حملات المرشحين على فيس بوك حسمت الصناديق أول انتخابات رئاسية في تاريخ مصر، وأشارت النتيجة الأولية قبل الإعلان الرسمي الثلاثاء إلي وصول المرشحين اللذين تعرضا لأكبر حملة هجوم علي فيس بوك وتويتر علي أغلب أصوات الناخبين. حصل محمد مرسي المرشح الاحتياطي لخيرت الشاطر صاحب النفوذ الكبير داخل جماعة الإخوان المسلمين علي المركز الأول، وتلاه بفارق بسيط الفريق أحمد شفيق الذي تعرض لوابل من الهجوم باعتباره أحد فلول النظام السابق ولكونه تعرض للاعتداء برفع الاحذية عليه. مايميز الشبكات الاجتماعية أنها لاتعد مقياساً حقيقياً للرأي العام، فأولاً المشتركون المصريون علي شبكة فيس بوك طبقاً للأرقام الإحصائية الرسمية علي شبكة الانترنت وصلوا حتي الآن إلي 11 مليون مستخدم معظمهم من الجيل الشاب الذي تتراوح أعماره من 14 إلي 35 عاما. بينما علي تويتر لايتجاوز عدد المصريين عليه مليونا ونصف المليون مشترك. كما أن الشبكات الاجتماعية عالم مثل أي عالم، أو مجتمع مثل أي مجتمع. فالمجتمع المصري علي سبيل المثال به الأشخاص الإيجابيون في التعبير عن رأيهم سواء كان يتوافق مع آراء كثيرين أو يختلف، وهؤلاء ليسوا أغلبية في العالم الواقعي كما هم أيضاً ليسوا الأغلبية في العالم الافتراضي. الفيس بوك أيضاً به أغلبية صامتة لا تتحدث وهي أغلبية تراقب وتقرأ وتتصفح جميع الآراء وتحلل كل ما تراه أمامها من معلومات وتزنها بميزانها الخاص. ولا تعبر عادة عن آرائها بشكل مباشر لأنها تري أن آراءها قد لا تعجب عديدا من أصدقائها علي الشبكة. وتفصح عن رأيها فقط أمام الصناديق حيث يعبر كل شخص عن رأيه الحقيقي دون رقابة من أحد ودون محاسبة. وإذا تصفحنا بشكل عام صفحات الفيس بوك وسطور التعليقات علي تويتر سنجد أن أغلبها حمل هجوماً شرساً علي محمد مرسي وأحمد شفيق وانحيازاً واضحاً لحمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح. وأطلق الفيسبوكيون والتويتريون علي مرسي لقب "الاستبن" وتناقلوا آلاف التعليقات والصور والكوميكس والكاريكاتيرات التي تحمل سخرية من هذا اللقب. أما شفيق فانهالت عليه التعليقات الساخرة والمسيئة كون الناشطين الشباب يعتبرونه أحد فلول النظام السابق. كما سخر مستخدمو فيس بوك من حواره مع عمرو أديب الذي بدا فيه بعيداً عن تركيزه وحواره مع توفيق عكاشة، ومن الاعتداءات المتكررة عليه بالأحذية في أسوان ويوم إدلائه بصوته في الانتخابات. لكن هل معني ذلك أن الشبكات الاجتماعية ليس لها دور علي الإطلاق؟ بالتأكيد لا، لا يمكن إنكار دور الشبكات الاجتماعية في نشر ونقل المعلومات عن المرشحين الذين لم يكن لهم شهرة سابقة. مثلاً في حملة حمدين صباحي كان للشبكات الاجتماعية دور هام خاصة أن الحملة لم يكن لديها كثير من المال للإنفاق عليها كما فعل مرسي وشفيق فاعتمد القائمون عليها علي وسائل بديلة كانت أحد أركانها الشبكات الاجتماعية. وتقول مافي ماهر من حملة حمدين: كان الاعتماد أولاً علي الشارع، علي مخاطبة الرجل البسيط، وحمدين بطبيعته قريب من الناس، عنده لغة مشتركة مع الناس البسطاء، يفهم همومهم ومشاكلهم، لذلك وصل بسرعة إلي قلوب الناس بدون أي استخدام للمال الانتخابي ولا للخطاب الديني. ومن الناحية الثانية اعتمدت الحملة علي الشبكات الاجتماعية ليس لأنها حاسمة في نجاح مرشح علي حساب آخر ولكن رهاناً علي المستخدمين الإيجابيين للفيس بوك وتويتر والذين إذا اقتنعوا بصدق بمرشحهم سيتحركون من أمام الشاشات وينزلون للشارع ويتحدثون لجيرانهم وأصدقائهم وللمواطنين العاديين عن مرشحهم. لم يكن للفيس بوك وتويتر حديث سوي عن مرشحي الثورة حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، لدرجة أن هذا الحماس الكبير تحول إلي هجوم وتراشق بين المتحمسين لكلا المرشحين. وتباري المؤيدون من الطرفين أولاً في وضع صور المرشحين والتحدث عن برامجهما ومميزاتهما، ثم الهجوم علي مرشح الطرف الآخر وإبراز عيوبه والادعاء بأن فرصه ضعيفة وأن فرص مرشحهم هي الأقوي والأكبر. لدرجة أنه بعد ظهور النتيجة تبادل الطرفان الاتهامات بأن أحدهم هو السبب في تفتيت الأصوات وإعطاء الفرصة لشفيق ومرسي بالتقدم والوصول للمرحلة الثانية. بالتأكيد كثير من الشباب الذين رشحوا أبو الفتوح وحمدين ينتابهم الحزن والإحباط من النتيجة، لكن إذا نظرنا إلي الصورة العامة سنجد أن مصر تتغير بالفعل، تتغير للأفضل، وتتغير بالشباب الذين سخر منهم الجميع وقالوا عنهم شباب الفيس بوك والنت، لكن الحقيقة أن هذا الشباب أولاً كان مؤثراً في اندلاع ثورة شعبية قوية، وهو الآن يقوم بثورة أكبر وأهم في تغيير فكر قديم عشش في نفوس الناس، وهم بالفعل ناجحون في تغيير هذا الواقع حتي لو كان تدريجياً، لكنهم سيصلون حتماً إلي هدفهم في النهاية.