الحياة فى العشوائيات فليس من الدين قطع أذن أهل الكتاب المسيحيين! ولا هدم أضرحة أولياء الله الصالحين!! ولا تدمير وحرق الكنائس!! ولا معاقبة الجار علي عدم أداء الصلاة داخل الجامع بالضرب والتشويه! خلف عفريت الفقر اللعين، تكمن كل الخطايا السياسية الشرسة، فانتهاك الأقوياء لحقوق المعدمين يتم وفق تطويع الفقر والعوز، لتوجيه الدفة نحو تكريس الهيمنة، بالاحتياج الدائم من الفقراء والمنح المحسوب من السلطة.. يعني ببساطة كان الحزب الوطني المنحل يحشد جماهيره من البسطاء والفقراء باستغلال وضعهم الاقتصادي المتدني ودعمهم ماديا بشروط انتهازية تستغل موقفهم الرديء لصنع أرضية شعبية زائفة له. ولم يقم هذا الحزب الدنيء يوما بأي خطط صحية لانتشال الشعب المسحوق من هوة الفقر الملعون، بل كانت خطط حكومات مبارك المتتالية تنكر علي الفقراء حقهم في الحياة باتباع سياسات اقتصادية كافرة، تملأ جيوب السادة والساسة الشرهين، وترفع معدل الفقر لتضيع الطبقة المتوسطة تماما وتذوب في بوتقة الفقر السائد، وتتفاعل مع الانتهازية السياسية للسلطة العليا بقبول العطاء المشروط. ولما كانت الكرامة وعزة النفس عصيتين علي الكثيرين في ظل الاحتياج الوحشي لأبجديات العيش، فقد انتشر الفساد بدرجات مختلفة بين طبقات الناس الكادحين.. ولم يستثن منه أحد، حتي بعض المتشحين برداء ومظهر التدين.. وكانت الشواهد فادحة وفاضحة للعيان في المصالح الحكومية حيث يعلن الموظف عن رغبته في الرشوة المقنعة تحت مسمي آخر هو »الشاي بتاعي« ! وذات مرة قبل عامين تقريبا طلبت موظفة بإدارة المرور في جهة ما مني أنا شخصيا ورقة مالية بمبلغ محترم (وكنا في شهر رمضان!!) ولما أعطيتها لها اعترضت بأن الورقة بالية، فقلت لها ببساطة وبلاهة إنها لن تضير خزينة المرور فردت بسفور داهم إن الورقة دي »الشاي بتاعها«.. كده رسمي!! وطبعا هذه المرأة هي عينة عشوائية لآلاف بل ملايين غيرها سحب الفقر دينهم وكرامتهم بغير رجعة! وهم بالتأكيد الصنف الذي حرصت الحكومة المباركية السفيهة علي إكثاره وإفقاره بسوء توزيع الثروة والدخل القومي حتي يسوقوهم كالقطيع بوجبة كنتاكي وصفيحة بيبس ليصوتوا لهم في الانتخابات المزورة! أو يجمعوهم في المناسبات الرئاسية ليصطفوا بوجوه خشبية تحية لموكب الرئيس الذي كان يربك الشوارع والطرقات ويصفع الساعين إلي مصالحهم وأشغالهم علي قفاهم الملتهب بالانتظار الإجباري لساعات طوال! حتي يتهادي الموكب الفرعوني نحو وجهته مصحوبا بزغاريد مصطنعة للمرتشيات الفاسدات من الطبقة المتوسطة الدنيا للموظفين، الذين يشاركونهن بالتصفيق والهتاف المقزز للرئيس الساذج الساقط الذي لايزال غير مصدق بأن الشعب أسقطه وأبغضه!! هكذا لعب الفقر دورا في حماية السياسة الفاسدة.. وهو الفقر الذي لايزال جاثما وآثما ومقرونا بالجهل الفادح.. و هنا تكمن الخطورة الراهنة، حيث استغلت بعض التيارات السياسية الإسلامية سيادة الفقر والجهل للتأثير المباشر بعد ثورة 52 يناير علي المشاركين في الاستفتاء الدستوري في شهر مارس الماضي.. وكلنا نعلم كيف انتشر الإسلاميون علي أبواب لجان الاستفتاء، خاصة التي تحتوي قوائم سخية للأميين والسذج، وقاموا بتوجيههم مباشرة لاختيار العلامة الخضراء، قرينة أهل الإسلام والابتعاد عن العلامة السوداء، صاحبة أهل الكفر والنار!! وطبعا يعرف الكثيرون أن المتأسلمين يمارسون أسلوبا مشابها للحزب الوطني من أول التخوين لإرهاب المخالفين، إلي إطعام الفقراء والمساكين لاستغلالهم في اللعبة الانتخابية المنتظرة قريبا.. عملا بالمثل الشعبي العبقري الذي يقول: »إطعم الفم تستحي العين«. فلن يجرؤ الفقراء الذين أكلوا من خيرهم أن يعصوهم أو يجادلوهم ساعة الحشد يوم الانتخابات ومعلوم للذين شهدوا الجمعة المثيرة بالتحرير يوم 92 يوليو الماضي، أن الحشد الاستعراضي للسلفيين لم يخل من تصرف لبيب جاء بالشباب البسطاء من الأقاليم والقري في أتوبيسات خاصة مدعومين بكلمة الله والإسلام ومايندرج تحتهما من وعود عاطفية مؤثرة ومحصنين بالطعام والشراب وربما المال لمن يحتاجه! فهؤلاء الشباب المحشودون من السادة كبراء المتأسلمين، هم ملح الأرض، ووقود حركاتهم السياسية الجهنمية القائمة بالطبع علي استغلال حاجة الفقراء لفرص الحياة والدعم المادي، متغاضين في سبيل ذلك عن إعمال العقل الذي حض عليه القرآن الكريم، وحاملين لافتات أسيادهم المغلوطة والأعلام المهينة المستبدلة للراية الأصيلة للوطن.. وبالتالي تكون التيارات المتأسلمة قد ورثت تركة الاستبداد السياسي من الحزب الوطني، لكنهم يستخدمون القانون الإلهي بتصرف لئيم.. فليس من الدين قطع أذن أهل الكتاب المسيحيين! ولا هدم أضرحة أولياء الله الصالحين!! ولا تدمير وحرق الكنائس!! ولا معاقبة الجار علي عدم أداء الصلاة داخل الجامع بالضرب والتشويه! وهو ما حدث في منطقة منشية ناصر منذ شهر تقريبا.. فالله تعالي يقول في كتابه الكريم »لا إكراه في الدين«.. لكن التشدد والتطرف يتجاهل السماحة الإلهية لصالح الغلو والمبالغة في المظهر والشعائر وردود الأفعال الغليظة والبدائية تجاه المختلفين.. وهو ما يدعم الأفكار العالمية الرائجة عن الإسلام السائد حاليا بأنه دين وحشي! يديره الإرهابيون المنغلقون علي رؤاهم وأفكارهم الفظة الغليظة »وَلَو كُنْتَ فَظَاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُوا مِنْ حَولِك« صدق الله العظيم.. وبعد المليونية السلفية الأخيرة، ظهرت الفزاعة الإسلامية كالصاعقة الاجتماعية، تجر البسطاء بعيون مغلقة إلي حتف الوطن، وتؤبن الحرية والديمقراطية التي لايؤمن السلفيون بها (ولطالما أعلنوا ذلك مرارا وعلنا علي اليوتيوب) .. أما التيارات السياسية الليبرالية التي تدعو للدولة المدنية التي تستوعب الجميع، فقد أعلنت أنها بصدد التجمع في ائتلاف موحد لمواجهة الهجمة السلفية المرعبة.. ولعل الذي يجب علي تلك التيارات المدنية أن تفعله فورا هو التوجه بالتوعية والتنوير نحو الفقراء والبسطاء، وإيجاد صيغة لاستقطابهم لأنهم القاعدة العريضة من الشعب. ولن يكون الأمر سهلا بالطبع، حيث عليهم مواجهة عفريت الفقر والجهل الذي يسيطر عليهم به تيار المتأسلمين.. والأمران في غاية الصعوبة، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وربما تحفزهم الاستنارة علي مقاومة الفقر بمنطق آدمي وكريم غير الخنوع والتسول، الذي شوههم به النظام البائد.. وتواصل تجريفهم بنفس المنطق الانتهازي للتيارات المتأسلمة الظلامية!! ❊❊❊ من أقوال الناس علي الفيسبوك: »عندما نحترم بعضنا البعض، سأعترف بأننا قمنا بثورة«