"التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    هل تسقط احتجاجات التضامن مع غزة بايدن عن كرسي الرئاسة؟    بيني جانتس يهدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو لهذه الأسباب    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    عماد النحاس: نتيجة مباراة الأهلي والترجي «مقلقة»    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    بعد اكتشاف أحفاد "أوميكرون "، تحذير من موجة كورونا صيفية ولقاح جديد قريبا    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    «إزاي تختار بطيخة حلوة؟».. نقيب الفلاحين يكشف طريقة اختيار البطيخ الجيد (فيديو)    إيطاليا تصادر سيارات فيات مغربية الصنع، والسبب ملصق    حماية المنافسة: تحديد التجار لأسعار ثابتة يرفع السلعة بنسبة تصل 50%    حزب الله يستهدف عدة مواقع لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. ماذا حدث؟    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    الأرصاد الجوية تحذر من أعلى درجات حرارة تتعرض لها مصر (فيديو)    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    مصطفى قمر يشعل حفل زفاف ابنة سامح يسري (صور)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 19-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    بعد الانخفاض الكبير في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد بالمصانع والأسواق    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 مايو 2024    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رقصة على ضفاف النيل تنتهي بجثة طالب في المياه بالجيزة    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    مدافع الترجي: حظوظنا قائمة في التتويج بدوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    على متنها اثنين مصريين.. غرق سفينة شحن في البحر الأسود    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير روسي: التبادلات السياحية مع كوريا الشمالية تكتسب شعبية أكبر    البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي الأمريكي سيبحث مع ولي العهد السعودي الحرب في غزة    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده مباشر كاتب خطب السادات العسكرية :استثمر نصر أكتوبر في تحقيق السلام وحرر مصر من الخبراء السوفيت
نشر في آخر ساعة يوم 25 - 12 - 2018

الكاتب الكبير عبده مباشر (82 سنة) هو واحد من أشهر المحررين العسكريين الذين تعاملوا بشكل مباشر مع رؤساء الجمهورية السابقين: جمال عبدالناصر، والسادات، وحسني مبارك، والمدني الوحيد الذي يحمل رتبة عسكرية، الذي قدم للمكتبة العربية حتي الآن 35 مؤلفا في التاريخ العسكري، والسياسي، والشئون الدينية.
وفي الذكري المئوية لميلاد الرئيس الراحل أنور السادات، يحكي تاريخه معه، وتكريمه بوسام عسكري باعتباره أحد الأبطال الفدائيين المقاتلين في سيناء، ويرصد كشاهد عيان الصراع علي السلطة بعد رحيل عبدالناصر، ويرصد تفاصيل مرحلة الإعداد لحرب أكتوبر، والعبور العظيم، وعظمة السادات لتحقيق النصر وتحرير سيناء من الاحتلال، واستثماره لتحقيق السلام، ويصفه بالمكر والدهاء وشدة الذكاء، بعد أن حقق لمصر مكانة متقدمة بين الأمم، ولم يكن علي المسرح من يستطيع تحقيق هذه المكانة سواه..
• كيف كانت بداية، العلاقة مع الرئيس السادات؟
أثناء تحمل أنور السادات لمسئولياته كرئيس لمجلس الأمة تلقيت دعوة من الدكتور رشاد رشدي لتناول الشاي معه بالنادي الأهلي، وأخبرني أن السادات سيكون موجودا وكان يسيرًا أن أستنتج أن السادات هو صاحب الدعوة، وبدأت أستعيد ماسمعته وعرفته عن الرجل وما يتمتع به من ذكاء ومكر بالإضافة لدوره في الحركة الوطنية المصرية واشتراكه في عملية اغتيال أمين عثمان وزير المالية المصري عقابا له علي وصفه معاهدة 1936 التي وقعها مصطفي باشا النحاس رئيس مجلس الوزراء مع السلطة الإنجليزية بأنها كالزواج الكاثوليكي بين مصر وبريطانيا، أي علاقة لاتعرف الانفصال، وكان التصريح صدمة للقوي الوطنية التي ترفض الاحتلال وتطالب بالجلاء، وانخراط الرجل في العمل السري لسنوات طويلة بجانب نشاطه في التعاون مع شبكة "أبلر" الألمانية المعروفة بقضية "العوامة" يضاعف من حالة التحسب في التعامل معه.
وكان هناك موقفان أو واقعتان، فقد كنت موجودا خلف عبدالناصر والمشير عامر في إحدي المناورات العسكرية بمنطقة العريش عندما حاول الاقتراب منهما للسير بجوارهما فقال له المشير عامر كلاما حاداً، فما كان منه إلا أن تراجع إلي الخلف، وقد شاهدني أثناء ذلك وعرف أو تأكد أنني سمعت ماقاله عامر له.
والثانية عندما رآني ضيفا علي المشير عامر باستراحة الهرم.. وعندما وصل السادات اشترك في الحوار مع الموجودين ومنهم عباس رضوان وصلاح نصر.
بعدها رأيت أن الوقت قد حان للمغادرة وسألني الدكتور رشاد رشدي عن زياراتي لليمن وانطباعاتي، فبدأت أحكي وأنا أضع في اعتباري أن السادات كان له دور رئيسي في قصة اليمن.
وبعد فترة من الحديث تدخل السادات لأول مرة مستغربا ماقلت من أنني شربت مع غيري الماء بالدود بعيدا عن العاصمة صنعاء.. وأن البسكويت الذي يصرف للقوات مسكون بالسوس.. وطلب أن يسمع المزيد عن تجربتي وبصورة تبدو وكأنها في سياق الحديث سألني عما إذا كنت قد أخبرت عبدالحكيم عامر بما رأيت، فأجبت بأنه لم يسألني أبدا عن اليمن، وبالتالي لم تكن هناك فرصة لكي أحكي له.. ثم أنني أعرف تماما أن أجهزة جمع المعلومات تطلعه أولا بأول علي حقائق الأوضاع هناك..
كيف احتفظ السادات بموقعه بالقرب من عبدالناصر طوال فترة رئاسته؟
كانت ليلة 22/23 يوليو 1952 مترعة بالأحداث والأسرار منها ما أصبح معلوما ومنها ما لم يعرف حتي الآن.
ومن أحداث هذه الليلة، جولة قام بها كل من جمال عبدالناصر وصديقه عبدالحكيم عامر بالسيارة الأوستن السوداء التي يملكها جمال وهما يرتديان الملابس المدنية.
خلال هذه الجولة عثرا علي المقدم يوسف صديق في بار بالميرا بمصر الجديدة فأخبراه أن الملك قد عرف بموعد الانقلاب وأنه أمر حسين فريد رئيس الأركان بالتوجه إلي مكتبه واتخاذ الإجراءات لإحباط هذا الانقلاب وإلقاء القبض علي المجموعة الانقلابية، وطلبا منه التحرك بقواته الآن وقبل منتصف الليل الموعد المحدد للانقلاب والاستيلاء علي مبني وزارة الحربية واعتقال كبار القادة.
وبعد تحرك يوسف صديق بقواته، ظل الصديقان ناصر وعامر يتابعان مايجري، وبعد أن تمكنت القوة التي يقودها يوسف صديق من إنجاز مهمتها بنجاح، توجها لارتداء ملابسهما العسكرية ثم ذهبا معا لقيادة المجموعة الثائرة وإنجاز الأهداف المخططة.
في نفس هذه الليلة توجه أنور السادات بصحبة زوجته إلي سينما صيفي بشارع المنيل، وأثناء العرض افتعل مشاجرة مع أحد المتفرجين، وتوجه معه إلي نقطة البوليس بحي المنيل، وسجل محضرا بالواقعة.
وهكذا أثبت أنه في تلك الليلة كان بعيدا عما يجري، وبما يضمن له البراءة في حالة الفشل وتم إلقاء القبض علي قادته تمهيدا لمحاكمة عسكرية.
وكان من اليسير أن يستنتج من يريد أن يستنتج، أن هؤلاء الثلاثة ناصر وعامر والسادات هم الأكثر دهاء ومكرا..
وخلال الفترة التي أعقبت ماتحقق من نجاح خلال ليلة 22/23 يوليو 1952، بدأ الرجل ينهج نهج الزاهدين في السلطة ويطلب من عبدالناصر ألا يسند إليه أي مسئوليات، فهو قد أدي دوره الوطني كاملا من خلال مشاركته الفعالة في التنظيمات السرية التي لعبت دورا في مقاومة الاحتلال الإنجليزي واغتيال أو محاولة اغتيال الشخصيات التي تعاونت مع الاحتلال.
وأنه يريد أن يكون نجاح الثورة هو قمة ونهاية دوره ، وقد آن الأوان ليستريح. وقد اختار هذا النهج بعد أن أجاد قراءة شخصية جمال عبدالناصر، وأدرك أنه يحب الانفراد بالأمر، كما كان علي علم بأن الثورات دائما ماتأكل بنيها.. ولأنه كان يعرف أن عبدالناصر شديد الذكاء ودائم التشكك في الآخرين، فقد ظل يعمل جاهدا لحصار هذا الشك الذي لن يعرف ولا يميل إلي الانحسار.
قرر السادات منحك وساماً عسكرياً ورتبة عسكرية فخرية، فما هي الأسباب وراء مثل هذا القرار خاصة أن أحداً غيرك لم يحظ بمثل هذا التكريم؟
أثناء الاحتفال بتكريم المجموعة 39 قتال يوم 12 أغسطس 1971، قرر الرئيس السادات منحي وساما عسكريا ورتبة عسكرية فخرية تقديراً لدوري في حرب الاستنزاف.
وتبدأ قصة هذا الدور بعد أن قطعت دراستي بألمانيا وقررت العودة إلي مصر علي ضوء نكبة يونية 1967.
كتبت طلب تطوع بالصفة المدنية بالمجموعة، فزكّي الرفاعي الطلب، بعدها وافق مدير المخابرات الحربية، وعندما عرضت الأمر علي الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية رفض، ورجعت للواء صادق، فعرض الأمر علي الرئيس عبدالناصر، فتعجب من رفض فوزي، وأوضح أن اشتراك مدني في القتال خلف خطوط العدو في سيناء سيؤدي إلي رفع معنويات القوات الموجودة بالجبهة خاصة بعد عودتها القاسية من سيناء، ووافق عبدالناصر فحصلت بذلك علي استثناء أعتقد أنه الأول في تاريخ القوات المسلحة، لانضمام مدني لوحدة فدائية مقاتلة.
وأشارك في العمليات ويرحل الرئيس عبدالناصر عن عالمنا، ويتولي السادات مسئولياته كرئيس للجمهورية.. وكانت معارك الاستنزاف قد توقفت وفقاً لمبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي اعتبارا من أغسطس 1970.
وبعد أن حسم السادات الصراع علي السلطة مع مجموعة علي صبري ومحمد فوزي في مايو 1971 لصالحه، قرر تعيين محمد صادق رئيس الأركان وزيراً للحربية تقديراً لحمايته للشرعية وإحباطه للانقلاب العسكري الذي خطط له الفريق أول فوزي.
وتدور عجلة الإعداد لحرب أكتوبر، ومن قلب الاستعداد للحرب يقرر السادات باعتباره القائد الأعلي للقوات المسلحة تكريم المجموعة 39 قتال لدورها الرئيسي والفعال في استنزاف قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء وتكبيدها قدراً هائلاً من الخسائر البشرية والمادية.
وتحدد يوم 12 أغسطس كيوم للتكريم، وخلال مراحل الاستعداد لهذا الاحتفال، رفضت الوقوف في طابور العرض بالزي العسكري، وصممت علي ارتداء الزي المدني.
فمثلما كان الاستثناء الأول من الرئيس جمال عبدالناصر بقبول تطوعي بالمجموعة 39 قتال لافتاً ومؤثراً بعمق في حياتي ومسيرتي الصحفية فإن الاستثناء الثاني بقبول وجودي في طابور عسكري بالزي المدني في مناسبة تكريم المجموعة 39 قتال، كان لافتاً للنظر بشكل أوضح لعلنية المناسبة التي تمت تغطيتها إعلامياً، إلا أنه لم يؤثر بالعمق نفسه علي حياتي أو علي عملي.
ولا شك أن الاستثناءين حفرا بعمق.. وتركا تأثيراً قوياً وجميلاً وفعالاً علي حياتي.
ما هي قصة كتابتك للخطب والكلمات التي كان يلقيها خلال زيارته للمواقع العسكرية؟
كثيراً ما كان الرئيس السادات يطلب الالتقاء بالقادة والضباط هنا أو هناك بجانب حرصه علي حضور معظم حفلات تخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية، خاصة بعد عاصفة مايو 1971.. وكانت له أسبابه، ولكنها لم تكن مطروحة بشكل علني وكان واضحاً أنه يريد أن يكون علي اتصال دائم بالقوات المسلحة وهو علي طريق الاستعداد الجدي للحرب، ومن خلال كلماته كان يسعي لتحقيق مجموعة من الأهداف، وإرسال رسائل لهذه الجهة أو تلك.. وربما أراد أن يضع قدمه داخل القوات المسلحة.
وخلال هذه الزيارات في معظمها، كنت الصحفي الوحيد الذي يتابع، لا بصفتي الصحفية، بل باعتباري المستشار الصحفي والسياسي لوزير الحربية، وكان الرئيس يرتجل كلماته، فهو يعرف ما يريد أن يقوله، والأهداف التي يسعي لتحقيقها، ولم يكن أمام الفريق أول صادق سواي لكي يطلب منه كتابة الكلمة التي ألقاها الرئيس بجانب تقرير للنشر الصحفي عن الزيارة، كان ذلك في أعقاب لقاء بالجيش الثاني الميداني، فقلت له إنني لم أكتب ما قاله الرئيس بل سجلت مجموعة من النقاط فطلب أن أجلس مع اللواء حسن الجريدلي أمين عام الوزارة وكل من العميدين جمال حسن مدير مكتبه ومحمود عادل المسئول عن العمليات لاستكمال كتابة الكلمة، وقد بذلنا جهداً لكي نتذكر.. وقرأ الوزير الكلمة التي كتبناها للرئيس، فوافق علي نشرها، وفي اليوم التالي انتقل للجيش الثالث.. وتكرر الأمر نفسه، ولكننا حرصنا علي تسجيل كل ما يقال خلال اللقاء، واستمر الأمر علي هذا المنوال، وبعد زيارة للقوات الموجودة بمنطقتي بلبيس وإنشاص، عدنا جميعاً إلي القاهرة، وعندما انتهيت من كتابة التقرير الخاص بالزيارة والكلمة، توجهت إلي مكتب الوزير فأبلغوني أنه ينتظرني بمجلس الوزراء، وهناك وجدت موظفاً من المراسم في انتظاري علي المدخل، قادني إلي حجرة بالدور الأول، وبعد لحظات حضر الوزير وقرأ ما كتبت، ثم اتصل بالرئيس السادات، وقرأ له التقرير والكلمة، فسأله عما إذا كان هو الذي يكتب ذلك، فأخبره أنني الذي أتحمل هذه المسئولية فطلب منه إبلاغي شكره، وفي الوقت نفسه طلب أن أعد له الكلمات التي سيلقيها خلال زياراته المقبلة، وأنه سيبلغ الوزير بالنقاط المطلوب التركيز عليها، وكلفني صادق وهو يشعر بالرضا أن ألبي طلب السادات، وأكتب له كلماته.. ثم قال: اقرأ كل ما قاله السادات من قبل، وعد لقراءة خطب عبدالناصر، وأخبرني أنه سيأمر بتزويدي بكل كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع ورئيس الأركان لأتابع مواقفهم وسياساتهم، وبدأت مرحلة جديدة، كنت أعرف أو أتلقي خبر وموعد الزيارة والقضايا المطلوب التركيز عليها أو الإشارة إليها، وبعد أن أقوم بقراءة ما صدر عن إسرائيل أو عن دول المنطقة فيما يتعلق بمصر، أبدأ في الكتابة، وخلال هذه المرحلة تصاعد التوتر مع الاتحاد السوفييتي وزادت حدة الخلافات في وجهات النظر وتباعدت المواقف، وبدأ وزير الحربية في التحدث علناً عن المماطلة في تزويد مصر باحتياجاتها العسكرية وعدم الوفاء بالعقود التي تم توقيعها، وكان المتبع أن أكتب مسودة الخطاب، وأعرضها علي الفريق أول صادق ليبدي ملاحظاته عليها، وعلي ضوئها أعيد الكتابة، ثم نجري بعد ذلك كتابته بخط اليد علي يد خطاط، وخلال مصاحبته للرئيس سواء في الطائرة أو السيارة أثناء التوجه إلي الموقع يعرض عليه الخطاب.. واستمر الأمر علي هذه الوتيرة دون أن يعلم أحد من خارج دائرة مكتب الوزير شيئاً عن هذا الدور أو هذه المهمة.
وخلال زيارة للجيش الثاني بالإسماعيلية، طلب الرئيس أن أذهب إليه في استراحة جزيرة الفرسان، وهناك أملاني عدة نقاط طلب مني التركيز عليها وأنا أكتب الكلمة التي سيلقيها غداً بالجيش الثالث بالسويس، ووعدته بإنجاز ما طلب قبل أن يحل المساء، فقال: يكفي أن أقرأه في الطائرة »الهليكوبتر»‬ صباح الغد، كانت كل النقاط تتعلق باحتقان العلاقة المصرية السوفييتية، فقد زار موسكو يومي 1، 2 فبراير 1972، وعاد وهو يحمل كثيراً من الوعود، وعاش تحت تصور أن الأمور سوف تختلف في أعقاب هذه الزيارة، التي أكد خلالها للزعماء الثلاثة بريجينيف وكاسيجين وبودجورني أن صبر مصر أوشك علي النفاد.
كان السوفييت يتلاعبون ويناورون.
وبدا لي بصورة واضحة أن الرئيس وهو يملي هذه النقاط أنه في حالة غضب شديد وإن حاول السيطرة عليه، وتأكدت من استنتاجاتي، عندما طالبني أن تكون الكلمات والصياغة قوية وواضحة وحاسمة، مع تجنب العنف والحدة، وكان الطريق ممهداً لأسأله، ما الذي يدفع قوة عظمي كالاتحاد السوفييتي للمماطلة؟ ثم أليس لهذه القوة مصالح في المنطقة وفي مصر للحفاظ عليها؟
قال بالطبع لهم مصالح، ولكني أتوقع أنهم يشعرون بالاستياء لإبعاد رجالهم عن مواقع السلطة في مايو 1971.. ومن موقف مصر من الانقلاب الشيوعي في السودان، وفي كلا الموقفين كنت علي اتصال بالقادة السوفييت وأوضحت لهم ما سوف أفعله وأسباب ذلك، فعلت ذلك قبل التخلص من مجموعة علي صبري ومحمد فوزي، بل وعقدت معهم معاهدة لإزالة شكوكهم ولضمان مصالحهم، وعدت لأسأل: ألم تكن مصر تعلم وهي تخطو في اتجاه السوفييت أنها اختارت اللعب مع قوة عظمي لها أهداف ومصالح مع المعسكر الغربي، بل وعلي اتساع العالم، في حين أنها دولة تحاول جاهدة الخروج من معسكر التخلف، وأن ما تملكه من أوراق ليس بالكثير؟ فالتفت الرئيس التفاتة من لم يتوقع مثل هذا السؤال، ثم قال: لقد كان عبدالناصر يدرك هذه الحقيقة بشكل ما في البداية، ولكنه أدركها بشكل كامل خلال السنوات الأخيرة، أو فلنقل خلال العام الأخير من حياته، وكان ذلك وراء إعلانه قبول مبادرة روجرز وزير الخارجية الأمريكي الخاصة بوقف حرب الاستنزاف 1970.. فعقبت قائلا: لقد جاء الإدراك متأخراً، وبعد أن ثبتوا أقدامهم لا في مصر فقط بل في المنطقة وفي القارة الأفريقية وأصبح لهم أسطول بالبحر المتوسط وقواعد برية وبحرية وجوية في منطقة لم يكن لهم وجود بها من قبل بدء علاقتهم بمصر عام 1955، قال السادات: لم يعد من المجدي البكاء علي ما فات، ولكن من الضروري إجراء عمليات تقييم مستمرة للعلاقات مع السوفييت قبل اتخاذ أي قرارات، كانت الجملة تحمل كثيراً من المؤشرات والإشارات والدلالات، وكانت تعني أن الرجل يمر بهذه المرحلة وأنه علي وشك اتخاذ قرارات مهمة في هذا الصدد، ولكنني لم أشأ مواصلة الحوار حولها، وعدت لأسأل عن موقف عبدالناصر من السوفييت، وعما إذا كان يفكر بشكل جدي في إنهاء العلاقات معهم بعد إعلان قبول مبادرة روجرز؟ وقال السادات: لا أعتقد أنه قد حسم اختياره بهذه الصورة، وقد ناقشت معه هذه النقطة، فقال إنه كان يشعر باليأس من موقف الزعماء السوفييت، وواصل قائلاً: في تصوري أنه قبل المبادرة كوسيلة للضغط عليهم من أجل تغيير موقفهم.
وهنا قال الرئيس السادات لقد رحل الرئيس جمال بعد حوالي شهرين من قبوله للمبادرة الأمريكية، وترك من خلفه كارثة اقتصادية، وأخري سياسية.. ولكن الأولي هي الأسوأ.. فلقد نقلت مصر بغباء شديد الأسلوب السوفييتي في إدارة اقتصاد الدولة، ولم يكن ذلك ملائما لأنها كانت تفتقر للموارد المالية والإمكانيات والكوادر البشرية، ولم يكن هناك من هو قادر علي التوقف والمراجعة، وقلت للرئيس في بداية الثورة كانت بريطانيا مدينة لمصر بأربعمائة مليون جنيه استرليني.. ومثل هذا المبلغ كان كافياً لبدء مشروعات تنمية اقتصادية تساعد مصر علي التحول إلي كيان اقتصادي قوي، فالتقط السادات الخيط، وقال: إن مصر كانت عفية وقوية في ذلك الوقت، وكان ممكناً أن تصبح أفضل، ثم علينا أن نتذكر أن عمليات التمصير عام 1956 والتأميم عام 1961 أضافت أكثر من ألف مليون جنيه، ولو سارت مصر علي الطريق الصحيح لتحولت إلي قوة اقتصادية كبيرة، ولتحققت انطلاقة هائلة في كل المجالات، ولكن التطبيق الاشتراكي والاختيارات الخاطئة وانتشار الفساد والخوف أصاب مصر بالشلل، وأقعدها تماماً، ولا يمكن لمصر الخروج من هذا المأزق إلا بانتصار عسكري يوفر لها القدرة علي الانتقال إلي اختيارات جديدة، ووصل الحوار إلي نقطة النهاية، فها هو الرجل يرسم خريطة الأيام المقبلة، ويكشف عن منهج تفكير واضح المعالم ركيزته انتصار عسكري يقود إلي تغيير في المسارات التي قيدت حركة مصر في الماضي.
ومن خلال الحوار مع كل من موسي صبري وأنيس منصور، عرفت أنهما يخططان لحوار عميق وشامل مع السادات حول 23 يوليو 1952، وكل منهما صديق أثير للرجل، وقد حصلا علي وعد بالبدء في التسجيل عندما تسنح الظروف.. والتزم السادات بوعده بعد انتصار أكتوبر 1973، وقبل أن أستأذن في الانصراف تطلعت للحصول علي وعد مماثل، وقال الرجل إنه سيخصني ببعض ذكرياته.
وخرجت من الاستراحة وأنا أدرك أن الصورة قد أصبحت أوضح فيما يتعلق بعلاقات السادات بالاتحاد السوفييتي، وأنني أستطيع كتابة الكلمة المطلوبة بشكل أفضل.
وبعد أن انتهيت من كتابة الخطاب، قرأته، ورأيت أنني يجب أن أكتبه مرة أخري، بعدها ذهبت إلي الفريق أول صادق فلاحظ أن الكلمة تتضمن هجوماً قوياً علي السوفييت، فأوضحت أني التزمت بما طلبه الرئيس، فوضع تحت بعض الجمل والفقرات خطوطاً، وقال: إنه سيذهب الآن إلي الرئيس بصحبة اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني، وسيعرض عليه الخطاب، فربما يعيد النظر في الأمر.. وعندما عاد سألني: ماذا فعلت وقلت للرئيس: لقد تحدث عنك كثيراً، فقلت طرحت عليه عدداً من الأسئلة لأتبين ماذا يريد أن يقول في خطابه غداً، بعد أن أملاني النقاط التي يجب التركيز عليها.. فقال: لقد أبدي إعجابه بالخطاب، وقال إنك التزمت بكل ما قاله، ونفذت تعليماته بدقة، وبهذا الخطاب الذي ألقاه الرئيس أثناء لقائه بقادة وضباط الجيش الثالث الميداني بالسويس، عبر عن غضبه واستيائه من موقف القادة السوفييت، وكانت الرسالة واضحة، وحملت إنذاراً مبكراً بالقرار الذي اتخذ خلال شهر يوليو 1972 بتحرير مصر من الخبراء السوفيت.
ما هو تقييمك لشخصية السادات، ولإنجازاته؟
لا أعتقد أن هناك من يجادل في أن السادات هو بطل انتصار أكتوبر 1973 العظيم، فهو في البداية صاحب قرار الحرب، ولم يكن علي المسرح من يستطيع اتخاذ مثل هذا القرار غيره ويستمد قرار الحرب عظمته وماهو أكثر إذا ما نظرنا إلي البعد التاريخي أو الأبعاد التاريخية خاصة المعاصرة.
فمنذ بدأ الصراع العسكري المصري - الاسرائيلي، واجهت مصر ثلاث هزائم متتالية 1948، 1956، 1967 وتبين المراقبون أن أداء القوات المسلحة عام 1948 كان أفضل منه عام 1956، وكان الأداء عام 1956 أفضل بكثير مما جري عام 1967، أما عام 1967 فقد كانت النتيجة نكبة كاملة والانهيار كان سريعًا والثمن كان فادحا.
وعندما تحمل مسئولياته كرئيس للجمهورية بعد وفاة عبدالناصر اجتمع بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة يوم 19 أكتوبر 1970، وفي نهاية الاجتماع طالب القادة بالتخطيط لهجوم من أجل تحرير ولو عدة سنتيمترات شرق القناة.. أي أن قرار الهجوم كان قد استقر عليه قبل وصوله لمقعد الرئاسة.. والحرب في جوهرها هي القرار، وعلي ضوء القرار توضع الخطط وفقاً للإمكانيات وتتحدد الأهداف.
وصاحب القرار كان واثقاً من النصر، وقد تمكنت القوات المسلحة من شن أول حرب هجومية في تاريخ الصراع العسكري مع اسرائيل، وتمكنت بالقوة العسكرية من كسر نظرية الأمن الإسرائيلية وإلحاق هزيمة كارثية بقواتها المسلحة.
وإذا كان قد حقق هذا الانتصار، فقد كان يتطلع لاستثماره لتحرير ما تبقي من سيناء، ولم يكن أمامه سوي طريق السلام وبجسارة قرر خوض هذه التجرية، ولكن إذا كان قرار الحرب يمكن للأغلبية فهمه والانضواء تحت لوائه، فإن قرار وطريق السلام أمر مختلف تماماً، فالكل هنا لا يمكن أن يوافقوا علي مسيرة سلمية لأنها تصطدم بالشعارات والمألوف واختلاف الرؤي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.