د.محمود زقزوق: الرسول أجري حوارا مع نصاري نجران قواسم مشتركة تجمع الإسلام والمسيحية أهمها قيم الرحمة والمودة والمحبة، والسعي نحو تحقيق العدالة لإنصاف الفقراء والمظلومين، خاصة في هذا العصر الجديد الذي تعيشه مصر بعد ثورة 52 يناير، وقد مضي علي قيامها عام كامل.. ومع حلول عيد الميلاد المجيد (والذي نحتفل به بعد أيام قليلة) يتكرر النداء علي أساس من الشراكة والحوار العقلاني علي لسان عقلاء الأمة ومفكريها مطالبين بنبذ استخدام العنف والتصدي لمشكلات مشتركة، ولتعزيز التفاهم الايجابي بين أتباع الأديان لإشاعة القيم الإنسانية النبيلة، فغايات الدين الإسلامي العظيم لا تتحقق أبدا بالإكراه، وما سمي بالحروب الدينية ماهي إلا نشاط سياسي، حتي ولو رفع أصحابها أعلام الدين واستظلوا بألويته وراياته!! اختلاف البشر في الثقافة والعرق والقومية والدين، هو الذي يجعل تربية الإنسان والارتقاء به أمرا ممكنا، هكذا يستهل المفكر الإسلامي الدكتور محمود حمدي زقزوق (وزير الأوقاف السابق) كلامه، وذلك لأن هذه الاختلافات العديدة من شأنها أن تتيح التنافس المثمر وتبادل الأفكار بين البشر، وإثراء الحياة الإنسانية. سر اختلاف الأديان وقد كان من الممكن أن يخلق الله سبحانه وتعالي أمة واحدة، وبالتالي حضارة واحدة، ولكن التسابق النشيط في الخيرات بين الجماعات الدينية والثقافية المختلفة هو الذي يتيح للبشر جني ثمار التربية والحضارة، ويقول القرآن الكريم في هذا الصدد: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) والإسلام هو أول دين دعا بصريح العبارة إلي الحوار الديني وإلي اتخاد موقف عادل تجاه أتباع الأديان الأخري، وعلي أساس أن الأديان السماوية كلها تدعو إلي عبادة الله وحده ونبذ الشرك، والسمات المشتركة الأساسية بين هذه الأديان تجعل الحوار الديني ممكنا! والتسامح الإيجابي أوسع من مجرد تحمل الآخر، حيث يعبر عن نفسه بالأفعال لا بمجرد الأقوال، وباختصار بالجهود التي تبذل من أجل السلوك العادل حيال الآخر! وقدوة المسلمين في ذلك هو النبي محمد [ فالنصوص التاريخية تبين أنه أجري حوارا مع نصاري »نجران« في مسجده بالمدينةالمنورة، وترجم [ مفهومه عن التعددية الدينية إلي واقع عندما جعل المدينةالمنورة مدينة ينعم فيها أهلها بكافة الحقوق بغض النظر عن أديانهم وانتماءاتهم. دستور المدينةالمنورة وبناء علي دستور المدينة الذي أصدره النبي [ بعد الهجرة إلي المدينةالمنورة، نعم الجميع بالمساواة بين الحقوق والواجبات، وتضمن هذا الدستور بصريح العبارة إشارة إلي اختلاف الأديان وحرية العقيدة وبخاصة فيما يتعلق بالعادات والتقاليد! والإسلام أقر حقوق أهل الكتاب والمعاهدين، هذا ما يؤكده العالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، مصداقا لقول رسول الله [: »أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ«، وإرساء لأسس التعاون والتواصل بين عنصري الأمة أحل الله طعامهم فقال: »وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ« كما شرع الزواج بالمرأة الكتابية، ولارابطة في الظواهر الاجتماعية أقوي من ذلك.. قال تعالي: »وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ«. التسامح وحسن المعاملة وإذا كان التسامح وحسن المعاملة وعدم التعصب أمورا مطلوبة من المسلمين في معاملتهم مع غير المسلمين، فإنها كذلك مطلوبة من غير المسلمين مع المسلمين، حتي تتم معاملة كل طرف للآخر في دائرة التعاون والتضامن، فلا يسئ أحدهم إلي الآخر، بل يتعاملون بروح الفريق الواحد في الوطن الواحد! إن سر انتشار الإسلام واعتناق الناس له ودخولهم في دين الله أفواجا هو منهاجه الرباني الذي أنزله رب العزة سبحانه وتعالي علي رسوله الكريم [ والذي أمر فيه بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، لأنه منهج دعوة وليس إكراها ولا تشددا ولاعنفا، قال تعالي: (ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وماأقر الإسلام العنف ولا التشدد: »لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ« وهذا المنهاج المتسامح للاسلام مع أهل الأديان الأخري هو سر عظمة الإسلام، وسر ذيوعه وانتشاره في ربوع الأرض! لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ الإكراه في الدين مرفوض ، ينبهنا إلي ذلك الداعية الاسلامي الدكتور محمد عمارة، لأنه لا يمكن أن يثمر إيمانا يعتد به الله في ظل الإكراه، ورؤية الإمام محمد عبده لموضوع الحرب الدينية في الإسلام تؤكد علي حقيقتين: الأولي أن ماشهده تاريخ انتشار الأديان، خاصة قبل ظهور الإسلام، من حروب أكرهت أقواما علي اعتناق الدين، هي نشاطات سياسية، وحروب سياسية لا علاقة لها بالدين، حتي وإن رفع أصحابها أعلام الدين واستظلوا بألويته وراياته فليست هناك حروب دينية، لأن غايات الدين والإيمان بعقائده لا تتحقق بالإكراه، والحرب والقتال إكراه مسلح وعنيف، وما سمي بالحروب الدينية إن هو إلا نشاط سياسي لا ديني! الإيمان أصل الدين ويستطرد الدكتور محمد عمارة في كلامه: لقد كان معهودا عند بعض الملل حمل الناس علي الدخول في دينهم بالإكراه، وهذه المسألة ألصق بالسياسة منها بالدين، لأن الإيمان وهو أصل الدين وجوهره عبارة عن إذعان النفس، ويستحيل أن يكون الإذعان بالإلزام والإكراه، وإنما يكون بالبيان والبرهان، ومن هنا كانت آية: »لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ « قاعدة كبري من قواعد دين الاسلام، وركنا عظيما من أركان سياسته، فهو لايجيز إكراه أحد علي الدخول فيه، ولا يسمح لأحد أن يكره أحدا من أهله علي الخروج منه! والثانية: إن الجهاد في سبيل الله وهو أعم من القتال، لأنه يشمل بذل مافي الوسع من القول والفعل، واحتمال المشقة بوجه عام وبمختلف السبل، والجهاد القتالي أداة دفاعية يستخدمها المسلمون لحماية حرية الدعوة والدعاة وحرية الاعتقاد إذا اعتدي عليها المعتدون! فالجهاد من الدين بهذا الاعتبار، أي أنه ليس من جوهره ومقاصده، وإنما هو سياج له، فهو أمر سياسي لازم له للضرورة، ولا التفات لما يهذي به العوام ومعلموهم الطغام (الاراذل والحمقي)، إذ يزعمون أن الدين قام بالسيف، وأن الجهاد مطلوب لذاته، والقرآن في جملته وتفصيله حجة عليهم! شهادة الأمير تشارلز ويسوق الدكتور محمود حمدي زقزوق عددا من رموز وممثلي الثقافة الأوروبية المرموقين الذين توصلوا إلي تقييم إيجابي للإسلام، ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر: جوتة GOETHE، وهيردر HERDER وليسنج، Lessimg، وفون هومبرت، vomhumboldtوبوشكين PUSCHKIN، وكارلايل CARIYLC، وفي عصرنا الحاضر زيجريد هونكة، وأنيماري شيمل التي رحلت عن دنيانا منذ فترة قصيرة. وفي أكتوبر من عام 3991 أكد ولي عهد إنجلترا الأمير تشارلز CHARLES في محاضرة ألقاهات في مركز »أكسفورد« للدراسات الإسلامية إن مايربط بين الإسلام والغرب علي الرغم من أخطاء الفهم التي لاشك في وجودها أقوي بكثير مما يفرقهما! ونوه الأمير في هذا المقام بأن الإسلام والمسيحية يؤمنان جميعا برب واحد، وبالحياة الأخري، وبمسئوليتنا عن أعمالنا، وبالعديد من القيم الأخلاقية المشتركة! كما ذكر أن الثقافة الغربية أفادت الكثير من الثقافة الإسلامية، وبخاصة إبان عصر الازدهار الذي امتد إلي عام 2941، ثم قال: إن الاسلام جزء من ماضينا، ومن حاضرنا في كل مجال من مجالات الأبحاث الإنسانية! وختم محاضرته داعيا الثقافتين (الغربية والإسلامية) إلي أن يتعارفا، وإلي أن يفهم كل منهما الآخر علي نحو أفضل، ورفض نظرية »هنتينجتون HUNTINGTON« وماتدعيه من صدام الحضارتين! مبادرة خادم الحرمين ثم كانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، والتي اختطت طريق الوسطية والتوازن بين دعوات التقريب بين الأديان، وتذويب الفوارق، وصهر الثقافات.. وبين دعوات الصدام والتراشق اللفظي الذي (مع الأسف الشديد) يركز علي الفوارق ويضخمها!!! والحقيقة فإن هذه المبادرة أعادت الاعتبار لفكرة الحوار التعاوني الإيجابي البناء بديلا عن فكرة المواجهة التي روج لها بعض المتطرفين في الغرب أو حتي في العالم الإسلامي، وأضعفت حجة هؤلاء المتطرفين هناك الذين يزعمون أن المسلمين لا يريدون الحوار، فهاهي المملكة العربية السعودية مهبط الوحي والتي كان الكثيرون يتهمونها بالتشدد وعدم قبول الآخر، تدعو إلي الحوار وتنظم مؤتمراته، وتدعو أتباع مختلف الأديان والثقافات له! وكانت من آثار مبادرة الملك عبدالله للحوار حشد التأييد الدولي الداعم، حيث حظيت بتأييد واسع من زعماء العالم وقادة الثقافات والأديان، فعلي سبيل المثال لا الحصر حين تحدث الرئيس الأمريكي »أوباما« من جامعة القاهرة منذ حوالي أربع سنوات، أشار إلي مبادرة الملك عبدالله للحوار وأثني علي أهدافها! وهكذا .. فإن إمكانات التفاهم والحوار بين الإسلام والمسيحية ليست مستحيلة، ولكن تبقي جهودها خطوة علي طريق النجاح من كل طرف يحتاج إلي الطرف الآخر!!!