كان أول من دعا لزيارة القدس صراحة صديقي المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمود حمدي زقزوق، وامتلك الشجاعة الكافية ليدافع عن وجهة نظره عندما قال لي: علي المسلمين أن يكثروا من زيارة بيت المقدس مثل حرصهم علي الحج لبيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوي الشريف حتي يشعروا العالم بأن القدس هي قضية إسلامية لا يمكن التهاون بشأنها أو التنازل عنها مهما طال الزمن، وعندما طالب بذلك اتهموه بالدعوة للتطبيع، وإلي الترويج لاقتصاد العدو، علي الرغم من أن المستفيدين سيكونون من المسلمين المحيطين ببيت المقدس، ولو حدث هذا التدفق الإسلامي لزيارة القدس لكان في ذلك خلق واقع جديد يؤكد الحق الإسلامي في القدس! وذكر لي الدكتور زقزوق أن دعوته لاقت ترحيبا كبيرا من الفلسطينيين علي المستويين الرسمي والشعبي، ولكن المزايدات الجوفاء والشعارات الرنانة الفارغة لاتدع للمنطق العقلي مكانا، ولا نعلم ما تخبئه الأيام للقدس الشريف من مستقبل؟! لكن.. عندما فاتحت الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب (شيخ الأزهر) في هذه القضية العام الماضي أثناء حواري معه في مكتبه، احترم وجهة نظر الدكتور زقزوق، لكنه اختلف معه تماما، وأستطيع أن ألخص رأيه بإيجاز شديد: الدكتور محمود زقزوق من أبرز مفكري الأمة، لكني أختلف معه في هذه القضية، ومناط الأمر فيما أري هو المصلحة، فحيث توجد مصلحة الناس فثم شرع الله، وتقديري أن زيارة القدس لاتحقق مصلحة للمسلمين، لأنها تتم في ظل احتلال إسرائيلي، وبإذن من سلطات الاحتلال، بمعني أن إسرائيل هي المتحكمة فيمن يزور القدس ومن لايزورها، وإذا كانت إسرائيل لا تسمح للشباب من أبناء القدس بالصلاة في المسجد الأقصي، وإذا كانت تمنع المسلمين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية من دخول القدس والصلاة، فهل يتصور أن تسمح بتدفق العرب والمسلمين علي القدس علي النحو الذي يهدد مخططاتها لتهويد القدس؟! وأليست هناك خشية من أن تؤدي المطالبة بزيارة القدس إلي إعطاء انطباع كاذب بأن إسرائيل تحترم المقدسات ولاتعيق الوصول إليها؟! وماهو حكم العرب والمسلمين ممن لا تقيم دولهم علاقات رسمية مع إسرائيل؟.. هل نطالبهم بزيارة للقدس تكون سببا لتطبيع مجاني مع إسرائيل في حين أنها ماتزال تدنس المقدسات، وتنكر الحقوق، وتفرض عدوانا مستمرا وحصارا ظالما علي أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ولكل هذه الأسباب فإنني أرفض زيارة القدس تحت الاحتلال! كان شيخ الأزهر واضحا، وكان الدكتور زقزوق شجاعا وأكثر ذكاء من المفتي، فالأول ساق مبررات دعوته للقدس لكنه لم يزرها مرة واحدة ولم يعط الفرصة لأحد أن يمسكها عليه بعكس الدكتور علي جمعة دخل برجليه ووقع في »الفخ« لكن مبرراته للزيارة كانت ضعيفة جدا، ولا تنطلي علي أحد، فكان الهجوم عليه حادا، وترك الرد في حالات كثيرة علي لسان »مستشار« لا يملك الحس السياسي، فكانت النتيجة المتوقعة من القوي السياسية هي المطالبة بعزل المفتي.. ومازال رجل الشارع يتردد علي لسانه نفس السؤال الحائر: لماذا لم يتم عزله حتي الآن بعد كل هذه الضجة، ولم يستجب المجلس العسكري لمطالب الرأي العام بعزله؟! وأبرز ماتردد من هجوم كاسح علي المفتي بأن الزيارة »انتهازية«، وبالتطبيع في خدمة العدو، وبأنها كارثة، في حين أن رده كان غير مقنع: كيف يقول بأن الدعوة كانت مفاجأة ولم يستطع أن يرفضها؟ كذلك من العبث أن يستهتر بعقول الناس عندما يقول بأن الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية، ودون الحصول علي تأشيرة أو ختم دخول إسرائيلي؟ فضيلة المفتي: منذ 31 عاما زرت أنا القدس بدعوة من الرئيس الراحل ياسر عرفات مع فريق من كبار جراحي مصر برئاسة الدكتور مدحت مصطفي ثابت لإجراء جراحات مجانية لفقراء الشعب في فلسطين، وبمجرد هبوط الطائرة »الرئاسية« مطار »غزة« صعد إلينا الحرس الإسرائيلي واستلم جوازات سفرنا وبدون ختمه أو الحصول علي تأشيرة أو ختم دخول، وظل يرافقنا بعد المهمة حتي وصولنا للمسجد الأقصي للصلاة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، فكيف تقول يافضيلة المفتي هذا الكلام وتنفي الإشراف الإسرائيلي علي زيارتك؟.. وهل أذكرك بما رددته وسائل الإعلام العبرية عن زيارتك التي تمت بالتنسيق مع وزارة الدفاع الإسرائيلية؟! إنني أرحب يافضيلة المفتي بنشر أي رد حول هذه القضية الساخنة بشرط واحد أن يكون صادرا منك »شخصيا«.. وعلي المستشارين أن يمتنعوا!!!