاح والوطنية، وهو غير متحقق في هذه المرحلة نظرا لأن قطاع المرشحين يحتوي علي فلول ورجال نظام بائد، ويتساءل: كيف يطلب من الدعاة الحياد والوقوف علي مسافة واحدة بين فلول الماضي ومصلحي المستقبل، كذلك لايمكن أن نغفل أن قطاعا عريضا من المنابر يصل الي نحو خمسين ألف منبر لايخضع أصلا للمؤسسات الدينية الرسمية وحتي التي تخضع منها للمؤسسة الرسمية يقتصر في خضوعه علي الجانب الإداري فقط من حيث الحضور والانصراف ولا يخضع لخطط دعوية. وعرض مسعود حلاً من وجهة نظره يتمثل في ضم المؤسسة الدينية الرسمية المتمثلة في الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء في جسد واحد وأن تستقل بعيدا عن يد أي حكومة وأن تكون كل قياداتها منتخبة وليست معينة، وأن تعود الدولة لدورها في رعاية الدعوة والدعاة وتبني قضاياهم وإنزالهم منزلتهم في المجتمع حتي يعود انتماؤهم للدولة وليس للأحزاب أو الجماعات، وكذلك إنشاء نقابة مهنية للدعاة حتي يتسني لها القيام بدورها في محاسبة منتسبيها عند وجود تجاوز أو شطط في الخطاب الديني والدعوي حسابا مهنيا وليس إداريا، وهذه الحلول ليست مستحيلة ولكنها سهلة وفي الإمكان متي توافرت نية الإصلاح ووجود إرادة سياسية حقيقية وأيد ثابتة لا تهاون علي حساب الحقوق ولا تجامل علي حساب مصلحة الوطن العليا. وعلي نحو آخر أكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ بجامعة الأزهر أنه لا يجوز أن يكون للإمام أو الداعية أي انتماء سياسي أو حزبي، لأن الإمام لابد أن يكون إماما للجميع ولا ينتمي لجماعة أو حزب حتي يبدو رأيه غير مرتبط بأفكار حزب معين ويكون مستقلا في تفكيره لأن رأيه مؤثر في الناس وينظر له الجميع نظرة تقدير نظرا لرسالته السامية، أما أن ينخرط في حزب أو جماعة فهذا ينتقص من قدر الإمام، كما أن رواد المسجد الذين لا ينتمون للحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها الإمام سيختلفون معه وهذا ما لايجب أن يحدث لأن الإمام لابد أن يكون علي مسافة واحدة من جميع الناس ولا يكون هناك اختلاف سياسي أو فكري مع من يقدم لهم الدعوة والنصيحة. ويؤكد أن الأئمة والدعاة أبناء الأزهر الشريف هم دعاة للجميع وهذا يجعلهم يقومون بتلبيه دعوات الأحزاب أو التيارات المختلفة فيلقون المحاضرات أو يحضرون الندوات ويطرحون رأيهم فيما يطرح عليهم من القضايا العامة وأمور الوطن بشكل عام دون تحيز وهذه ميزة كبيرة يتمتع بها الدعاة لأن عدم انتماء الدعاة لأي من الأحزاب يجعلهم علي مسافة واحدة من جميع الأحزاب والجماعات المختلفة سياسيا، كما يزيد من قدر الدعاة لدي الناس لكونهم غير مصنفين علي أي من الأحزاب أو الجماعات أو التيارات السياسية.