من وراء الإنفلات الأمنى؟ »الثورة المضادة ناجحة حتي الآن ونجاحها فاق نجاح ثورة 25 يناير وأن الانفلات الأمني متعمد من قبل ما يسمي بالثورة المضادة«.. هذا التصريح الذي صدر عن اللواء عبداللطيف البدين مساعد وزير الداخلية والخبير الأمني أثار القلق لأنه يؤكد أن هناك ثورة مضادة داخل وزارة الداخلية من قبل بعض من ضباط الشرطة، هذا الأمر الذي انعكس في العديد من الأحداث المؤسفة التي رسخت الشك بأن هناك من يحبط مخططات الداخلية وتسريب معلومات مأمورياتها عن عمليات في اقتحام أوكار المخدرات التي أسفرت عن مصرع ثلاثة ضباط خلال 48 ساعة إلي جانب قرار النائب العام بإحالة 9 ضباط شرطة إلي محكمة الجنايات لاتهامهم بالمسئولية الجنائية عن مذبحة بورسعيد، الأمر الذي يطرح تساؤلا هل هناك مؤامرة داخل وزارة الداخلية لإحباط عملية استعادة الاستقرار والأمن في الشارع مرة أخري من خلال مايسمي بالثورة المضادة هذا ما يوضحه الخبراء الأمنيون في هذا التحقيق. جاء قرار إحالة 75 متهما في أحداث مجزرة بورسعيد لمحكمة الجنايات بينهم 9 من قيادات وزارة الداخلية بعد ساعات من أزمة ضابط الأمن الوطني المتهم بالتحريض علي اقتحام وإحراق مجلس الشعب تلك الواقعة التي رأي اللواء البدين أنها لو ثبتت لوجب محاكمة كل مسئولي وزارة الداخلية الحاليين والسابقين بتهمة الخيانة العظمي، فضلوع وزارة الداخلية في مجزرة بورسعيد بهذا العدد من القيادات الأمنية زاد من الشكوك حول تورط الداخلية في أحداث الانفلات الأمني في استاد بورسعيد وجعل أصابع الاتهام تشير إلي مسئوليتها في تكريس عملية الانفلات والفوضي في الشارع المصري. إلا أن اللواء محمد عبدالغفار المحاضر بكلية الشرطة يري أن هناك العديد من العوامل التي تحدث داخل وزارة الداخلية وتتفاعل مع الجو العام من الانفلات الأخلاقي في كل المجالات مما جعل الأمر يبدو وكأنه ثورة مضادة داخل جهاز الشرطة، أولها: الإحساس بالظلم من غالبية الفئات داخل جهاز الشرطة سواء كانوا ضباطا أو أفرادا وعدم تقديرهم التقدير الكافي ماديا وأدبيا من قبل الوزارة والمجتمع.. إلي جانب عدم فهم الأفراد لطبيعة وظيفتهم والمطالبة بالمساواة مع الضباط دون وجه حق، كما أن هناك بعض الفئات الأخري من داخل جهاز الشرطة تحاول الحصول علي مكاسب مادية دون وجه حق، والمطالبة بتعديل بعض قواعد الترقية إلي الكوادر العليا مخالفة للقواعد العامة هذا إلي جانب أن جهاز الشرطة يتكون من فئات متنافرة ومختلفة ثقافيا واجتماعيا مع انخفاض المستوي الثقافي والتعليمي للأفراد علي العكس من ارتفاع المستوي التعليمي الثقافي للضباط، بالإضافة إلي رفض جهاز الشرطة لهيكلة وزارة الداخلية بالطريقة التي يراها السياسيون والإصلاحيون من غير المتخصصين.. فالإصلاح لن يأتي بتغيير الأشخاص لكن المطلوب هو تغيير السياسات حتي لاتتاح الفرصة لكل من يرغب في تحقيق أعلي الامتيازات بالنسبة لفئة ولمصلحته الخاصة فيحدث تصادمات بين التيارات المختلفة فتنشأ ما يسمي بالثورة المضادة علي الأوضاع السائدة. ويري اللواء فادي الحبشي مدير المباحث الجنائية السابق المحامي بالنقض أنه لايمكن أن أصف رجال الأمن بالخيانة العظمي وإن كانت مجزرة بورسعيد هي كارثة إلا أن المتهمين يتحملون المسئولية الجنائية ويحاكمون بتهم التقصير وعدم صحة التوقعات لكن جموع ضباط الشرطة هم وطنيون ومن أول الوطنيين في مصر الذين يؤيدون الثورة وهم جزء منها لأن الثورة كانت حلم لدي كل المصريين والحرية والكرامة لايمكن أن يرفضها أحد.. ويجب ألا نحمل جهاز الأمن المصري أخطاء المسئولين عن الدولة وعن سياستها خلال فترة ما قبل 52 يناير والهجوم عليه ليس لمصلحة البلد وإظهار العداء والتربص بهم والتنكيل بهم في وسائل الإعلام ليس لمصلحة مصر خاصة أن المفهوم الجديد للاستراتيجية الأمنية والمفهوم الأمني لدي رجال الأمن وتعامله مع المواطن قد تغير تماما وأصبح الآن ونحن نلمس ذلك يتم علي مستوي من الحفاظ علي كرامة وآدمية المواطن، لأن الداخلية في الأساس هي هيئة نظامية يلتزم العاملون بها بلوائح لايخرجون عنها ولم يعد مايسمي برجال حبيب العادلي. لأن الالتزام بها ليس بالأشخاص أو قائديهم ولكن التزامه يكون التزاما للعمل وللقسم الذي أقسموه مما يستبعد معه تصور أن يكون هناك من هم مازالوا متواجدين بالوزارة ولا زالوا يعملون لحساب النظام السابق. وإن كان البعض يروج لهذا فهذا غير صحيح.. فنحن أصبحنا بعد الثورة في مرحلة حرية التعبير عن الرأي بحرية مطلقة بحيث أن الكل يبدي رأيه عبر وسائل الإعلام سواء المختصة أو غير المختصة.. ويسرع ويبعث تصورات لهيكلة جهاز الشرطة وفقا لرأيه الخاص وهم بعيدون كل البعد عن الإلمام بمفاهيم الأمن بالوزارة، لكن إذا جاءت المعارضة أو الإساءة إلي جهاز الأمن من بعض ممن ينتمون إليه فهذه هي الكارثة. ونفي الرائد أحمد رجب المتحدث الرسمي باسم ائتلاف ضباط الشرطة سابقا وجود نظرية مؤامرة داخل وزارة الداخلية والذي يؤكده العديد من الوقائع منذ أن تولي اللواء محمد إبراهيم وزارة الداخلية وشهدها الرأي العام لعل من أبرزها ضبط عدد كبير جدا من الهاربين من السجون وعتاة الإجرام مثل فرافيرو وخط القليوبية حمدان الصعيدي والحامبولي الذي كان خط الأقصر.. إلي جانب الحملات المبكرة لاستهداف أوكار المخدرات والسلاح والآثار. والتي كان علي رأسها وزير الداخلية في سابقة هي الأولي من نوعها بتواجد وزير الداخلية في هذه الحملات داخل القاهرة والمحافظات. كل ذلك يحبط الرأي الذي يتجه إلي نظرية المؤامرة التي ينتفي معها كل المجهود الأمني الواضح الآن ولو كان هناك فاسدون داخل الوزارة أو متآمرون فمن يقول ذلك عليه أن يتقدم بمستنداته إلي النيابة العامة. وإن استشهاد الرائد أحمد عبدالواحد عمارة لن يكون الأخير ولو فسرنا أن استشهاد الضابط ناتج عن نظرية المؤامرة فهذا كلام يستخف بالعقول ولا تؤيده أي دلائل قوية.. كما أن المتهمين في مجزرة بورسعيد هم لم يخططوا للمذبحة أو ينسقوا لها ولكن جاءت تحقيقات النيابة باتهامهم علي أساس التقصير في أوجه التأمين وعدم القيام بواجباتهم من النواحي التأمينية. هذا ما يتفق معه اللواء الدكتور يوسف أحمد وصال أستاذ الاستراتيجية القومية وإدارة الأزمات والتفاوض والمستشار الأمني. قائلا: إذا كانت هناك حالات فردية تتصرف تصرفات خاطئة أو لا تتفق مع طبيعة المرحلة وما تقتضيه من تكاتف ووعي وعمل مخلص لصالح الحفاظ علي الوطن فيجب أن تحاسب لكن لا أستطيع أن أعمم أن هناك اتجاها ضد الدولة أو لصالح النظام السابق.. وفي نفس الوقت نرجو أن تعجل وزارة الداخلية بإجراء إعادة هيكلة الوزارة عن طريق مؤتمر علمي ومهني وقانوني يضم الخبراء من كافة القطاعات من الوزارة وخارجها للوصول إلي طبيعة تتناسب مع الدولة بعد ثورة 52 يناير، مما تعيد صياغة العمل الأمني والفلسفة والاستراتيجية والتوجهات والخطط والبرامج لحماية الوطن من المخاطر التي تحيط به وللاستفادة من دروس المرحلة السابقة. فالأمر يحتاج إلي تغيير السياسات والأشخاص الذين لايتواءمون مع طبيعة هذه المرحلة أو الذين ثبتت في حقهم جرائم أو أخطاء مهنية.