من يصدق أن النيل قد يغادر ..(فمصرهبة النيل ) كما قال الإغريقي هيرودوت من قديم الزمان وكما سرد الفيلم العالمي (ينابيع النيل) الذي شارك في تصويره المصور المصري الراحل حسن التلمساني في ستينات القرن الماضي رحلة النيل من منابعه في أعماق أفريقيا ..من الحبشة وأوغندا..منذ أن كان مجرد نقاط مياه تتدفق.. لتشكل سرسوبا من الماء يجري في جدول..ليصب في بحيرة فيكتوريا، كيف كانت القبائل الأفريقية تستقبل موسم الفيضان بالطبول وآلات النفخ المصنوعة من قرون الجاموس لاسترضاء النيل حتي لا يغضب ويدمّر وهو يفيض كل ما هو أخضر ويابس.. وكيف كانت تحتفل مصر بقدومه حتي من قبل نزول الرسالات السماوية . في احتفال ضخم يحضره ملوك مصر الفراعين يسمّي يوم عيد وفاء النيل.. باختيار أجمل فتيات مصر باعتبارها عروس النيل ردا لرمز الخير والنماء... وكيف أنناعبدناه وقدسناه ..حتي أطلقنا علي أشهرملوكنا اسم (توت عنخ آمون) ..وترجمتها عن اللغة الديموطيقية القديمة "ابن إله الماء" .. وكيف كانت تقام الاحتفالات لارتفاع منسوبه عن المعدل المطلوب الذي يحمي البلاد من الجفاف والمجاعة.. فعلنا كل شيء يتناسب مع جلاله ووقاره ..وغني له عبد الوهاب أنشودة النهر الخالد، وغنت أم كلثوم "شمس الأصيل دهّبت خوص النخيل ..تحفة ومتصورة ..في صفحتك ياجميل".. وكيف تحدينا الغرب كي نبني السد العالي لنحمي البلاد من الغرق ومن الجفاف في آن واحد بإقامة أكبر بحيرة صناعية في العالم فوق بلاد النوبة. فإذا كانت الحروب القادمة لن تدور حول آبار البترول كما كانت في القرن الماضي وإنما حول مصادر المياه، فإن المؤامرات التي تحاك هذه الأيام.. لن تستهدف النيل الذي لن يكف عن عطائه يوما.. وإنما ستستهدف دول المصب .. بالذات " مصر والسودان".. فهل أهملنا عُمقنا الأفريقي إلي هذا الحدّ المقلق؟ فهل لنا أن نفيق إلي المخاطر التي تحدق بنا بفعل هذه المؤامرات.. حتي لا تتحول دول المصب .. مصر والسودان.. إلي (ستين هتّة)؟