استقالة الرئيس الألماني كريستيان فولف Christian wulff أو إقالته من منصبه يوم 71 فبراير الجاري بحكم القانون كان بمثابة »القنبلة« التي انفجرت في الحياة السياسية الألمانية.. غير أن هذا الحدث الكبير لم يكن مفاجأة لأبناء الشعب الألماني ولا للأحزاب السياسية والإعلام ذلك أن السبب الذي من أجله تقدمت النيابة العامة الألمانية بطلب للبرلمان الألماني الاتحادي Bundestag لرفع الحصانة عن الرئيس فولف لاتهامه بالتربح واستغلال نفوذ منصبه عند قيامه بشراء منزل من إحدي الشركات الإنشائية الألمانية وظل الخبر مثار جدل سياسي وحوارات إعلامية مكثفة علي مدي الأشهر الماضية إلي أن صدر قرار النائب العام وقرر الرئيس تقديم استقالته للتحقيق معه بشأن الواقعة ذلك أن ألمانيا الاتحادية دولة ديمقراطية يحكمها القانون والدستور وهو ما نطالب به اليوم في مصر حماية وأمانا لشعبها وضمانا للأجيال القادمة. كريستيان فولف البالغ من العمر 61عاما هو أحد أبرز السياسيين الألمان خلال العشرين عاما الماضية وكان من أشهر رجالات الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم CDU نائب رئيس الحزب وهو ما دعا الحزب إلي ترشيحه في انتخابات الرئاسة في 03 يونية 0102 ليفوز بهذا المنصب الرفيع ويصبح الرئيس رقم 01 لألمانيا الاتحادية وذلك بعد أن قضي 7 سنوات رئيسا لوزراء ولاية سكسونيا السفلي وعاصمتها مدينة هانوفر والتي تعد من أكبر وأقوي الولايات الألمانية الست عشرة من حيث المساحة والقوة الاقتصادية والتقدم الصناعي والرقي الثقافي والتعليمي. والحقيقة أن استقالة أو إقالة فولف وما ارتبطت به من فضيحة فساد تعد ضربة موجعة للحزب المسيحي الديمقراطي CDU الحاكم برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل ستظهر آثارها السلبية علي الحزب في الانتخابات القادمة سواء المحلية أو علي المستوي الاتحادي.. كما أنها تعد ردا منطقيا علي الادعاءات والانتقادات التي توجهها بعض العناصر السياسية والإعلامية الألمانية ضد مصر بخصوص موقفها الأخير من بعض منظمات المجتمع المدني التي كانت تعمل في مصر بدون إذن ورقابة السلطات المصرية وبتمويل أجنبي ومنها مؤسسة كونراد أديناور konrad Adenauer التابعة للحزب المسيحي الديمقراطي وهو القرار الذي اتخذه النائب العام المصري ضد منظمات المجتمع التي اخترقت القوانين المصرية تماما مثلما فعل النائب العام الألماني مع الرئيس الألماني السابق. نعم.. إن سقوط الرئيس الألماني فولف الذي يمثل الحزب الحاكم في ألمانيا حاليا يعد تأكيدا وترسيخا لمفاهيم الحرية والديمقراطية وسيادة القانون في دولة تعد من أعرق الديمقراطيات في العالم وتعمل بكل قدراتها وإمكانياتها علي تفعيل قوانينها علي أراضيها بشفافية وحيادية تامة.. وعلي رجال السياسة وزعماء الأحزاب والائتلافات في بلدنا وأؤلئك الذين يدعون أنفسهم بالنخبة أن يتوقفوا للحظة أو لحظات عن هذه الحوارات السفسطائية والجدل العقيم والجري وراء مصالحهم الخاصة وأهداف توجهاتهم الفكرية والحزبية وأن يغلبوا لغة العقل والمنطق والعلم السليم وألا ينجرفوا وراء الشعارات الطنانة الزائفة. كما أنه ينبغي عليهم أن يدرسوا ويتعمقوا في فهم تجارب الآخرين الذين سبقونا علي طريق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ليتعلموا منهم حقيقة ينبغي علينا أن نتعلم من تجارب الآخرين.. فألمانيا هذه التي تعيش الآن وتتمتع بأجواء الحرية والديمقراطية وسيادة القانون هي نفسها ألمانيا بشعبها وقياداتها التي عاشت سنوات طويلة تحت حكم أعتي النظم الديكتاتورية في العالم »نظام هتلر« وخرجت بعد الحرب العالمية الثانية حطاما وركاما اللهم إلا إرادة الشعب الألماني الصلبة ورغبته الصادقة في إعادة بناء بلده بالعرق والجهد وعلم أبنائه.. لقد مر الألمان بعد الحرب ولسنوات طويلة بظروف صعبة للغاية قل أن يتحملها بشر ولكنهم صبروا وصمدوا حتي أعادوا بناء بلدهم من جديد.. وها هم الآن يجنون ثمار جدهم واجتهادهم وإخلاصهم لوطنهم وأصبحت ألمانيا بما قدموا لها في مقدمة الدول الأوربية وأحد أعمدة النظام العالمي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتكنولوجيا.. لم يعرفوا الإضرابات ولا الاعتصامات حتي تمكنوا من بناء بلدهم وتعميرها وتحقيق النهضة الشاملة في مختلف المجالات وترتفع مكانتها بين أرقي دول العالم. أقول هذا لأبنائنا الثوار الشرفاء الأوفياء ومن يقفون وراءهم ويهتفون »يسقط.. يسقط حكم العسكر« ويطالبون بضرورة تسليم السلطة »فورا« لحكم مدني ولا يدركون صعوبة تحقيق هذا المطلب من حيث الإجراءات ومدي خطورته علي مستقبل الحياة الديمقراطية في مصر متجاهلين »خطة الطريق« التي تضمنها الإعلان الدستوري والتي تنظم بصورة قانونية تسليم السلطة إلي إدارة مدنية في 30يونيه 2012.. وآمل أن نغير أسلوب حياتنا وأن ننتهي من حب بلادنا بالأغاني والأناشيد والشعارات ونتخلص من هذا الموروث الذي ظل يسيطر علينا طوال الستين عاما الماضية أي منذ ثورة 1952. وعلينا جميعا أن نحسم الأمر بصورة علمية وقانونية فيما يتعلق بالمرحلة القادمة لبناء نظامنا الديمقراطي وخاصة ما يتعلق بإعداد الدستور وأن يكون »دستورا توافقيا« يشارك فيه كل أطياف الشعب المصري ويتم من خلاله تحديد نوع النظام الذي سيحكمنا خلال المرحلة القادمة وهل سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم نظاما مشتركا.. وأن يتم أيضا تحديد سلطات ومهام رئيس الجمهورية وهل ستكون سلطات مطلقة تصنع دكتاتورا جديدا أم سلطات محددة بحكم القانون والدستور وحتي نحد من هذا السباق المحموم علي هذا المنصب الرفيع وحتي يعلم كل من يرغب فيه أنه أمام مسئوليات جسام ومهام عظيمة وأنه ليس مجرد منصب شرفي. هذا هو ما يجب أن نشغل أنفسنا به جميعا خلال الأسابيع القادمة حتي نعد بناء ديمقراطيا سليما ومشرفا يليق بمصر وعظمتها وتاريخها ومستقبل الأجيال القادمة من أبنائها خاصة أن لدينا نماذج كثيرة من خيرة علمائنا وخبراء القانون وفقهاء الدساتير علي المستوي العالمي. ويتصور هؤلاء المتشنجون المطالبون بضرورة نقل السلطة »فورا« إلي رئيس مدني أن ذلك هو طريق النجاة الذي سوف يحل كل المشاكل في هذا البلد وينسون أن لا رئيس مدنيا ولا عسكريا ولا حتي ملاكا من السماء سوف يستطيع حكم هذا البلد في ظل هذه الأجواء المشحونة والصراعات المحمومة بين مختلف طوائف المجتمع والتخوين المتبادل وحرص البعض علي تغليب مصالحهم الخاصة علي المصلحة العليا للوطن وعدم الوعي بأهمية سيادة القانون وضرورة تفعيله علي الجميع ليكون حكما رادعا علي كل الأطراف والأفراد. وليعلم الجميع أنه بدون الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي لن يكون هناك تنمية ولا رخاء ولا حتي عدالة اجتماعية ولنعي جيدا أن الأمن هو مسئوليتنا جميعا وليس مسئولية الأجهزة الأمنية وحدها.