عام ونصف العام ونحن نتأرجح بين الأمل واليأس.. تتقاذفنا موجات من التفاؤل ما تلبث أن تحيلنا إلي أخري من القنوط.. وبين هذه وتلك تظل الأعصاب مشدودة تصارع رغبة وإرادة في إنجاح ثورة عظيمة ماكادت تقطف أولي ثمارها حتي انهالت عليها معاول الهدم. عام ونصف تكشفت فيها الوجوه علي حقيقتها.. سقطت الأقنعة ظهرت نقاط الضعف وحب الهيمنة والسيطرة ولهاث بعض القوي وراء بريق السلطة. تعرت وجوه بينما هي تحاول التمسح برداء الدين.. سقطت في أول اختبار حقيقي يكشف الغث من السمين.. يفرز القابض علي جمر الثورة من اللاهث وراء المصلحة. عام ونصف والمجلس العسكري يمارس بدأب محسود عليه لعبة (دوخيني يا ليمونة) مع قوي سياسية وقعت في فخ التلاعب بها أملا بالفوز بقطعة أكبر من تورتة وما لبثت أن اكتشفت أنها مزيفة خشبية مجرد ديكور. عام ونصف العام والشباب لايكل في الدفاع عن ثورته.. لايمل ولايهدأ يقاوم ضربات متلاحقة تنزل بقوة فوق رأسه فلا تزيده إلا تحديا.. يفقد شهداء يتساقطون واحدا تلو آخر ومن موقعة تلو الأخري فيتقدم غيرهم لاستكمال المشوار. لايعبأ هؤلاء بحوائط خرسانية توهم من بناها أنها يمكن أن تعوق المسيرة.. فتفاجئهم عقول واعدة باختراقها رسما جميلا أبدعها محترفو الجرافيت ممن أبهرونا بإبداعاتهم ونقلونا إلي عالمهم لنحلق بعيونهم وبخيالهم ونكسر معا حاجز العجز بالحلم ونشعر بقدرتنا علي صنع المعجزات. رسائل الشباب واضحة وصريحة وحاسمة هي فقط من تبث فينا الأمل .. هي فقط من نصدقها.. هي فقط من نعول علي أصحابها.. وعلي أيديهم ستكون مصر أفضل. خطابهم يسير في خط مستقيم لايعرف ألاعيب الساسة.. لايعرف الغموض ولا التلون ليصبح استثناء وسط واقع مضطرب غامض ملتبس مليء بالألاعيب والمؤامرات والصفقات. واقع متلون بفعل خطاب سياسي لقوي حازت علي الأغلبية لكنها فشلت في أن تحافظ علي ثقة الشارع ولو لمجرد فترة قصيرة.. بعدما راهنت علي الحصان الخاسر لم تلتفت أن العسكر كاذبون.. لم تعر اهتماما لأصوات الشباب الثورية المحذرة.. لم تنتبه لنبضها الصادق الذي لم يخطيء مطلقا في تقدير الحسابات ولا اتخاذ المواقف المناسبة التي تصب لصالح تحقيق هدف الثورة لا إجهاضها. رسم الشباب خطة طريق للثورة واضحة لكن أحدا لم يتبنه.. قالوا لا للتعديلات الدستورية آمنوا بأن الدستور أولا هو الطريق الأصوب .. رفضوا حكومة الجنزوري من اليوم الأول لها لثقتهم بأنها ليست الأجدر ولا الأنسب لمصر بعد ثورة عظيمة.. رفضوا قوانين العسكر التي تحاك بليل لتضرب شرعية الثورة في مقتل.. اعترضوا علي أداء برلماني ضعيف لا يتناسب مع حجم الآمال المعلقة عليه.. تحفظوا حتي علي روح الثورة التي دبت فيه فجأة لمواجهة ترشح الفلول للرئاسة.. رأوا أن قوانين لاتقل أهمية يجب أن يناقشها البرلمان بنفس الحماس. كل يوم يمر يثبت فيه الشباب أنهم علي حق وأن من اتهموهم بالتحريض وبث الفوضي ودفع البلاد إلي حالة اللا استقرار وتعطيل الإنتاج فضلا عن العمالة والخيانة.. من اتهمهم بذلك عاد إلي الميدان ليعترف ضمنا بخطأ حساباته وليقر بأن الثورة يجب أن تكون مستمرة. وأن شرعية الميدان هي البوصلة الأصح التي يجب ألا يحيد عنها البرلمان. لم يكن هؤلاء القابضون علي جمر الثورة متعنتين إذاً عندما رسموا طريقا محددا رأوه هو الأسرع والأكثر أمانا للوصول للهدف لكن للأسف لم يلتفت أحد إليهم.. ونجحت محاولات شق الصف الثوري. لا أحد ينكر الآن أن حسابات الإخوان بالارتماء في صف العسكر لم تكن موفقة بل كانت خاطئة تماما.. ربما لم يدركوا ذلك إلا مؤخرا.. وربما أعمتهم المصلحة والرغبة واغتنام الفرصة والطمع في السلطة فضلوا الطريق حتي تضاربت المصالح فظهرت الأمور علي حقيقتها.. فأسرعوا بالعودة إلي الميدان والدعوة للم الشمل في مواجهة العسكر. اعترف الإخوان أخيرا أن شرعية الميدان هي الأصدق والأبقي فعادوا .. لكن هل هي عودة محمودة حقا!! بالطبع هي لن تصبح كذلك إلا إذا أثبتت الجماعة بالفعل لا بالقول حسن نواياها وهو أمر لا يبدو سهلا.. فبعد شهور طويلة من المواقف المتخاذلة التي كشفت عن براجماتية وانتهازية وفتحت بها أبواب الشك في صدق نواياها.. ولم يعد من السهل أن يثق الشباب في الهدف الحقيقي لعودة الإخوان إلي الميدان وهل هي عودة مؤقتة مرهونة بتحقيق مصلحة ما ثم ما تلبث ريما أن تعود لعادتها القديمة لمهادنة العسكر وعقد الصفقات أم أنها بداية لاعتراف بالخطأ ويحركها رغبة حقيقية للعودة للصف الثوري ولم الشمل في مواجهة الخطر الأكبر. اعتذار الإخوان المطلوب ليس بالكلمات ولا بالهتاف علي المنصات ضد العسكر وإنما بالمواقف أولها أن يبادر الإخوان بسحب مرشحهم للرئاسة ويكفيهم البرلمان الذي يمكن أن يضمن نجاحهم فيه لو أرادوا استعادة ثقة الشعب في حزب إسلامي يأمل الجميع أن يحول شعاره إلي سلوك فعلي بتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية من خلال تبني قوانين تحمي الضعفاء وتوقف جشع الانتهازيين وتضمن حياة كريمة للمواطن.. تحمي كرامته من الانتهاك وتمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وتنهض بالتعليم وترتقي بالصحة وتحقق الأمن. نجاح الإخوان في البرلمان مرهون بكبح جماح شهوتهم للسلطة والتحلي بفضيلة الإيثار والتيقن بأنهم حزب لكل المصريين وليس للإخوان المسلمين وحدهم. هل يفعلها الإخوان أم يخيبون الأمل الباقي فيهم فيخذلون حتي المتعاطفين معهم لينطبق عليهم مقولة الشيخ حسن البنا هم ليسوا إخوانا ولا مسلمين.