لم يتوقف كثيرون أمام إعلان التحالف الدولي لمحاربة داعش بسورياوالعراق، بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن أفغانستان والصومال وليبيا، صارت الملاذات الآمنة المستهدفة من قبل عناصر التنظيم الإرهابي الهاربة. علي هذا النحو، صارت مصر وعبر بوابتها الغربية مترامية الأطراف، التي تصل إلي نحو 1200 كيلومتر من الحدود مع ليبيا، عرضة لخطر مقاتلين دواعش أجانب ومصريين عائدين يبحثون عن أرض معركة جديدة يفرغون فيه طاقتهم الدموية. وتشير إحصاءات بحثية عدة إلي انخراط نحو ألف مصري ضمن صفوف داعش، إبان خلافتهم المزعومة بين عامي 2014 و2017 حسب الخبير الأمني العميد خالد عكاشة. هؤلاء، أو ما تبقي منهم، سيتوجهون حتمًا إلي وجهات داعش المستقبلية، ومن ضمنها ليبيا، حيث مقاتلون مصريون ينشطون هناك بالفعل، كهشام عشماوي وتنظيمه "المرابطون". إضافة إلي تنظيمات ك"أنصار الإسلام" المسؤول عن حادثة كمين طريق الواحات في أكتوبر 2017 إذ إن جذوره الأصلية تعود لليبيا، علي الأقل فيما يتعلق بالإعداد والتمويل. لا يجب إغفال العودة المتوقعة، وكذا التدفق البديهي، صوب سيناء، إذ تظل هدفًا جذابًا في كل الأحول. وفي البيان السادس للقوات المسلحة بشأن العملية العسكرية الموسعة في سيناء 2016 الإعلان عن توقيف 400 من العناصر التكفيرية والإجرامية والمشتبه بهم، وكان من بينهم أجانب. ورغم أن البيان لم يوضح أي معلومات بشأن هوية الأجانب المشار إليهم، ولا حتي عددهم، أو طبيعة وجودهم في سيناء، إلا أن حقيقة تواجدهم في شبه الجزيرة لم تعد ربما مفاجأة، وذلك علي خلفية تورط العديد من العناصر غير المصرية في إدارة عجلة العنف المسلح والإرهاب في البوابة الشرقية للبلاد. تكفي الإشارة هنا، إلي أن زعيم ما يسمي بولاية سيناء، أو الفرع السيناوي للدواعش، طالما كان غير مصري، إما عراقيا أو فلسطينيا غزاويا أو ما شابه. عمليات كبري مثل محاولة السيطرة علي الشيخ زويد يوليو 2015 ثبت تورط أجانب فيها، وهو ما تكرر أيضًا خارج سيناء في عملية طريق الواحات الأخيرة، حيث سقط مقاتل ليبي حي في يد قوات الأمن، وبدوره أدلي باعترافات تفصيلية عن العملية ومنفذيها. دلالة تواجد العناصر الأجنبية في مصر للمعاونة وربما النفخ بفاعلية أكبر في موجة الإرهاب التي تضرب المحروسة علي مدار السنوات الخمسة الماضية، إنما ترسخ لنهج العنف المسلح عابر الحدود الذي بات يحزّم المنطقة العربية من المحيط إلي الخليج، بينما تترامي توابعه حتي آسيا الوسطي ومنطقة القوقاز وشبه الجزيرة الهندية، وصولًا إلي شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء بالقارة السمراء، فضلًا عن رسل الموت أو الذئاب المنفردة وخلايا المجنسين وأبناء المهاجرين، والتي تتولي عناصرها الغزوات الأوروبية والأمريكية. في زمن داعش وفلول القاعدة، ومن صار علي دربهما من مجاذيب العنف المسلح، لم يعد هناك مفر لأي تهاون أو طناش. الدول الكبري والصغري بأجهزتها المعلوماتية والاستخباراتية تتحرك بسرعة لأجل ملاحقة الإرهابيين وخلاياهم علي الأرض وفي الفضاء الإلكتروني، حتي صار العالم في حرب ومنافسة شرسة وسباق محموم، فكل يريد قنص خزائن الأسرار بمفرده. لقد صار الإرهاب وعناصره جزءًا رئيسيًا في معادلة القوة بالمنطقة والعالم، وعليه صارت معركة السيطرة عليه مرادفًا لفرض النفوذ. الآن، يبدو الجميع في سباق عكسي مع عقارب الساعة.. الوقت لم يعد متاحًا كما كان من قبل، فيما أن ترتيب الأوضاع في المنطقة سياسيًا وأمنيًا صار ضاغطًا علي الجميع في ظل إرهاب لا ييأس ولا يصمت.. الأجواء اليوم تبدو أقرب للمثل القائل، ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد دعمت واشنطن جماعات مسلحة عدة فيما عرف ب"الأفغان العرب" قبل نحو 4 عقود لضرب الوجود السوفيتي في أفغانستان، ومن رحم تلك المهمة ظهرت تنظيمات طالبان فالقاعدة ومن سار علي دربهما فيما بعد. والآن، تتعدد جبهات الحرب الباردة بين واشنطنوموسكو، وبالقطع بالوكالة عبر نظم حكم وجماعات مسلحة متطرفة.. وعليه تتأثر دول ومن بينها مصر، برسل الإرهاب المدعومة من جانب البلدين في إطار معركتهما الخاصة في الشرق الأوسط وبقاع عدة من العالم. بمعني أن نزوح أجانب إلي سيناء والحدود الغربية مع ليبيا، لا يرتبط فقط بحركة الإرهاب الوافد، ولكن كذلك- وفق الخبير في الجماعات الدينية المسلحة علي بركة- بموازين الصراع الأمريكي الروسي والذي يستخدم جماعات العنف الديني المسلح كبارود في المواجهة. المسرح السوري يعد الأكبر في هذا الشأن. روسيا تدعم الأسد ضد كل معارضيه المدنيين والإسلاميين.. والأمريكان يدعمون الأكراد، ناهيك عن تمويل جماعات دينية لضرب الأسد ونفوذ إيران وحزب الله في بلاده، فيما أن موسكووواشنطن تتصارع في قنص قادة وكوادر داعش والقاعدة هناك ومن بينهم مصريون، للاستئثار بالمعلومات وتأميمها لصالحهما. وفي البحر المتوسط، المعركة علي أشدها، التعاون المصري الروسي، وكذا الليبي الروسي، يغضب واشنطن كثيرًا، وعليه، لا تتردد أمريكا في تفخيخ المصالح علنًا، وبخاصة عبر تعقيد الوضع في جماهيرية القذافي السابقة. وفي الأصل، فإن النفخ في ظاهرة داعش وخليفته المزعوم أبو بكر البغدادي، وكذا خلافتهما المنهارة في سورياوالعراق، إنما جري وفي جزء منه في إطار المواجهة الشرسة غير المباشرة سياسيًا وعسكريًا بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية. فنجد مثلُا أن واشنطن دعمت الصراع الديني في الشرق الأوسط داعشيًا، لأجل حصار روسيا فيما بعد. إذ تم فتح المجال عبر قطر وتركيا وتنظيمات الإخوان لأجل موجات نزوح لجهاديين كثر من الجمهوريات السوفيتية السابقة، وذلك لأجل اكتساب خبرة الحرب والقتال والدماء في مناطق الصراع الدائرة في فضاء الربيع العربي، كسوريا وليبيا واليمن، فضلًا عن العراقوأفغانستان وربما سيناء، بحيث إذا ما عادوا إلي مواطنهم بعد أن تخمد النيران وأصوات البارود في البلدان العربية أو بعد أن يتم السيطرة علي موجة الإرهاب كما هو الحال بالنسبة لمصر، فإنهم سيجدون التربة ممهدة لتوجيه طاقتهم وسلاحهم صوب مصالح موسكو بدعوي مواجهة الإلحاد والكفر، وكذا تجاه بكين بدعوي أنها نظام شيوعي يعادي الدين في حد ذاته، وذلك بتنسيق غير مباشر مع واشنطن لتطويق البلدين بألغام التطرف والعنف الطائفي.. علي هذا النحو حدد قيصر روسيا الجديد، بوتين، أن ظهوره العسكري المؤثر والعلني في سوريا، كان رغبة منه في ضرب المتطرفين القوقازيين بصفة عامة، وكذا الشيشانيين ومواليهم ممن يمكن أن يُطلق عليهم الطبعة الثالثة من الأفغان العرب، في سوريا، قبل أن يتفرغوا ويعودوا إليه محملين بطاقة تفريغ ثأرية.. ساحة جديدة للحرب الباردة بين واشنطنوموسكو اشتعلت فجأة، غير أن المثير في الأمر أنها ساحة قديمة للعراك بالنسبة لهما، ألا وهي أفغانستان. وكانت معلومات للاستخبارات العسكرية الألمانية، كشفت سر التمويلات السخية التي تحظي بها الجماعات الدينية المسلحة في عدد من المدن الأفغانية الرئيسية وعلي رأسها العاصمة كابول وقندوز (شمال)، والتي كانت سببا في تفجير الوضع الأمني في البلاد خلال الفترة الأخيرة. وسقط خلال الفترة الماضية ما يزيد عن 200 شخص في سلسلة من الهجمات الإرهابية الشرسة استهدفت فندقًا وأكاديمية عسكرية ومقر منظمة دولية معنية بحقوق الأطفال في كل من العاصمة كابول وجلال آباد (شرق)، فيما تقاسم كل من حركة طالبان وتنظيم "داعش" الإرهابي المسؤولية عنها. وأكدت مصادر قبلية ومحلية الاتهامات الأمريكيةلموسكو بتمويل حركة طالبان ردًا علي الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن للدواعش في مناطق وسط آسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة لتطويق روسيا بحزام جهادي امتلك معظم عناصره خبرة القتال والدماء والتفخيخ في سورياوالعراق علي مدار السنوات الثلاثة الماضية. ولاحظت فرق جمع المعلومات الملحقة بالوحدات العسكرية الألمانية العاملة ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتدريب وإرشاد القوات المسلحة الأفغانية تناميًا غير مبرر في نوعيات السيارات الحديثة المستخدمة في عمليات إرهابية، ناهيك عن غزو أسلحة أمريكية وبلجيكية الصنع باهظة الثمن لمناطق عدة في قندوز. ووفق معلومات الاستخبارات العسكرية الألمانية، يبدو التنافس علي أشده بين موسكووواشنطن في ملف دعم الجماعات المسلحة في أفغانستان، ما يعيد أجواء الحرب الباردة التي اشتعلت بين القوتين العظميين في الثمانينيات من القرن الماضي مجددًا. وتعتقد واشنطن أن روسيا أنفقت علي مدار عام كامل أموالًا طائلة لتقوية طالبان، ومن ثم ضرب كافة المصالح والترتيبات الخاصة بإدارة الرئيس دونالد ترامب في أفغانستان. موسكو بدورها لم تنقل سلاحًا لطالبان، ولكنها مكنتهم من اقتنائه بصورة غير مباشرة، وذلك عبر منحهم الأموال اللازمة لشرائه. ومنحت تلك الأموال طالبان ميزة مكنتها من تجنيد قبائل وشراء صمتها وأحيانًا رجالها ليقاتلوا إلي جانب التنظيم المسلح. إن سيناء وكذا الصحراء الغربية المتاخمة للحدود مع ليبيا، ستظل هدفًا للإرهاب الوافد المتسلل، وبخاصة مع استمرار السخاء الأمريكي الروسي في دعم الجماعات المتطرفة، ومن ثم فالمعركة لا تزال طويلة في شبه الجزيرة الحيوية. كما أن المقاتلين المصريين أنفسهم في سيناء وليبيا، سيصادفون حتمًا جزءًا من ذلك السخاء الأمريكي الروسي القذر، ومن ثم ستتواصل أنفاسهم حية لتنتج مزيدًا من عمليات الكراهية والتطرف والعنف.