في اليوم العاشر من أيام ثورة 25 يناير أصبح المشهد في مصر ينبئ بكتابة كلمة النهاية لنظام مبارك الفاسد ، كانت وسائل الإعلام العالمية تحاول أن تفوز بلقاء مع الرئيس المخلوع مبارك، اختار هو وبإرادته الكاملة قناة "ايه بي سي الأمريكية" لعمل حوار معها في 3 فبراير قال فيه إنه يرغب في ترك الحكم ولكنه يخشي من الفوضي وأنه مستاء من مظاهر العنف، وفي يوم 4 فبراير نشر الموقع الإلكتروني لشبكة ايه بي سي نيوز تقريرا حول ثروة مبارك وقدرها بما يتراوح بين 40 إلي 70 مليار دولار موضحا أنه تم جمعها بصفه أساسيه من عقود التسليح، ونقل الموقع عن أماني جمال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بريستون قولها "إن معظم الأصول التي يمتلكها مبارك توجد في انجلترا وسويسرا. في نفس التقرير قال "كريستوفر ديفيد سون" أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام بإنجلترا "إن مبارك وزوجته وابنيه استطاعوا تجميع ثروتهم عن طريق عدد من الشراكات التجارية مع الأجانب " وقال ديفيد سون " إن الأرقام الخاصة بثروة أسرة مبارك مقسمة إلي 17 مليارا لمبارك نفسه و10 لابنه الثاني جمال و40 مليار للأسرة" ونبه إلي أنها مجرد تقديرات. في نفس يوم نشر التقرير خرجت الجماهير وهي تهتف بخلع مبارك وترفع لافتات تتحدث عن ثروته وعن فقر المصريين . في 7 فبراير 2011 نشأت فكرة إنشاء المجموعة المصرية خلال أسبوع التحدي لاسترداد ثروة مصر وأعلن عنها وقتها الأمين العام للمجموعة د.محمد محسوب ومعه د.حسام عيسي ود.فؤاد رياض والمستشار علاء قطب وغيرهم من رجال القانون وعدد من الفنانين ونجحت المجموعة بمساعدة المصريين في الخارج وبعض المسئولين من بعض الدول التي يهمها ألا تتهم بالتستر علي جريمة نهب أموال المصريين من أن تقوم فرنسا بقرار تجميد أموال المسئولين المصريين المتهمين بالفساد أو التابعين لنظام مبارك واتخذ قرار التجميد في 14 فبراير 2011 ونجحت المجموعة في جمع ما يقرب من 600 مستند تؤكد علي سرقة أموال مصر هذا إلي جانب نجاح المجموعة في الكشف عن وجود أرصدة لمبارك ورموزه بلغت 450 مليون فرنك سويسري إلي جانب حسابات في لندن وقبرص . كانت المطالب وقتها شديدة الوهج وكانت مساحة التفاؤل هائلة فمبارك قد تم خلعه ونظامه تهاوي وأموال مصر المنهوبة تحتاج لمن يطالب بها ، وأبدي العديد من الدول بفعل الانبهار بالثورة المصرية استعدادها لرد الأموال والكشف عنها بعد تشكيل اللجان المتخصصة ، ومع الوقت وخروج مبارك إلي شرم الشيخ والشهور التي فصلت مابين إقامته في شرم وتقديمه للمحاكمة بدأ كثير من خيوط هذه الثروات يختفي مع الوقت إلي جانب ما تردد عن خروج زوارق من محل إقامة المخلوع في شرم محملة بالأموال والذهب واختباء كثير من الثروات بين حسابات واستثمارات بعض الأمراء المحبين لمبارك وأبنائه وما قيل عن تردد سوزان ثابت علي قصرها بالعروبة بعد التنحي وخروجها بعدد من الصناديق المغلقة واحتفاظها بكل مجوهراتها التي يصل تقديرها إلي حوالي 50 مليونا لا يعرف أحد من أين أتت بها ولم تتعرض للحظة واحدة من مجرد الشعور بالخوف من مصادرتها كما حدث مثلا مع أمراء العائلة المالكة بعد ثورة 52 في مصر وتم مصادرة مجوهرات العائلة وهي نفس الثورة التي بسببها كان مبارك بعدها بسنوات حاكما لمصر ولكنه نجا ومعه أسرته حتي الآن من خسارة كل ما جمعوه من الشعب المصري الذي بسببه حمل لقب أفقر شعب به أغني رجال في العالم. ما كان يحلم به المصريون من استرداد أموالهم المنهوبة لحل مشكلات البطالة لم يكن سوي وهم كبير فلم يضع أحد في الاعتبار وجود متواطئين مهمتهم إخفاء آثار ألاعيب مبارك، فالطرف الثالث المسؤول عن قتل المتظاهرين يبدو أنه هو نفسه الذي يتولي عملية إخفاء أموال مبارك ونظامه البائد. وبحسب بعض التقديرات وصلت البطالة إلي مستويات مرتفعة فنسبة عدد الشباب تحت سن 25 تبلغ 52٪ من عدد تبلغ نسبة البطالة بينهم 25 ٪ هذا بجانب الفقراء في مصر وسكان العشوائيات الذين لم تصل إليهم الثورة حتي الآن حتي ولو بالوعد ووضع خطة ما لتحسين أحوالهم وفكرة استرداد الأموال المنهوبة من الطغاة هي فكرة ليست خرافية ونجحت بعض الشعوب التي أزاحت الطغاة في تحقيقها والفرق الوحيد بيننا وبينهم أن الثورة والمسئولين عليها نفذوا بالفعل ووضعوا فكرة استرداد أموالهم المنهوبة في المقام الأول فدولة مثل إيران تحملت أهوالا لاسترداد ما نهبه الشاه من أموالها والذي بلغ في وقته 24 مليار، استردت منه 17 مليارا في وقت قصير نسبيا واستمرت مطالبتهم بالباقي ، كما أن شيلي والأرجنتين استردتا ما كان الديكتاتور بونشيه والحكام العسكر قد نهبوه من أموال، فالأمر ممكن وكل ما يحتاج إليه هو توافر الإرادة الحقيقية لدي المسئولين للمطالبة بالأموال المنهوبة. ولكن لماذا تأخرت المطالبة بها ؟ وجهت سؤالي للدكتور محمد محسوب عميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية أمين المجموعة المصرية لاسترداد أموال مصر وهي مجموعة أهلية بدأت عملها في يوم 7 فبراير أثناء الثورة ورد قائلا: هذا السؤال يوجه للحكومة المصرية فنحن كمجموعة قمنا بجهود من أجل الكشف عن الأموال واستردادها فقمنا بمخاطبة الدول بشكل مباشر من أجل تجميد أموال المسئولين السابقين وطلبنا من القانونيين والمصرفيين المصريين في الخارج الكشف عن أرصدة مبارك ومساعدتنا في تتبعها قبل وبعد الثورة واستقبلنا بالفعل كمية هائلة من المستندات يتم التحقق منها وكان من بينها وثيقة تزعم قيام مبارك بإيداع كمية من معدن البلاتنيوم الخام الذي يدخل في صناعة الذهب الأبيض قدرتها وثيقة البنك السويسري ب14 مليارا و900 مليون دولار ، كما أن هناك وثيقة أخري يجب التحقق منها من تلقي مصر لقرض من أمريكا بقيمة 2 مليار دولار اختفي من قوائم البنوك المحول عليها بين الأعوام 2007 و2009.. كما توجد وثيقة تزعم تحويل مبارك لمبلغ 620 مليار دولار إلي "بيتر سكويرز" ربما من أمواله وأموال بعض القادة العرب وهناك معلومات أخري تؤكد وجود عقارات وأملاك هائلة لعائلة مبارك في ألمانيا تديرها شركة عقارات فرنسية من بينها مبني مؤجر لوزارة الخارجية الألمانية ومبني آخر في مقاطعة بريمن . وكان أغرب ما كشفت عنه.. المجموعة هو الشخص الوهمي " ناجي جورج شحاتة الذي اعتمدت عليه أسرة مبارك في نقل أموال الأسرة بعد أن صدر له جواز سفر سليم ومسجل وهو يقوم بنقل الأموال من بنك إلي آخر وكانت آخر عملية له تحت هذا الاسم هي تحويل 5مليارات دولار من بنك إلي آخر حتي استقر المبلغ في أحد البنوك الهولندية وكشفنا عن قيام حسين سالم لمبلغ 500 مليون دولار أثناء الثورة وهو ما قال به مؤخرا الأستاذ "هيكل" عن قيام حسين سالم بالخروج بعدة صناديق تحتوي علي 450 مليون يورو بطائرته من شرم الشيخ وتوجه بها إلي أبو ظبي ومنها إلي أسبانيا. . وفي ملفات الفساد في الداخل تم الكشف عن تقسيم مشروع غرب خليج السويس بين خمسة من رجال الأعمال بواقع 20 مليون متر لكل واحد منهم بسعر 5 جنيهات للمتر والدفع بالتقسيط المريح ، إلي جانب بيع 3130 فدان أرض مستصلحة من مشروع الخطارة بالصالحية إلي آل نهيان. كل هذا وغيره كثير لم تلتفت إليه الحكومات المتعاقبة منذ الثورة وحتي الآن لاتخاذ خطوات رسمية وفعالة وجادة من أجل استرداد الأموال المنهوبة داخل وخارج مصر وكان الأمل الوحيد في البرلمان الذي أصابنا هو أيضا بخيبة أمل ومنذ البداية فقد قمنا بتقديم مشروع قانون متكامل للمجلس من أجل استرداد الأموال المنهوبة عن طريق النائب عصام سلطان ويضم المشروع معلومات كاملة عن كيفية هروب الأموال وتوقيتات خروجها وكيفية استردادها بواسطة رجال متخصصين في القانون والبنوك والمصارف ودبلوماسيين وغيرهم وفوجئنا بأن المجلس يطلب لجنة تقصي حقائق للتحقق من هل هناك أموال مهربة أم لا ؟ وهو أمر يثير الاستياء فنحن لسنا في مرحلة تقصي حقائق وبذلك فنحن نبعث برسالة خاطئة إلي الغرب والعالم الخارجي من أجل إضاعة جديدة للوقت ، فالإجراء الحقيقي كان لابد أن يكون تشكيل لجنة متخصصة تمنح اختصاصات ولها الحق في الكشف عن كل التحويلات التي تمت ولهم الحق في تتبع كافة المستندات وحسابات البنوك للمسئولين السابقين وكل تحركات أموالهم ومتابعتها في الخارج ولكن للأسف الشديد تحول الأمر إلي لجنة ستبدأ في التقصي وليس العمل بالفعل علي استرداد الأموال المنهوبة. لم يقتصر أمر الحديث عن الأموال المهربة علي الدكتور محسوب ولكن بجانب البلاغات التي قدمت للنائب العام يقدر الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق حجم الأموال التي تم تهريبها من مصر في عهد مبارك بحوالي 500 مليار دولار وهي أموال متعلقة بأعداد قليلة مرتبطة بمبارك وعائلته ورغم ذلك هي أقل بكثير من الأموال التي تم تهريبها وجري امتلاكها من جانب هؤلاء الأشخاص ، فقد كان هناك 2000 شخص في عهد مبارك يمتلكون ما يقرب من 24٪ من الدخل القومي من رجال مال وأعمال وتجار سلاح نهاية بالأموال التي هربها حسين سالم ، وأسهل هذه الأموال والتي يتم التعامل معها ببساطة هي الأموال الموجودة في الودائع المصرفية عن طريق اتفاق الحكومة مع الدول الخارجية عن طريق الإجراءات الوقائية أو الاحترازية التي تتخذها كل البنوك بطلب من السلطات المعنية ، ولكن معظم ثروات النظام السابق غاطسة في مشروعات مع مشايخ وأمراء وشخصيات متعددة الجنسيات في أسهم وسندات وشركات تقوم بعمليات الاستثمارات دون الإعلان عن أسماء أصحابها الفعليين وبالتالي جزء كبير من هذه الثروات سيحتاج إلي جهد كبير لاستعادتها ، ولذلك لابد من العمل علي عدة محاور لاستعادة هذه الأموال. المحور الأول قضائي وقانوني فجميع البلاغات التي تقدم بها المواطنون لوجود شبهات استيلاء علي المال العام يجب أن تحال إلي الجهاز المركزي للمحاسبات ويصدر مرسوم بقانون عاجل لتلقي الشكاوي والاستعانة بالأجهزة الرقابية المعاونة مثل هيئة الرقابة الإدارية بعد تطهيرها وبخاصة أن هناك ما لايقل عن 120 ضابطاً من هيئة الرقابة الإدارية حصلوا علي أراض من قبل محمد إبراهيم سليمان ولابد من التحقيق في أحقيتهم في الحصول علي هذه الأراضي مثل باقي المواطنين، كما يجب أن يدعم الجهاز المركزي للمحاسبات بقيادة قوية تقوم بتحضير ملفات الفساد وبإحالتها للقضاء وبمجرد الحصول علي أحكام الإدانة يجري مخاطبة جميع الجهات الدولية من البنوك والشركات وكل الهيئات القضائية في جميع دول العالم لوضع الأموال والأصول الخاصة لهؤلاء الأشخاص وفقاً للاتفاقية الأوروبية لمكافحة الرشاوي والفساد الموقعة بالاتحاد الأوروبي ويتم وضع هذه الأصول والحسابات تحت الحراسة حتي تستكمل الإجراءات المتعلقة باسترداد الأموال. أما المحور السياسي فلابد أن يقوم بضغوط سياسية أكثر قوة حتي تعلم أي دولة تحاول إخفاء هذه الأموال أنها سوف تتعرض لمشكلات مع الحكومة المصرية وسوف تضار مصالحها وهو أمر متعارف عليه ولابد أن تعود مصر لدورها فمصر دولة قوية جري سلب قوتها في عهد مبارك وعلي الشباب أيضاً دور هام عن طريق استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع كل منظمات المجتمع المدني في العالم كله لتشكيل قوة ضاغطة لمساندة المطلب المصري في استرداد الأموال عن طريق التعاون الدولي. ويجب علي الحكومة والبرلمان في الفترة القادمة رد الاعتبار للجهاز المركزي للمحاسبات من خلال تعديل القوانين فالجهاز سلطة مستقلة عن رئيس الجمهورية ومجلس الشعب ويجب النظر في تعيين قياداته ويجري انتخاب رئيسه من داخله حتي يستقل هذا الجهاز عن السلطة الحاكمة. فهناك ما يقرب من 20 بلاغا تم تقديمها ضد جودت الملط وسياسته في الجهاز المركزي للمحاسبات ويتم اتهامه فيها بتستره علي الفساد وتلاعبه وإخفاء التقارير الصحيحة إلي جانب إشاداته المتكررة بالرئيس مبارك باعتباره حصن الفقراء ومحدودي الدخل. ولا يمكن أن نغفل دور البورصة في تهريب الأموال أثناء النظام السابق فحجم الأموال المقدرة حتي الآن والتي تم تهريبها عن طريق البورصة تتجاوز 4 مليارات دولار ولابد من تعديل قانون البورصة وسوق الأوراق المالية حتي لا تتكرر هذه المأساة. كل هذه المطالبات اصطدمت بقرار البرلمان تشكيل لجنة تقصي حقائق، وهو ما يجعلنا كل يوم نفاجأ بصدمة جديدة من مجلس الشعب الذي من المفترض أنه برلمان الثورة ويعبر عن مطالبها.