علي الهواء أثناء حوار الصحفي مجدي الجلاد مع الدكتور محمد البرادعي في التليفزيون الخميس الماضي، تطاول مشاهد علي هذا العالم الفاضل، بأسئلة عبر رسائل الفيس بوك من نوعية تعرف تزغط البطة!!. منها، نضارتك دي بتاعة جدك واللا شاريها من سوق الجمعة، وربطة الجرجير بكام وفيها كام عود!!.. بهدف تشويه صورته كمرشح كبير السن لرئاسة الجمهورية، عاش منعما في الداخل والخارج، ولم يتخرج من طين الحارة المصرية.. فتحول ملايين المشاهدين من متفرجين إلي شهود علي الآتي: أولا رد الفعل المتحضر للبرادعي.. ثانياً رد الفعل العصبي لمجدي الجلاد.. ثالثاً علي فساد التعليم في مصر.. البرادعي انحني خجلا من جرح مشاعر المشاهدين، وأجاب بتواضع وأخلاق العلماء، بأنه مصري المولد والتربية والانتماء ولديه غيرة علي بلده، وخطة عملية من واقع تراكم خبراته للصعود بالشعب المصري إلي حياة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي يستحقها .. أما اختياره لنضارته فهي حرية شخصية لا يجب اختراقها، وأن هذه النوعية من الأسئلة تنم عن جهل وسطحية وسوء تعليم.. واستمر الحوار ثريا، فكشف الجانب الإنساني والثقافي لهذا العالم الجليل، واتساع خبراته ومهاراته الإدارية، وثراء علاقاته الدولية. سلوك البرادعي ورد فعله علي هجوم المشاهد التافه، أكد أن هذا الرجل صادق في نواياه لا يكذب، وأنه سيقدم كل تضحية شخصية وإنكار ذات للوفاء بوعوده في إنقاذ مصر. اما مجدي الجلاد فانزلق بسهولة في الفخ وكشف عن عدم حرفيته كمذيع ومحاور مع احترامي لحرفيته كصحفي لأنه قرأ الرسالة التي بدأت بعبارة " لو كنت راجل اسأل البرادعي هذا السؤال".. ولم ينتبه إلي أن هذه المقدمة الاستفزازية لابد سيتبعها سؤال أشد صفاقة.. وبدلا من تجاهل السؤال لسوء الأدب، رد الإهانة فورا بأعنف منها قائلا " أنا راجل ونص وارجل منك وهاقول السؤال "!!..فنقلنا في لحظة من الاستوديو إلي ميكروباص أو توك توك في حواري العشوائيات.. لم يفصل الجلاد مابين دوره كمحاور ملتزم باحترام الضيف والجمهور، وبين شخصه كمجدي الجلاد الصحفي الشهير واتخذ موقف الدفاع عن كرامته.. وقرأ بصوت مسموع رسالة بالتأكيد قرأها بعينه قبل صوته ولم تفاجئه في مداخلة علي الهواء.. فكان يجب تجاهلها، ليس لأنها تفضح سوء التربية وفساد التعليم في مصر أولا.. لكنها إهانة للضيف وللمشاهد، تحتاج مذيعا حرفيا يحترمنا أولا، ويعلم المشاهد أدب الحوار وقيمة الوقت، وأسلوب ممارسة الحرية والديمقراطية. والنتيجة .. أن البرادعي فاز بتقدير واحترام قطاع أوسع من الشعب، وتضاعفت شعبيته والثقة في قيمة علمه وثقافته وأخلاقه، وقدرته علي إدارة وقيادة مصر في هذه المرحلة المتأزمة.. لأنه تفهم أنه أمام شعب غاضب يمارس الديقراطية بحرية الشتيمة وقذف الحجارة كأطفال الشوارع.. شعب تم قهر ملكاته الإبداعية وتكميم حريته في المدرسة بتعليم فاسد، ومعلم عاجز محدود العلم والحلم والثقافة.. وإعلام أشد فسادا التهم ماتبقي في العقول من قدرة علي التفكير والتحليل والاختيار.. فالتليفزيون المصري، المعلم الأول والأخير للشعب، ولد عملاقا في التبعية والكذب والخضوع للحاكم والزحف لرضاه خوفا من بطش أمنه.. وترعرع في مدرسة صفوت الشريف والفقي.. ودهس أشلاءه أسامة هيكل في مذبحة ماسبيرو، ثم خرج من وزارة الثورة بريئا ولم يحاسبه أحد لا المجلس العسكري ولا الجنزوري!!.. إعلام حكومي غيب الشعب وأغباه، وأفقده الأمل في التغيير والجدوي من التعبير، وحفز فيه السلبية والاستسلام.. وفتح السماء بدون غربلة لفضائيات يملك أغلبها تجار سياسة أو دين، تستقطب مذيعين من أمهر الشخصيات الإعلامية صراخا وتهليلا بالفضائح والنواقص الشخصية للضيوف لتسلية الجمهور، وإنهاكه في مطحنة جدل ومزايدات حنجورية تضاعف معاناته اليومية في العمل والشارع، وتشعره بالغباء والجهل وتتركه مخنوقا من الإحساس باللاجدوي والمفيش فايدة، لتتنعم وحدها في أموال الإعلانات، بعد نوم الشعب كمدا يحلم بمنقذ أسطوري يخلصه .. فيتسلمه تجار الدين في الصباح شاردا وديعا طيعا. لهذه الأسباب وللمرة المليون.. نكرر أن الثورة لن تنجح إلا بثورة التعليم.. وزير التعليم الجديد جمال العربي أرجوك لا تسقط في نفس الفخ.. لا تدر في دوامة الكادر ومكافأة نهاية الخدمة وإنشاء مدارس جديدة.. إعادة هيكلة عقل التلميذ والمعلم هي الأساس والبداية قبل هيكلة مكاتب ومناصب الوزارة.. المناهج المغلوطة عدلها، والمنقوصة أكملها فورا بملاحق سريعة.. أدخل ملحقا بالتاريخ القبطي في منهج التاريخ.. وآيات من الإنجيل في كتب اللغة العربية.. مثلما أضافت الوزارة ملحقا بثورة يناير.. حارب التعصب الناتج عن الجهل بالمعرفة.. استبدل حصص التقوية للحصول علي الدرجات النهائية بغباء، إلي حصص توعية بقيمة الإنسان الفرد، ومعني الديمقراطية والحرية وكيفية ممارستها عمليا.. باستضافة العقول النابغة والنماذج الناجحة في المجتمع، وشباب الثورة، للتواصل مع التلامذة في جميع الأعمار ليشحنوا عقولهم وإرادتهم بتحدي الجهل والإصرار علي النجاح والتفوق والتميز.. وعدم التنازل عن الحياة بكرامة في وطنهم الغالي.. الانتماء وبناء المواطن مسؤلية وزارة التعليم، فأين خطة الوزارة لمواكبة الثورة.. وجدولها الزمني.. انتظر ردكم بلهفة.