مصريون مزعجون عن يميني وعن يساري في طائرة مصر للطيران المتجهة إلي لندن .. أصواتهم أعلي من طنين المحركات .. يذيعون حكاياتهم وأحاسيسهم ويقتحمون دماغنا بما لا يهمنا من أخبارهم .. شعب عجيب في غوغائيته .. أغلبيته منفلت إلا إذا خاف فقط .. المصري عن يميني يحكي لرفيقه عن غربته وسط المجتمع الإنجليزي ، يحكي له بهدف يبدو أنه النصيحة لكن صراخه ينشر عجزه .. يشكو كأنه يحكي أن حتي المصريين بيقلدوا الإنجليز .. كل ماتطلب حد يقولك نتقابل نتكلم عالقهوة .. ماحدش يقولك اتفضل اتعشي معايا في البيت ونقعد نفضفض .. معدتي اتهرت قهوة!!. وعن يساري شاب فرغ توتره علي صاحبه في الموبايل .. حكي له ولنا كل البيزنس اللي بيعمله .. كان ناقص يوزع الكارت علي الركاب .. ولم يغلق الموبايل إلا بأمر المضيفة .. ونام! استقبلتنا فرحة الاحتفال بالعيد الماسي لجلوس الملكة اليزابيث علي عرش انجلترا .. ستون عاما تملك ولا تحكم .. تملك علي القلوب بدرجة مدهشة .. كل بيت ومدرسة ومصنع وشارع ومحل في انجلترا يحتفل بفرحة حقيقية مختلفة تماما عن أفراحنا المصطنعة برؤسائنا ..انجلترا كلها حصلت علي منحة ثلاثة أيام إجازة مدفوعة الأجر للتعبير الحر عن مشاعر الحب .. والدولة اعلنت عن مظاهر الاحتفال وتفاصيل خط سير الملكة وأسرتها يوميا ..فتتبعها الشعب وانتظرها بلهفة ساعات في الشوارع ، لمجرد رؤيتها للحظة وهي تعبر أمامهم ، والتلويح لها بعلم إنجلترا ..وأذاعت شاشات التليفزيون العملاقة كل تحركاتها وصاحبتها حتي آخر احتفالية في الكاتدرائية .. ورأينا طقوسا ملكية لصلاة شكر جماعية لله لأنه منح الملكة الصحة والمحبة والحكمة. الملفت في الاحتفالات هو صدق المشاعر المتدفقة .. أول يوم فتحوا كوبري لندن وظهرت الملكة وأسرتها علي سطح باخرة ملكية تقف في النهر .. يدور حولها الشعب الذي تسابق لشراء ألفي تذكرة لركوب قوارب صغيرة مزينة لتحيتها والدعاء لها وعزف السلام الملكي بزهو واحترام .. وفريق كورال يقف ساعات في قارب مفتوح يرنم لله شكرا بقوة تحت الأمطار المتصلة ، ويدعو لها بطول العمر .. شعب بكل أطيافه وأعماره ينثر مشاهد حب حقيقي وفخر بالوطن .. كل ألوان البشر الذين استوطنوا انجلترا في الشارع لتحية الملكة الأم .. وإعلام ذكي صادق قدم أسباب وصور حب الشعب للملكة ..والذي استطيع تلخيصه في سبب واحد ، هو حب الملكة للشعب ورعايتها لكل الفئات والأفراد بشكل شخصي وسري لا يهدف للدعاية .. الإعلام فتش عن بعض هذه الشخصيات وقدمها لتحكي تجربتها مع الملكة .. منها أم عزباء ساعدتها الملكة بقرض مشروط بإقامة مشروع لتعيش وتنفق علي ابنتها .. فالملكة ضد التسول ..ونجحت الأم وتبدلت حياتها إلي سيدة أعمال ناجحة وجاءت تشارك في شرف خدمة احتفالية تكريم الملكة .. كل هؤلاء المشاركين في الاحتفال والتكريم حصلوا علي شرف المشاركة ولم تخصص الدولة ميزانية مكافآت للاحتفال ..وإنما تم بيع تذاكر للصرف علي الاحتفالات .. حتي حضور صلاة الشكر في الكنيسة كان بدعوات تم بيعها للأقارب وللصفوة. ميكرفونات الإذاعة الخارجية دارت علي جمهور الشارع الذي وقف تحت الأمطار ساعات للفوز بأطلالة علي الملكة ..انصت إلي إجابات الناس التي توحدت في مضمون واحد .. وهو أن الملكة هي رمز الوطن وتاريخه وصورته وقوته .. الملكة هي الأم المحبة .. وهي الدفء والأمان النابع من أصالة وعراقة الشعب الإنجليزي الذي نجح في الحفاظ علي ماضيه وتقاليده وأخلاقه وسلوكياته ولغته وآدابه وفنونه وعلومه فواصل التقدم بثبات .. شعب يمارس الدين والعبادة بالسلوك وليس بالميكروفونات والصياح والتهديد والوعيد والتجارة بكلام الله .. شعب يقف علي أرض الماضي الصلبة ويصنع مستقبلا أكثر راحة وأمانا لكل مواطن إنجليزي ، ولكل إنسان يعبر وطنهم طالبا علما أو عملا أو فهما لأسباب تحضر شعوب وانهيار شعوب أخري. في المساء هزمني الفضول لأعرف ماذا يحدث في مصر .. رأيت د. مرسي المرشح لرئاستنا ضيفا علي قناة دينية إسلامية مصرية .. يتحدث بلغة جديدة.. هي لغة حب الشعب كله بما فيهم المسيحيون ، كما أعلن وكأنه ينفي عن نفسه العكس ، بهدف مباشر ووقتي فقط هو جمع أصواتهم وامتلاك الكرسي الكبير الواسع.. ولم ينس تشجيع مريديه الأصليين الثابتين ، فاعاد تأكيده علي الاستناد لأحكام السلف الصالح في إدارة البلاد ، ياريتك شفت وجه الملكة الخجول وهي تتكلم بحب وصدق!!.. غيرنا القناة فوجدنا جمهور مليونية الإصرار يتسابق علي الكلام في ميكروفون قناة الجزيرة .. مواطن شايل بنته علي عنقه ومنفعل جدا لأن " القاضي " أحمد رفعت ماحكمش بالعدل لأن المجلس العسكري هو الحاكم بأمره!!.. ومحجبة واقفة من بعد صلاة الضهر اعتراضا ورفضا لأن ماحصلش ثورة ولا حاجة واحنا مش عاجبنا حاجات وعاوزين حاجات !!.. أي كلام في البدنجان .. شعب محشود محشور متسلي بالونس واللمة والزمبليطة والظهور في التليفزيون .. أحزن لإني فشلت في الهروب من الجهل والتخلف وبؤس الغلابة في بلدي ولو كام يوم .. لكني لا أيأس رغم قتامة السحب .. وطني سينجو لأن أساس الحضارة متين .. ستنزاح الغمة وتشرق الشمس وتعود الضحكة ونكنس الفضلات ونرميها في محرقة التاريخ ..ونلوح للمستقبل بأعلام الوطن كما لوح الإنجليز للملكة وغنوا .