تجهيل الشعب! أكثر جرائم نظام مبارك بشاعة.. فتلك الآلية الرهيبة المعتمدة علي تسجيد وتطويع الأغلبية المسحوقة بالفقر والعتامة الفكرية.. هي التي أطالت عمر ذلك النظام الذي تصور البعض في مستهل عهد مبارك، أن هذا الرجل المبرمج علي تنفيذ أوامر رؤسائه، لن يطمع في البقاء كرئيس للجمهورية سوي مدة رئاسية واحدة كما كان يزعم!! لكن عقله الذي بدا سطحيا وساذجا إلي حد البلاهة الإنسانية في كثير من الأحيان، قد تطور في سياق إدمان السلطة والتفاني المستميت من أجل التأبد فيها بألاعيب داهية، يفندها ويحللها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه الجديد عن مبارك وعصره والذي تنشر فصوله الشيقة جريدة الشروق.. أما تجهيل الشعب كما ذكرت سالفا، فقد كان الوسيلة التي حصنت عرش مبارك وجنبته غضب الأغلبية المغيبة عن الوعي، المستضعفة بالفقر والعوز والأمراض التي تمكنت من الأجساد الواهنة وامتدت بفعل سوء التغذية إلي أجيال عليلة.. هؤلاء هم سكان العشوائيات والكفور النائية والطبقة الدنيا المعتلة.. وقد كان أجدادهم في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يتمتعون بعناية الدولة وانتباه المسئولين لضرورة محاربة: الفقر والجهل والمرض، وهي الآفات التي أسس ضدها جمال عبدالناصر مشاريع المساكن الشعبية والمدارس الحكومية التي تعلمت فيها أفضل عقول مصرية مثل د.أحمد زويل وغيره، وأما مكافحة المرض فشيدت لأجله الوحدات الصحية المنتشرة وقتها في سائر ربوع مصر، والتي تحولت لأطلال خربة الآن!! وفي زمن الرئيس السادات، كان التخلي عن الطبقة الدنيا يتضح بالتدريج.. وعندما أعلن الناس سخطهم من الغلاء في انتفاضة يناير 7791 أسماها السادات انتفاضة الحرامية والحاقدين!! وبتوالي السنين، تجردت السلطة من مؤازرة وتطوير أهل القاع المقبورين بالعتامة العقلية، والجهل التام وقد تركوهم للانصياع الأعمي وراء دعوات المتأسلمين والمتشددين الذين دأبوا طوال حقبة الثمانينات وإلي الآن علي استقطابهم بالصدقات والهبات والمعونات حتي أصبح انتماؤهم التلقائي لأدعياء الدين، دونما النظر إلي نواياهم الجهنمية الطامحة إلي الوصول للحكم بتأييد الأغلبية المطحونة بالفقر، والذين يملكون بطاقات انتخابية دون أي وعي ولامعرفة لا بالسياسة ولا بالانتخابات ولا حتي بالثورة من أساسه!! وهو الجهل الذي انتفعت به التيارات والجماعات المتأسلمة!! وهنا أستعير تصريحا مذهلا للنائب عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط وعضو مجلس الشعب عن دمياط، وكان تصريحه هذا قد نشر بالصفحة الثالثة لجريدة المصري اليوم بتاريخ الاثنين 21 ديسمبر 1102 حيث قال بالحرف: »هناك إسلاميون جمعوا الزكاة لحساب الفقراء وحصلوا علي أصواتهم مقابل الزيت والأرز«!! وأضاف: »نحن لانملك الحديث بسلطة الله فنحن بشر، ومن حق الكل أن يتفق معنا أو يختلف، واختلافك مع الشخص وليس مع الدين، ولا مع الله، وعندما كنا نتبع الإخوان المسلمين، كنا نشعر بحرج، فكيف ندعو الناس للهداية والتقوي وننهاهم عن المنكر، وفي نهاية الحديث ندعوهم لانتخاب فلان وعلان!!!!«. واستثمارا للجهل العام، توالت في الانتخابات البرلمانية السابقة التجاوزات الدعائية وتوجيه الناخبين إلي اختيار المرشحين »بتوع ربنا« ونبذ »الحزب الصليبي«! وما شابه ذلك من دعاية متدنية لا تنتمي للإسلام ولا لأخلاقياته الرفيعة، وبالتالي فإن الجهات القضائية تنظر في مئات الطعون التي ستحسم الألاعيب الانتخابية الأخيرة، وعلي حد قول المحامي والناشط السياسي المحترم مختار نوح في أحد البرامج التليفزيونية عن ألاعيب الإسلام السياسي في الانتخابات، فقد تم برأيه تسويد العقول قبل تسويد بطاقات الانتخاب، وهو مايتعارض مع الممارسة الديمقراطية وقد سبق ذلك مهزلة الاستفتاء الدستوري الذي شهد حشد الناس بادعاء هزلي أن من يقول » لا« يدخل النار ومن يقول »نعم« فهو من أهل الإسلام والجنة!!! فالوعي الديمقراطي لايزال منقوصا نتيجة غياب الوعي السياسي والفكري وحتي الوعي الديني الناضج المستنير فهو مغيب عمدا بفعل هيمنة التيار الديني المتشدد واستغلاله لسذاجة العوام وهم كثر تماما مثلما كان مبارك وحزبه ورجاله يفعلون.. لكن فداحة الأمر الآن أنه يتم باستغلال رضا الله تعالي ورسوله [!! ❊ ❊ ❊ »خونة.. خونة.. خونة«!!! هكذا زأر وزفر وهدد وتوعد.. تماما مثل »الله يرحمه« كمال الشاذلي أيام مجده في الحزب الوطني!!! والذي فعل كل هذا هو المهندس عاصم عبدالماجد المتحدث الإعلامي باسم حزب البناء والتنمية في برنامج الحقيقة (صوتيا علي الهاتف) مع مقدمه الكاتب الصحفي وائل الإبراشي!!! أما الخونة فهم شباب الثورة الشجعان الأوفياء الأتقياء الناصعون من حركة كفاية و6 إبريل وغيرهما.. الذين توجهوا إلي مجلس الشعب يوم 13 يناير الماضي ليقدموا مطالبهم إلي نوابه، والتي هي مطالب الثورة، فوجدوا دروعا بشرية من شباب الإخوان تمنعهم من دخول المجلس!! وبقية الحدث معروف.. لكن رد فعل المهندس عبدالماجد هو ما ينبئ عن سلوك مطابق لأعضاء حزب مبارك الساقط، الذين دأبوا علي تخوين كل من يخالفهم الرأي!!! هذا هو الاستبداد الذي حذرنا منه المفكر الكبير عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الأهم »طبائع الاستبداد«.. والذي لن أمل من التذكير به كلما داهمنا المتأسلمون باستبدادهم المروع.. فقد أكد الكواكبي أن الحكم الاستبدادي باسم الله والدين هو أسوأ أنواع الاستبداد علي الإطلاق!! وهو الاستبداد المبرر بقوة وسلطة الله سبحانه وتعالي والذي يسهل معه التخوين والتكفير والبطش والتصفية!!! ❊ ❊ ❊ أكد تقرير حقوق الإنسان الصادر مؤخرا عن وقائع شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو في نهاية العام الماضي أنها الأعنف منذ قيام ثورة 52 يناير 1102، وتنافسها بالتأكيد كارثة بورسعيد الأخيرة!! أبشروا أيها الفلول.. كفاحكم مثمر!!