في خطوة مهمة لتكريم شهداء ثورة يناير وإحصاء عددهم بدقة وتوزيعهم جغرافيا حسب المحافظة التي ينتمي إليها كل شهيد أصدر مركز النيل للدراسة الاقتصادية والاستراتيجية والخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق دراسة في كتاب بعنوان »التحليل الاجتماعي والجغرافي لشهداء الثورة المصرية ودلالاته«.. ويذكر المؤلف في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان » الشهداء« أنه وسط حركة جميع ملايين الشباب والمواطنين ، التي تزاحمت في معظم المدن والمحافظات المصرية ، تنطلق كفيضان هادر تأخر كثيرا علي مجري نهر الحياة بحيث بدا وكأنه قد فقد مخره، وجفت أعماقه ، وتاهت في الزحام ملامح من صنعوا الحدث وتصدروا المشهد بالصدر العاري واللحم الحي يستقبلون بشغف أزيز الرصاص الحارق والخارق للجسد والروح. وفي فترة الريبة تلك ، عادة ما تقفز وجوه إلي المشهد الإعلامي والإعلاني محاولة أن تحتل كامل الصورة ، خاطفة للأضواء وكاميرات التصوير . هكذا هي عادة خبرة الثورات الكبري ، يصنعها المخلصون ، ويموت في سبيلها المناضلون ، ويخطف بريقها ورحيقها الانتهازيون والمدعون . ومن هنا جاءت أهمية إجراء هذا التحليل الاجتماعي والجغرافي في لباقة من هم شهداء ثورة 25 يناير المجيدة في مصر ، كمحاولة أولية لتقديم بعض الإجابات الموضوعية لأسئلة تاريخية. ويقدم فصل الشهداء من كتاب التحليل الاجتماعي والجغرافي لشهداء الثورة المصرية ودلالاته الإجابة عن العديد من الأسئلة من قبيل من هؤلاء الذين قاموا بتقدم صفوف الثوار في 25 يناير والأيام التي أعقبتها حتي قدر لها الانتصار الجزئي في الحادي عشر من فبراير ، ومن أين أتوا ومن أي فئات اجتماعية بزغوا، وما هي حظوظهم من التعليم والثقافة، ومن أي الأحياء انتفضوا داخل المدن المصرية، كما تجيب علي سؤال أي من المحافظات التي أسهمت أكثر من غيرها في شرف الثورة المصرية ، وداخل هذه المحافظات أي تلك الأحياء التي لعب أبناؤها دورا أساسيا ودفعوا من ضريبة الدم الكثير. وأشار د. عبدالخالق فاروق من خلال الكتاب إلي أنه علي الرغم من أن هذا الجزء الأول من الكتاب "كتاب الثورة" لا يشمل كل شهداء الموجة الأولي من الثورة المصرية (25 يناير- 11 فبراير) البالغ عددهم الرسمي حوالي 850 شهيدا من مختلف المدن والمحافظات المصرية فإن هذا الجزء بما يضمه من 400 شهيد يساعدنا في تلمس الخطوات الأولي نحو تحليل كامل ومتكامل لهذه الإجابات الحيوية التي من خلالها وحدها نستطيع أن نضع كلا في مكانه من أحداث هذه الثورة الملهمة وان كنا نعلم أن استكمال الثورة يحتاج إلي عنصر إضافي وهو تحليل مصابي الثورة المصرية في كافة المحافظات، وهو التحليل الضروري من أجل التعرف بدقة أكثر علي حجم بركان الغضب في هذه المحافظات والمدن المصرية وكذا علي مقدار العنف الإجرامي الذي واجهت به قوي أمن النظام الحاكم وقتئذ - مظاهرات الغضب. يشتمل هذا الجزء علي نصف عدد شهداء الثورة المصرية في موجتها الأولي حتي الآن وهو 850 شهيدا، ويكشف التحليل الأولي لتوزيع الشهداء علي المحافظات المصرية كثافة حركة الثورة ، ومقدار العنف الإجرامي لأجهزة الأمن ووزارة الداخلية بقيادة حبيب العادلي أثناء التصدي للمظاهرات السلمية للشباب وهنا ثار جدال قانوني وإعلامي غذته بعض أجهزة وزارة الداخلية بعد الثورة وبعض المرتبطين بدوائرها حول شهداء ما يسمي(أقسام الشرطة) وأمام ( المراكز الأمنية) باعتبار هؤلاء خارجين عن القانون وأن أفراد الشرطة من ضباط وأمناء وأفراد كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس تستلزمه حالة الهجوم علي هذه المقرات الأمنية . وبرغم ما يبدو علي هذه المقولات من منطقية من الناحية القانونية المجردة وحسب فإن هذه المقولات تسقط بالمعني السياسي وبمنطق الثورات من اللحظة الأولي ولا تعتمد أمام أي نقاش علمي رصين وذلك لعدة أسباب. كما ذكرها الكتاب التي أولها أنه وإذا كان هؤلاء المتقولون ورجال النظام الحالي يقرون ويعترفون بأن ما جري في 25 يناير عام 2011 هو ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معني فإن هذا الفعل في حد ذاته المظاهرات السلمية في الشوارع- تمثل خروجا عن القانون بالمعني القانوني المجرد لأنها مظاهرات لم يكن هناك تصريح بها من الجهات الأمنية بصرف النظر عن أن هذه الجهات التي لا تمنح هذه التصاريح في الأساس. والثاني بالتبعية فإن مقاومة سلطات الضبط (ضباط وقوات مكافحة الشغب وغيرهم) من جانب المتظاهرين هو أيضا عمل من أعمال الخروج عن القانون، والثالث لأن اقسام الشرطة والمراكز الأمنية كانت قد تحولت خلال ال 50 عاما الماضية إلي مجرد أوكار لجهاز أمن خرج عن نطاق القانون في معظم أعماله من جراء افعال التعذيب والتنكيل بالمواطنين وتلفيق الاتهامات والتحيز لصالح رجال الاعمال والأغنياء والدفاع عن مصالحهم مقابل التنكيل بالفقراء الذين أوقعهم حظهم العاثر تحت قبضة رجال أقسام الشرطة وأفراد المباحث الجنائية بهذه الأقسام ، وعمليات الابتزاز والفساد المصاحبة لأعمال رجال الشرطة من ضباط وأمناء وأفراد والرشاوي وغيرها فقد استقر في العقل الجمعي والضمير الوطني أن هذه المراكز الأمنية ليست أمينة علي القانون وتطبيقه بلي هي أداة تنكيل وتعذيب وخروج عن القانون ومن ثم أصبحت هدفا مشروعا للغضب الثوري وهي حالة متكررة في كل الثورات الشعبية وبدونها لا يكلل النجاح لأي ثورة من هذا النوع ، والسبب الرابع أن شهداء مقرات أقسام الشرطة والمراكز الأمنية سواء كان من غير ذوي الصحائف الجنائية أو من ذوي السوابق فإن هؤلاء جميعا من الشهداء ومن أنبل شهداء الثورة المصرية وكل الثورات عموما لأن العبرة هنا هي بالدور التاريخي الذي يؤديه هذا الشخص ، الذي هو بمقاييس الثورات التي اعترفنا جميعا بانها ثورة وليس مجرد شغب أو فوضي من يقوم بعمل تقدمي وعمل تحرري وعمل ثوري للتخلص من نظام فاسد ومستبد وعميل وبالتالي فإن هذا النظام كان يعتمد في بقائه واستمراره علي أجهزة أمنية وليست شعبيته أو مشروعته السياسية أو الدستورية أو الأخلاقية ومن ثم يصبح تشتيت قوي جهاز الأمن هو أحد المهام الثورية بامتياز ومن يقوم بهذه المهمة التاريخية التي دونها لن تنجح الثورة هم أكثر الثوار جرأة وشجاعة. ويوضح هذا الفصل من الكتاب الملامح الأولية للتوزيع الجغرافي لشهداء الثورة المصرية وفقا للمحافظات ويتضح من خلال ذلك أن عدد شهداء القاهرة 159 شهيداً ، والإسكندرية 91 والسويس 33 والجيزة 30 وبني سويف 13 والغربية 16بور سعيد 9 والشرقية والدقهلية 6 شهداء ، والإسماعيلية 4، قنا 3، وسيناء 2، وسقط من كل من المنيا والبحيرة شهيد، ودمياط 2، كما يوجد 32 شهيداً لم يعرف بعد إلي أي المحافظات ينتمون، وضع هذا التوزيع الجغرافي وفقا لبعض الدلالات السياسية والاجتماعية منها أن العدد الأكبر من الشهداء يشير إلي المشاركة المكثفة لسكان المحافظات في الثورة المصرية طوال الثمانية عشر يوما من عمر الحدث وبالأخص أيام الغضب الكبري (28 ينايرويومي 2 و3 فبراير) ، كما أن سقوط هذا العدد الكبير في محافظة القاهرة والإسكندرية والسويس والجيزة يشير من جانب آخر إلي قسوة وعنف ودموية قادة أجهزة الشرطة والأمن الذين تولوا مسئولية التصدي لهذه المظاهرات السلمية وأصدروا الأوامر بإطلاق النيران علي المتظاهرين وهو ما يرتب مسئولية جنائية وسياسية علي عاتق هذه القيادات دون غيرها، وإذا تم إضافة قوائم المصابين إلي قوائم الشهداء الذين تجاوز عددهم عشرة آلاف مصاب معظمهم إصابتهم قاسية (عيون شلل - بتر اطراف) فإن الثورة تبدو أكثر وضوحا بشأن كثافة النشاط الثوري في هذه المحافظة أو تلك . وشراسة المواجهات بين الثوار وجهاز الأمن الإجرامي في بعض تلك المحافظات. وأشار إلي أن توزيع شهداء القاهرة حسب الدوائر والأقسام فيأتي نصيب الزاوية الحمراء 37 شهيدا، المطرية 29 وحدائق القبة 25 شهيدا، ودار السلام والمعادي 14 شهيدا، المرج 8 شهداء، السيدة زينب 7 شهداء، والأميرية ومدينة السلام لكل منهم 3 شهداء، وعين شمس 2 من الشهداء، وشهيد من الوايلي، وشهيدين لكل من احياء روض الفرج وحلوان والشرابية ومدينة نصر وعابدين، والخليفة ومنشية ناصر ومصر الجديدة شهيد من كل منطقة. هذا التوزيع تداخل فيه عنصران بحيث امتزجا معا وصعب في الكثير من الأحيان التمييز بينهما هما أولا محل إقامة الشهيد وثانيا محل واقعة الاستشهاد ذاتها أي المكان الذي تلقي فيه رصاصة الغدر (ميدان التحرير أو في غيرها من المواقع ) وإن كان هناك مؤشرات تشير إلي أن معظم شهداء حي المرج والمطرية والزاوية الحمراء وحدائق القبه قد سقطوا أمام أقسام الشرطة والمقرات الأمنية الموجودة في أماكن محل إقامتهم. ويوضح الكتاب توزيع شهداء الثورة المصرية حسب الديانة ، القاهرة سقط منها 149 شهيدا مسلماً و4 شهداء مسيحيين ، والإسكندرية 89 شهيدا مسلما و2 من الشهداء مسيحيين، والسويس 32 شهيدا مسلما، ومحافظة الجيزة 23 شهيدا مسلما و3 شهداء مسيحيين، وبني سويف 16 شهيدا مسلما وشهيد مسيحي، والغربية 16 شهيدا مسلما ، والقليوبية 11 شهيدا مسلما و2 من الشهداء مسيحيين، وبورسعيد 9 شهداء مسلمين وسقط بالشرقية 6 شهداء مسلمين والدقهلية أيضا سقط بها 6 شهداء مسلمين، والإسماعلية 4 شهداء مسلمين وقنا 3 شهداء مسلمين، وسقط في كل من شمال سينا والمنوفية ودمياط 2 من الشهداء مسلمين في كل محافظة منهم كما سقط في البحيرة شهيد مسلم، وفي محافظات أخري سقط 27 شهيدا مسلما وشهيد مسيحي، أي أن إجمالي عدد الشهداء المسلمين 399 شهيدا بنسبة 96.9٪ 13 شهيدا مسيحياً بنسبة 3.1٪ وإجمالي عدد الشهداء مسلمين ومسيحيين بتلك المحافظات 412 شهيدا .