على غرار الدعوة السورية، وجهت الحكومة الأفغانية الدعوة للقيادة فى موسكو بتقديم المساعدة فى مواجهة خطر تمدد تنظيم داعش الإرهابى على أراضيها، مما فتح باب السؤال حول إمكانية تلبية روسيا للدعوة هذه المرة أيضا؟ وحول تداعيات احتمالات قرار التدخل الروسى فى أفغانستان عسكريا مجددا إذا تم اتخاذه بالفعل؟ خاصة فى ظل إعلان الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلنطى "الناتو" تمديد بقاء جزء من قواتهما إلى ما بعد نهاية العام المقبل 2016، وهو ما قد يحول أفغانستان إلى ساحة معركة جديدة ما بين موسكو والغرب. لقد جاءت دعوة عبد الله عبد الله الرئيس التنفيذى للحكومة الأفغانية فى مؤتمر صحفى عقد فى القصر الرئاسى الأفغانى الأحد الماضى فيما يبدو كترجمة مباشرة للعديد من التحركات الرسمية التى قامت بها كابول مؤخرا فى محاولة لإقناع موسكو برفع مستوى التعاون الأمنى بين البلدين، خاصة بعد سقوط مدينة قندوز فى يد حركة طالبان فى 29 من الشهر الماضي، والذى أعقب شن "داعش" فى ال27 من الشهر نفسه أول هجوم واسع لها على 10 حواجز للشرطة شرق أفغانستان. وفى هذا السياق، بعث الرئيس أشرف غنى نائبه الأول الجنرال عبد الرشيد دوستم إلى موسكو مطلع شهر أكتوبر الجارى لبحث التطورات الأمنية الجديدة مع القيادة الروسية، وبحسب ما ألمح إليه سلطان فيضى المتحدث باسم مكتب نائب الرئيس، فإن الزيارة "كانت لها نتائج إيجابية للغاية"، حيث استطاع دوستم أن يقنع القيادة الروسية بتقديم الدعم اللازم للجيش الأفغانى بهدف محاربة الجماعات المسلحة التى عززت قوتها إلى حد كبير فى الشمال الأفغاني. وذكر فيضى أن البلدين اتفقتا بعد لقاء سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسى بدوستم على تقديم مروحيات قتالية من طراز "إم آى 35" للجيش الأفغاني، كذلك فقد تقرر أن تساهم روسيا فى تدريب الطيارين الأفغان، وتقديم أنواع مختلفة من السلاح للقوات الأفغانية، وشدد فيضى وقتها على أن روسيا لن تتدخل بصورة مباشرة فى أفغانستان كما فعلت فى سوريا، وإنما سوف ينحصر عملها فى دعم القوات المسلحة، وهو ما تحتاج إليه أفغانستان فى الوقت الراهن. إلا أن الترحيب الأفغانى بأى مساعدة روسية فى الحرب ضد الإرهاب وداعش وفقا لتصريحات عبدالله الأخيرة، وتأكيده على أن روسيا زودت قوات الأمن الأفغانية بالمعدات العسكرية بالفعل، جاء وعلى ما يبدو للإشارة إلى حاجة الحكومة الأفغانية إلى ما هو أكثر من السلاح والتدريب، كما سبق وأعلن الرئيس الشيشانى رمضان قادروف من أن السلطات الأفغانية تحتاج إلى المساعدة الروسية فى محاربة داعش. من جهتها، ذكرت صحيفة "الشعلة" الأفغانية التى تصدر باللغتين الفارسية والبشتو فى افتتاحيتها 10 أكتوبر الجارى أن سيطرة حركة طالبان على قندوز وتصريحات بعض المسئولين الروس عن تجمع قرابة ألفين إلى ثلاثة آلاف من مقاتلى داعش شمال أفغانستان وعلى الحدود مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان يثير قلق روسيا، مما يرفع من نسبة التقديرات الأفغانية بأن روسيا قد تقدم على قصف تجمعات لطالبان و"داعش" شمال أفغانستان على غرار ما تقوم به فى سوريا حاليا. واعتبرت الصحيفة أن "العجز" الأمريكى فى سوريا على وقف روسيا سيشجعها على القيام بعمل مشابه فى أفغانستان، خاصة مع ضعف أداء الجيش الأفغانى فى تصديه لطالبان و"داعش"، إضافة إلى وصول "الخطر" إلى الحدود الشمالية لأفغانستان، وهو ما دفع موسكو إلى تعزيز تواجدها العسكرى على الحدود الطاجيكية - الأفغانية، ونشر طائرات تجسس على طول هذه الحدود. والواقع يشير بشكل عام إلى أن الدعوة الأفغانية لموسكو تبدو متوافقة مع ما سبق وعبرت عنه موسكو فى أكثر من مناسبة مؤخرا وعلى لسان أكثر من مسئول من مخاوف خطر تسلل "داعش" إلى أراضيها عبر أفغانستان، وهى المخاوف التى عبر عنها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين نفسه خلال قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعى فى موسكو منتصف الشهر الجارى من أن أفغانستان أصبحت تمثل مصدرا لتهديدات واقعية تضر بأمن الدول الأعضاء فى المنطقة. أما عن تداعيات اتخاذ قرار روسى بقبول طلب المساعدة، فيمكن تلخيصها فى التالى: داخليا: يبدو المناخ مهيئا تماما أكثر من أى وقت مضى لاستقبال مثل هذا القرار دونما أى معارضة رسمية أو شعبية، وهو ما دلل عليه حجم التأييد لقرار ضم القرم أو التدخل فى سوريا، الأمر الذى رفع من شعبية بوتين إلى أعلى مستوياتها، والتى وصلت إلى 72% وفقا لاستطلاع أجراه مركز ليفادا الروسى الأسبوع الماضى. خارجيا: رغم ما تبديه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها فى الظاهر من معارضة للتحركات الروسية مؤخرا، فإنها فى الوقت نفسه تبدو راضية عن ذلك، اقتناعا منها بأن أى تدخل عسكرى لروسيا سواء فى أوكرانيا أو سوريا أو أفغانستان، هو بمثابة إنهاك لقواتها واقتصادها. على الجانب الآخر، تبدو الدوافع الروسية للتدخل فى أفغانستان مشابهة بشكل كبير لدوافعها فى سوريا، وإن كانت أفغانستان تبدو أهم من منظور الحفاظ على المصالح الإستراتيجية فى محيطها، فهى تعنى استعادة الهيبة العسكرية فى أفغانستان تحديدا، وهو ما تحدث عنه بوتين خلال لقائه مع ممثلى روابط المحاربين القدماء 15 فبراير الماضى بمناسبة الذكرى ال26على انسحاب الجيش السوفيتى من أفغانستان فى عام 1989، عندما ذكر أن التدخل السوفيتى فى أفغانستان من قبل كان صائبا لدرء الخطر عن الاتحاد السوفيتي، مع اعترافه بوقوع "أخطاء". فهل يقدم بوتين على اتخاذ قرار التدخل فى أفغانستان درءا لمخاطر تمدد داعش هذه المرة فى باحته الخلفية؟ وهل يستطيع بوتين فتح جبهة حرب جديدة فى هذا البلد دون مشكلات أو اعتراضات؟