أخطر ما فعله نظام مبارك في مصر أنه حول البلد إلي إدارة عائلة وليس إدارة دولة.. فأصبحنا أمام علاقات غير سياسية وغير مؤسسية. ذات مرة التقي الروائي الكبير خيري شلبي بأنس الفقي وزير الإعلام السابق فقال أنس لشلبي: »علي فكرة (ماما) بتحب كتبك قوي«.. فرد شلبي: »والله كويس إن الحاجة بتقرا«.. وبعد أن انصرف قال له أحد الحضور: إن السيد الوزير لايقصد والدته بكلمة ماما، وإنما يقصد الهانم.. ومن المعروف أن »الهانم« كان لقب سوزان مبارك في كل الدوائر السياسية.. وإذا أضفنا لهذا مشهداً لوزيرة القوي العاملة عائشة عبدالهادي وهي تنحني وتقبل يد الهانم.. فسنكتشف أننا لم نكن في دولة وإنما في عزبة.. فقد أصبح الأمر أشبه بإدارة عائلة وليست دولة، وليت المقصود هنا هو العائلة المصرية، وإنما عائلة الحكم.. فوزير الإعلام السابق هو من اتهم أن بحوزته ألفي جنيه ذهب أقر في التحقيقات بأنه حصل عليها من وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي ليذهب بها إلي الهانم! هذه عزبة وليست دولة.. نحن أمام »ماما« و »هانم«.. وذهب يخرج من خزانة ليذهب إلي خزانة أخري.. وابن شريك في الحكم.. وزوجة تدير البلاد بأطراف أصابعها حتي أتت علي أركان نظام زوجها الرئيس المخلوع.. وألقت بولديها في غياهب السجن. إنها سوزان مبارك.. أو الهانم التي كانت تحكم مصر! تشير إحدي الوثائق النادرة أن علي أفندي ثابت بك فيما بعد هو مؤسس الأسرة التي تنتمي إليها »سوزان مبارك« حرم الرئيس المخلوع.. وقد عمل ضابطا بالمعية الخديوية في زمن الخديو إسماعيل.. وهو من أصول بدوية حيث نزح آباؤه من الصحراء الليبية وأقاموا علي أطراف مديرية البحيرة.. ومن المصادفات العجيبة أن نفس هذه المنطقة هي التي أرسلت بأحد الأشخاص من إحدي القبائل العربية وتسمي »حكاية« وهي التي قدمت لنا الرئيس السابق الذي يتألف اسمه الكامل من محمد محمد حسني سيد السيد إبراهيم مبارك حكاية! وتضيف الوثيقة أنه في الشهر الذي أحيل فيه ثابت إلي التقاعد أنعم عليه الخديو محمد سعيد برتبة »الأميرالاي« التي كان يصاحبها الحصول علي رتبة البكوية من الدرجة الثانية، وكان هذا كرما زائدا من سعيد تجاه أحد ضباط الصف الثاني الذين يعملون في خدمته، وهو الموقع الذي أتاح له تقديم العديد من الخدمات »التسهيلات« لغير قليل من أقاربه ومعارفه.. وكان منهم اثنان من أشهر أثرياء مصر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وهما الشقيقان جورج وحبيب لطف الله، اللذان أتاح لهما العمل في إقراض النقود والثروة الطائلة التي جنياها من جراء ذلك أن يشتريا أكثر من 04 ألف فدان من أملاك الدائرة السنية التي تم عرضها للإيجار أو البيع بأبخس الأثمان بعد إفلاس الخديو اسماعيل ونفيه خارج مصر وعرض أملاكه للبيع.. وكان جزء كبير من أملاكهما يقع بزمام مديرية المنية وبني مزار هكذا كان اسم المنيا لفترة غير قصيرة وبخاصة إحدي القري الصغيرة الواقعة بين مطاي وبني مزار والمطلة علي ترعة الإبراهيمية وطريق المنياالقاهرة الزراعي تحمل اسم »منشأة لطف الله«.. وهي تقع بالقرب من عزبة ثابت علي بعد كيلوات قلائل من مدينة مطاي التي كانت قرية كبيرة انفصلت عن بني مزار وتم تحويلها إلي مركز قبل ستين عاما فقط.. وفي هذه البقعة أهدي الشقيقان لطف الله خمسين فدانا إلي علي ثابت عند ترقيته الأخيرة وحصوله علي البكوية كنوع من المكافأة علي الخدمات والتسهيلات التي اعتاد أن يقدمها لهم وهو في وظيفته لدرجة أنه كثيرا ماكان يتطوع بجولات لتفقد ورعاية أملاك لطف الله في مديرتي القليوبية والمنوفية. بعد إحالته إلي التقاعد من الخدمة العسكرية فكر ثابت في استبدال معاشه الضخم »423« جنيها سنويا بأطيان تجاور الأرض المهداة إليه بمطاي، وبالفعل تم تقدير معاشه ب 08 فدانا سرعان ماضم إليها 51 فدانا أخري من خلال عرضحال قدمه إلي الخديو سعيد مليء بالمذلة والاسترحام. وقرر »ثابت« أن يغادر القاهرة و»ينزل« بأسرته إلي »مطاي« من أجل رعاية أملاكه التي وصلت إلي قرابة المائة والخمسين فدانا.. وجرت العادة في ذلك الزمان علي أن تسمي العائلات التي اتسعت أملاكها من الأراضي الزراعية إنشاءاتهم وعزبهم الجديدة باسم »منشأة« من الانشاء، أو »نزلة« من النزول والإقامة« فلان.. وبمجرد أن بني ثابت منزلا علي أطراف أرضه مطلا علي طريق الإبراهيمية الجديد حتي سماها الناس »نزلة ثابت«. ولم يحصل ثابت الكبير علي أي نصيب من التعليم المدني ، ولكن الواضح أنه كان ذا عقلية تجيد قراءة المستقبل، لذلك حرص علي تربية أبنائه وتعليمهم بشكل عصري وأوصاهم أن يفعلوا نفس الشيء مع أولادهم.. وهو ماحدث بالفعل حيث اشتهرت أسرة ثابت بارتفاع نسبة الحاصلين علي تعليم عال بها منذ عشرينيات القرن الماضي. من هنا يمكننا التعرف علي الجذور التي انحدرت منها السيدة سوزان مصطفي صالح ثابت أو سوزان مبارك.. فهي من مواليد 82 فبراير 1491..ولدت في صعيد مصر، بالتحديد في قرية مطاي بمحافظة المنيا.. غير أننا لا نستطيع القول إنها صعيدية، فالوالد د. صالح ثابت طبيب أطفال مصري سافر إلي إنجلترا للدراسة في جامعة كارديف وهناك وقع في غرام ممرضة حسناء، وفقا لرواية جريدة »ويسترن ميل« البريطانية، كانت تعمل في المستشفي وتعرف علي أسرتها.. وتزوج د.صالح من لي لي بالمر وأثمر زواجهما عن إنجاب بنت هي سوزان أو»سوزي« وولد أسمياه منير أو »طوني« كما تطلق عليه العائلة الانجليزية. عادت الأسرة سريعا إلي القاهرة لتعيش في مستوي أعلي من الطبقة المتوسطة.. فقد التحقت سوزي بمدرسة »سانت كلير« بمصر الجديدة، وكانت عضوا في نادي هليوليدو.. وقد نشرت مجلة الجيل التي كانت تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم صورة لسوزي باعتبارها نجمة المستقبل وتوقعت لها المجلة الوصول للقمة.. وبالطبع فإن المحرر الذي نشر لها الصورة والتعليق لم يخطر بباله أبدا أن تكون هذه القمة هي حكم مصر.. وإلي جوار صورتها المنشورة بالمجلة وقتها أن سوزي (كما أطلقت عليها) فتاة رياضية، وراقصة باليه،وسباحة ماهرة، وأنها حازت كثيرا من الجوائز والألقاب علي مستوي المدارس.. وكانت أحلامها أن تصبح »باليرينا« أو مضيفة طيران. وهكذا يمكن القول إن الفتاة ذات الخمسة عشر ربيعا وقتها، نصف المصرية ونصف الإنجليزية عاشت حياة فيها درجة معقولة من التنعيم والأحلام الوردية في الفصل الأول من حياتها حتي وصلت إلي مرحلة الثانوية العامة. الزواج من مبارك لكن سرعان ما أعجب بها الطيار محمد حسني مبارك ذو الأصول الريفية وكان معلما علي سرية تضم شقيق سوزان، وكان مبارك يزوره في البيت ليساعده في دروس الطيران.. وبسرعة تطورت العلاقة بين الطيار الشاب وسوزان ثابت وتزوجا عام 9591 وأقيم حفل الزواج بنادي هليوليدو بمنطقة روكسي، ووقتها لم تكن سوزان قد تجاوزت بعد الثامنة عشرة من عمرها.. وعاش الزوجان حياة عادية جدا أقاما في شقة متواضعة، ولم يشتريا سيارة خاصة إلا بعد أربع سنوات من زواجهما، وكانت سيارة صغيرة جدا.. وأنجب الزوجان ابنيهما علاء وجمال.. وحسب الصحيفة البريطانية »إيسترن ميل« فإن العائلة الانجليزية تطلق علي جمال اسم »جيمي« وعلي علاء اسم »إيلي« بينما تطلق علي مبارك اسم »جورج«! وفي حواراتها التليفزيونية روت سوزان مبارك سنوات زواجها الأولي ووصفتها بأنها كانت صعبة وقالت: »إنها كانت وحدها المسئولة عن تربية ابنيها علاء وجمال لأن زوجها الطيار حسني مبارك كان وقتها مشغولا كأي فرد من القوات المسلحة بالحرب مع إسرائيل. بعد فترة قصيرة من زواجها عملت سوزان مبارك مدرسة بمدرسة ابتدائية براتب 11 جنيها، وانقطعت عن الجامعة الأمريكية التي كانت تدرس بها، حتي تساعد زوجها في تربية الأولاد.. لكنها عادت مرة أخري للدراسة الجامعية وحصلت علي بكالوريوس العلوم السياسية عام 7791 وكان عمرها وقتها 63 عاما.. ثم واصلت دراستها بنفس الجامعة وحصلت علي الماجستير عام 2891 أي بعد تولي زوجها مقاليد الحكم بعد اغتيال السادات بعدة شهور في علم الاجتماع وكانت تدور حول »دراسة حالة في رفع مستوي المدرسة الابتدائية في بولاق«.. وكان أستاذها الذي أشرف علي الرسالة هو المعارض الكبير الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي أشار في إحدي مقالاته إلي أن »مبارك كان يسخر من حرص زوجته علي مواصلة التعليم وكان يردد بين الحين والآخر: »إنتٍ لسة بتذاكري«!. مفاجأة مدوية حين علم مبارك أن الرئيس الأسبق أنور السادات اختاره نائبا لرئيس الجمهورية منتصف السبعينيات ذهب إلي البيت مسرعا ونادي سوزي وسألها: تفتكري السادات رقاني وعيني في أي منصب؟.. خمني.. قالت له والفرحة في عينيها: عينك رئيس حي مصر الجديدة.. فقال لها: أعلي.. فقالت وقد ازدادت فرحتها: إيه.. محافظ القاهرة.. فقال لها : أعلي.. فقالت وقد أدارت الفرحة رأسها: وزير مثلا.. فقال : أعلي.. فردت مذهولة من هول المفاجأة: عينك رئيس وزراء.. فقال لها: أعلي.. وحين قالت له إنها لا تعرف ماهو أعلي من ذلك.. رد عليها: بل اختارني نائبا لرئيس الجمهورية، فلم تصدقه.. ولم تكن حتي هذه اللحظة قد حصلت علي شهادة عالية.. تلخص هذه القصة التي يتداولها البسطاء علي نطاق واسع حقيقة مامرت به »الهانم« .. وهو اللقب الذي كانت تحب أن تسمعه من المحيطين بها.. فهي حتي سنوات قليلة مضت كانت مجرد فتاة تمارس الباليه في أندية الأغنياء بمصر الجديدة.. لكنها صارت بعد قليل سيدة مصر الأولي.. ربما في غفلة من الزمن، حيث صارت صاحبة الصوت الأعلي والأشرس في قصر الرئيس المخلوع.. وكان أن أذاقت المصريين العذاب ألوانا وأشكالا.. بسببها خسر مبارك شرفه العسكري علي الأقل يوم 11 فبراير الماضي، عندما خرج نائبه مرتعشا تحت صيحات المحتجين في كل شبر علي أرض مصر وزلزلوا الأرض تحت أقدام الحاكم لكي يقول إن الرئيس يتخلي عن السلطة، كأول رئيس مصري تطيح به ثورة غاضبة ضد كل مافي حكمه من فساد، كان له ألف أب ولم تكن له في الحقيقة سوي أم واحدة هي سوزان صالح ثابت. ويخطئ من يظن أن مبارك وحده هو المسئول عن بناء شبكة الفساد السياسي التي فجرت الأزمات والكوارث في كل أنحاء مصر.. فالرجل لم يكن يجيد تلك الصناعة إلا أنه احترفها بعد أن قدمت له زوجته سوزان ثابت فن الطبخة وأصرت علي تعليمه أصول الصنعة، وانتهت إلي وضع إدارة البلاد في يد نجلها جمال بعد أن زرعت بذور السلطة داخله ومنحته مفتاح الدخول من الباب الرئاسي فكان علي بعد خطوة واحدة من الجلوس علي العرش لولا إرادة الله التي حركت الصامتين. ليقتلعوا جذور الفساد ويوقفوا مفعول القنابل الموقوتة التي زرعتها سيدة القصر.. مجلة »نيوزويك« علي سبيل المثال رأت أن سوزان مبارك أذكي من مبارك بعشر مرات.. ولذلك فقد استطاعت أن تدعم نجلها بقوة.. ووصفت باربارا إبراهيم أستاذة العلوم المدنية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة وزوجة د.سعد الدين إبراهيم سوزان بأنها أكثر طموحا وتمرسا من زوجها.. وهو مادللت عليه مجلة »نيوزويك« بقدرتها علي جذب عدد كبير من المنظمات العالمية غير الحكومية إلي مصر، وكانت تحلم بالحصول علي جائزة نوبل فكونت أكثر من 13 جمعية أهلية رأستها جميعا، حتي أن إحدي جمعياتها وهي »محبي السلام« أقامت معسكرات للتعارف بين الطلاب المصريين واليهود تم الانفاق عليها من ميزانية الدولة.. كما تشير المجلة إلي أنها كانت أكثر إدراكا لما يدور خارج القصر الرئاسي من زوجها والدائرة المحيطة به. وأشارت صحف أخري إلي اهتمام سوزان مبارك بإبراز الجانب الانجليزي في شخصيتها حيث أن والدتها إنجليزية »يؤكد الدكتور محمد الجوادي الباحث السياسي أن هذه معلومة مغلوطة.. فوالدتا سوزان مبارك وجيهان السادات مالطيتان، وكان هناك كثير من المالطيين يحملون جوازات سفر إنجليزية في عهد الاحتلال البريطاني لمصر«. وإذا كانت تستخدم جُملا مثل »أولاد عمومتي في لندن« أو »عائلتي في إنجلترا« وتقحمها في حديثها كي تعطي انطباعا مختلفا لدي الغرب الذي كان يراها سيدة أولي مصرية بنكهة غربية وثقافة مزدوجة. كما أنها كانت الوحيدة في رأي معظم المحللين التي تستطيع مواجهة مايعرف بالحرس القديم بجرأة غير معتادة، وقد ظهر ذلك بوضوح في إثارتها مسألة ختان الإناث رغم عدم رضا الدائرة المحيطة بمبارك عن التطرق إلي مثل هذه الأمور التي تتشابك فيها العادات والتقاليد مع الدين. وأشارت مجلة »نيوزويك« إلي الطموح »غير المحدود« لسوزان مبارك الذي دفعها للتفكير في بناء سلالة سياسية لأبنائها وأحفادها.. ونظرا لعدم اهتمام علاء »الابن الأكبر« بالسياسة.. إذ وصفته المجلة بأنه مولع بالرياضة فقط فكان جمال هو الملاذ الأخير لتحقيق حلم سوزان في خلافة والده. حكاية التوريث ❊ لكن كيف جاءت فكرة توريث جمال حكم مصر؟.. وكيف تم التخطيط لذلك؟ الثابت أن المرحلة الأولي من حياة سوزان مبارك في قصر الرئاسة وهي تبدأ من عام 1891 حتي عام 5991، مضت عادية فبعد أن كانت سوزان ثابت أصبحت سوزان مبارك.. مجرد زوجة للرئيس.. مجرد أخبار متناثرة عن إصابتها بمرض سرطان الدم »اللوكيميا« وعلاجها منه.. ومن الثابت علميا أن نسبة الشفاء من هذا المرض ضعيفة، وإذا حدثت فإنها تتسبب في أن يتحول الشخص المصاب، إما إلي زاهد في الحياة، أو متجبر يظن نفسه أعلي ممن حوله من البشر.. الفترة الثانية لسيدة القصر سوزان مبارك فتبدأ يوم 01 يوليو 5991 عندما تعرض حسني مبارك لمحاولة اغتيال في أديس أبابا وكان عمره وقتها 76 عاما.. ومع وقوعه في دائرة الاغتيالات بدأت سوزان في التخطيط لفكرة التوريث، واستدعت ابنها الاصغر جمال من لندن ، حيث كان يعمل في بنك »أوف امريكا«.. وعند عودته كان ينوي تأسيس حزب تحت مسمي »جيل المستقبل« ولأسباب مجهولة حتي الآن تم تجاهل فكرة تأسيس الحزب واستبدالها بإنشاء جمعية غير حكومية وغير هادفة للربح تكون »معقلا« لاستقطاب الشباب وهم قطاع عريض من المجتمع حيث يمثلون 04٪ من المجتمع المصري بما يوازي 54 مليون شاب علي أقصي تقدير.. وكان الشاغل الأول لجمال كيفية الاستقطاب فأشار عليه استاذه ومعلمه ألف باء السياسة علي الدين هلال أن يقوم بتأسيس هذه الجمعية بمعاونة جوقة من رجال الأعمال يقومون بالإنفاق علي أنشطة الجمعية طالما يرضي ذلك الرئيس مبارك ونجله وسوزان في آن واحد. وكانت تلك البداية.. البحث عن زوجة وراحت سوزان مبارك تبحث عن الخطوة التالية.. وهي البحث لجمال عن »ملكة« لتكتمل إمبراطوريته في الحكم وتشاركه عرشه.. فبدأت رحلة البحث عن أميرة عربية تكون تحت سيطرتها ونفوذها وقادرة علي تلميع وجه الوريث والحفاظ علي صورته أمام الجميع.. وعندما وقع اختيارها علي واحدة أرسلت رسالة واضحة إلي ملكة تلك الدولة وطلبت منها ترشيح إحدي سيدات القصر الملكي للزواج من رئيس مصر القادم كما قالت في الرسالة ورحبت الملكة بعد ماعلمت بمضمون الرسالة وراحت تخاطب جميع أفراد عائلتها وتعرض لهم مميزات الزواج من رئيس مصر القادم ومدي النفوذ الذي تتمتع به، إلا أن الملكة لم تجد شخصية واحدة لديها القبول للزواج من جمال مبارك وفشلت في التأثير علي أي شخصية ولم تجد ماتفعله في هذه الورطة فاستشارت أقاربها وأصدقاءها فنصحوها بالتجاهل وعدم الرد علي مضمون الرسالة أفضل من أن يرفض الطلب بحقيقة ماحدث. ومرت عدة أشهر لم تجد سوزان خلالها ردا علي رسالتها التي تكررت مرتين فاستشاطت غضبا ولم تجد ما ترد به علي إهانة الملكة، فقررت الانتقام والرد بطريقتها فاستدعت صفوت الشريف وعرضت عليه الموضوع وطلبت منه معرفة حقيقة ماحدث في تلك الدولة وأسباب عدم الرد.. وعلي الفور تحرك الشريف الذي يملك شبكة اتصالات هائلة وعلاقات قوية مع قادة ومسئولين في تلك الدولة فأخبروه أن بنات العائلة المالكة كلهن رفضن الارتباط بجمال مبارك، وأن الملكة مارست ضغوطا عليهن حتي يقبلن الزواج إلا إنها فشلت حتي إن إحدي الفتيات قالت بالنص »إن بنات الملوك لا يجب أن يتزوجن إلا من ملوك«. وعرض الشريف القضية كلها علي سيدة القصر التي انفجرت غيظا وطلبت منه أن يبحث لها عن أسلوب مناسب للرد علي إهانات تلك الدولة وإسكات المسئولين فيها حتي لا يبوحوا بماجري لوسائل الإعلام.. وتحرك الشريف بناء علي أوامر سوزان واستعان بالشرائط التي كان يحتفظ بها لبعض الملوك العرب ومنها ملك تلك الدولة وبعض الوزراء فيها وقام بمنح التسجيلات كاملة التي تخص تلك الدولة وبعض الحكام العرب أيضا إلي سوزان التي وجدتها وسيلة مناسبة للرد.. ولكنها تحت ضغوط مبارك نفسه لم تسرب تلك التسجيلات واحتفظت بها في خزائنها لعلها تجد فيها منفعة في وقت آخر. وبعد ثورة 52 يناير شعرت سوزان أن الخناق يضيق عليها وعلي زوجها وولديها بعد أن دخل علاء وجمال سجن طره وأصبح زوجها محبوسا في غرفة بمستشفي شرم الشيخ وبدأت وقائع محاكمته وكذلك محاكمتها وأنها قاب قوسين أو أدني من دخول سجن القناطر، فأخرجت تلك الشرائط وعددها 04 شريطا بطول 03 ساعة من الفضائح منذ 7 سنوات وأرسلت رسائل تهديد واضحة إلي مسئولين مصريين وبعض الملوك والأمراء العرب بنشر التسجيلات الخاصة بهم والتي تتضمن فضائح، وذلك في حالة عدم تدخلهم والضغط لمنع صدور حكم ضد مبارك. وما يؤكد هذه المعلومات أن بعض الدول العربية بدأت في بث برامج ونشر مقالات تطالب المصريين بالعفو عن مبارك وعائلته.. وبعضها عرض علي الحكومة المصرية 4 مليارات دولار مقابل عدم التحقيق مع آل مبارك.. وراحت دولةعربية أخري تهدد بطرد العمالة المصرية منها. وربما يؤكد تلك المعلومات أيضا الإفراج عن سوزان مبارك بعد قيامها برد عدة ملايين من الجنيهات إلي خزينة الدولة رغم أن لائحة الاتهامات الموجهة ضدها تشمل تورطها في عدة مخالفات مالية أشهرها الاستيلاء علي 541 مليون دولار »حوالي 758 مليون جنيه« من أموال مكتبة الإسكندرية، إضافة إلي تملكها العقارات داخل وخارج مصر تتجاوز قيمتها 008 مليون جنيه فضلا عن أموال سائلة في بنوك مصرية قيمتها 021 مليون جنيه ومجوهرات تزيد قيمتها علي 05 مليون جنيه.. وكل هذه الملايين تعني أنها استغلت نفوذها عندما كانت زوجة لرئيس الدولة وتربحت وكونت ثروة من مصادر مشبوهة أو محرمة إذا شئنا الدقة، لاسيما أنها لم تكن تعمل ولم يكن لها مصدر دخل خاص. سوزان مبارك علي لائحة الاتهامات الموجهة ضدها إتهام باستغلال النفوذ بجمع تبرعات إجبارية من الشركات التابعة لوزارة البترول بلغت 003 مليون جنيه بدعوي إنشاء حديقة عالمية بالتجمع الخامس علي غرار حديقة الأزهر، وحتي الآن لايعرف أحد سواها مصير تلك الملايين. »الهانم« متورطة أيضا في قضية الألفي جنيه الذهبية التي ضبطتها الشرطة في منزل وزير الإعلام السابق المحبوس حاليا بسجن طرة.. وقال الفقي في التحقيقات أنه أخذ هذه الجنيهات الذهبية من بطرس غالي وزير المالية الهارب خارج مصر لتسليمها لسوزان مبارك. اللائحة طويلة.. ولكن نكتفي بذكر ماسبق. الوزراء بمزاج الهانم في السنوات العشر الأخيرة أصبحت سوزان مبارك شريكا أساسيا في الحياة السياسية، وكانت هناك قرارات كاملة تترك لها، فهناك خيارات كاملة لوزراء ومحافظين لا يتدخل فيها أي شخص غير سوزان مبارك.. فقد كانت وراء إقناع مبارك في إقالة رئيس الوزراء كمال الجنزوري عندما شرع في تقليص ميزانية رئاسة الجمهورية.. وكانت وراء تعيين وزراء مثل: فاروق حسني الذي قضي في وزارة الثقافة 42 عاما.. ومحمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان والتعمير الاسبق الذي تحوم حوله عشرات الاتهامات بالفساد والتربح وإهدار أراضي الدولة، ومفيد شهاب وأنس الفقي وعائشة عبدالهادي صاحبة أسوأ مشهد في الحياة السياسية حين سارعت وانحنت أمام سوزان وبسرعة البرق إلتقطت يدها وطبعت عليها »قُبلة« بينما وقفت سوزان مبارك راضية بما حدث في مشهد يكاد يقترب مما يفعله الرعايا بملكتهم!.. أيضا تشمل القائمة د. حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق وعبدالرحيم شحاتة وزير التنمية المحلية الأسبق الذي تولي محافظا للقاهرة والجيزة لسنوات طويلة.. كما تدخلت سوزان مبارك في تعيين المحافظين، وكان لها مع المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية حكايات.. فقد كان محافظا للمنوفية وحدث صراع عنيف بينه وبين كمال الشاذلي الرجل القوي في الحزب الوطني علي مدي ربع قرن، وكاد الشاذلي ينهي علي عدلي حسين لولا تدخل سوزان التي انحازت له وأنقذته من مقصلة الشاذلي. هذه هي سوزان مبارك التي عاشت ملكة في زمن الجمهورية.. تأمر وتنهي.. في موكبها ينحني الوزراء .. وفي كل حكومة تختار ماتشاء من الوزراء.. وفي النهاية أرادت توريث مصر لابنها الأصغر جمال مبارك.. إنها المرأة التي أفسدت بلدها ودمرت أسرتها.. كانت ملكة علي العرش.. بدأت حياتها بوظيفة لايزيد دخلها علي أحد عشر جنيها.. وانتهت حياتها بثروة تقدر مابين ثلاثة إلي خمسة مليارات دولار..