من الآن فصاعداً، إن كنت عاطلاً ليس عليك سوي توفير مبلغ بسيط لشراء كمية من دود الأرض المعروف باسم "الكمبوست"، مثلما فعل الشاب المصري »وليد علي» مع مجموعة من أصدقائه، قرأوا بعض الأبحاث عن هذه الدودة التي تتغذي علي المخلفات وتنتج سماداً عضوياً يستخدم في أغراض الزراعة. استوردوها من الخارج ونفذوا الفكرة في منطقة بهتيم (شمال القاهرة)، وبدأوا في جني ثمار المشروع الذي اعتبروه فرصة حقيقية للقضاء علي البطالة. الباحث الشاب وليد علي خاض تجارب عديدة، في سبيل الاستفادة من المخلفات عبر إعادة تدويرها، والتي كان أبرزها اشتراكه مع مجموعة من الباحثين في ابتكار أول وحدة تدوير منزلية لمخلفات الصرف الصحي في العالم، لكنه توقف أخيراً عند محطة جديدة، قال إنها "ربما تحل مشاكل الزراعة في مصر وترفع من إنتاجية المحاصيل، وكلمة السر: (دودة الكمبوست)". مكان المشروع ليس مزرعة للديدان بالمعني الذي قد يتبادر إلي ذهنك، لكنه مكان صغير عبارة عن محل في طابق أرضي داخل عمارة سكنية، لا تزيد مساحته عن 50 متراً مربعاً. قُسمت أركانه إلي أرفف بداخل كل منها صندوق طولي تعيش فيه آلاف الديدان الصغيرة التي تتغذي علي مخلفات البيوت والشوارع، وتتكاثر في سرعة فائقة، وتنتج سماداً عضوياً يتهافت علي شرائه المزارعون لجودته ورخص ثمنه. جولة سريعة ل"آخرساعة" في أرجاء المكان، عسكت حجم النشاط والروح الجماعية التي يعمل بها أعضاء الفريق المكوَّن من خمسة أفراد. كل واحد منهم له دور يقوم به، والمكسب في النهاية يقسَّم بينهم، فبخلاف الباحث وليد علي، يضم الفريق الدكتور وائل جابر (كيميائي) هو المسؤول عن الإدارة والبحث والتطوير، والباحثة نهال جمال المديرة التنفيذية ومسؤولة التصميم والدعاية، ووائل يحيي مسؤول المبيعات، وحسام المحلاوي المسؤول عن الشؤون القانونية. يقول وليد علي: "دودة الكمبوست مستوردة من أستراليا، وعمر هذا المشروع أقل من سنة، حيث بدأناه في مايو 2017، من خلال تدشين هذه المزرعة الصغيرة، وبدأنا ب200 دودة فقط علي سبيل التجربة، ومن خلال ما تابعناه من أبحاث علمية علي الإنترنت بخصوص هذه الدودة عرفنا أنها تتغذي علي مخلفات الصرف الصحي، لكننا اكتشفنا مع الوقت أنها تتغذي علي المخلفات العضوية والزراعية والحيوانية عموماً، وسرعتها علي التكاثر غير عادية، إذ يمكن أن تصل إلي نحو 10 أضعاف سنوياً". وبحسب وليد فإن سعر الدودة الواحدة جنيه فقط، وزاد الطلب عليها كمشروع استثماري لا يتطلب رأسمال كبير، فمشروع صغير من هذا النوع يكفي لإطلاقه 100 دودة فقط. يواصل: "بعد 3 شهور من بدء المشروع عملنا علي فرز الديدان فاكتشفنا تضاعف العدد إلي 7 آلاف دودة، وأشركنا معنا جهات أخري في المشروع مثل الجمعية المصرية للطاقة المتجددة ممثلة في الدكتور وائل جابر، وجمعية عين البيئة، ووصلت الطاقة الإنتاجية إلي 25 ألف دودة"، مؤكداً: "بدأنا نحصد ثمار المشروع في شكل عوائد مالية جيدة، وإذا تم التوسع في المشروع سيُدر دخلاً بآلاف الجنيهات". أما هدف المشروع، حسبما أكد أعضاء الفريق ل"آخرساعة" هو تدوير المخلفات في منطقة بهتيم، التي تنتشر فيها أكوام القمامة بشكل كبير وخاصة أسفل الكوبري الدائري، ومن ثم الانتقال لاحقاً إلي منطقة قليوب، وصولاً إلي تعميم الفكرة في كل محافظات مصر، وتكريس فكرة تدوير المخلفات، التي من بينها أيضاً قش الأرز أحد المخلفات المهمة التي تتغذي عليها هذه الديدان، وبالتالي يتم تجنب عمليات حرقه وما يتسبب فيه من تكرار مشكلة السحابة السوداء الملوثة للبيئة. كيف لمشروع كهذا أن يسهم في القضاء علي البطالة؟ كان هذا هو السؤال المحير بالنسبة لنا، لكن منفذي الفكرة حسموا الإجابة بحسبة بسيطة: سعر طن السماد المستخرج من دودة الكمبوست 8 آلاف جنيه، ويحتاج ذلك إلي نحو 180 ألف دودة لإنتاج هذا الطن. لا تقتصر فئة المستفيدين من مشروع استثماري كهذا علي الشباب فقط، بل تمتد إلي ربات البيوت في منازلهن، وهو ما طبقته بالفعل بعض السيدات اللواتي اشترين كميات محدودة لتربيتها في المنزل لتتغذي علي مخلفات المطبخ كبواقي الطعام وقشور الخضر والفاكهة، وفي نهاية كل شهر تبيع ما نتج عن الدود من سماد عضوي، والاستفادة من زيادة كميات الديدان في إنتاج كميات أكبر من السماد لاحقاً، أو العمل علي بيعها لآخرين لبدء مشروع مماثل يدر دخلاً شهرياً ثابتاً يتضاعف مع زيادة كمية الديدان. ولا يتطلب إنشاء وحدة تدوير منزلي سوي شراء 200 دودة ب200 جنيه فقط، توضع في صندوق صغير في حجم صندوق الفاكهة، ويوضع مع الدود كمية من قش الأرز والكرتون ثم البدء في تغذيته بمخلفات المطبخ مثل قشور الخضراوات والفواكه، والأهم أن هذه الدودة آمنة للغاية، ولا يسبب وجودها في البيت أي أضرار صحية، كما يمكن وضع هذا الصندوق في بلكونة المنزل. يقول مسؤول المبيعات في الفريق وائل يحيي: تلقينا عروضاً من بعض الدول العربية لإنتاج سماد الفيرميكمبوست، الذي يصلح لاستصلاح الأراضي الزراعية، نظراً لاتجاه الدول وخاصة المتقدمة لزراعة المحاصيل "الأورجانيك" من دون سماد كيماوي، لتجنب انتشار الأمراض الخطيرة مثل السرطان. تتوافر داخل المزرعة آلات بسيطة للغاية منها آلة ابتكرها الفريق لفرز الديدان بشكل دوري وفصلها عن المخلفات والسماد العضوي، وتشبه "الغربال" ويتم تحريكها يدوياً لعزل الديدان وحدها تمهيداً لبيعها أو دمجها في وحدة أخري داخل المزرعة، ويمكن الاعتماد عليها في المنازل أيضاً لتسهيل علمية الفرز بالنسبة لربات البيوت اللواتي خضن هذا المشروع. أثناء تواجدنا في المزرعة تعرفنا علي شخص يدعي أحمد السمان وهو ممثل إحدي جمعيات تنمية المجتمع في "منشأة برديس" بمحافظة سوهاج، حيث قال ل"آخرساعة": علمت بالفكرة بمحض الصدفة من خلال الصفحة التي أنشأها الفريق علي موقع "فيسبوك" ووجدت أنها فكرة مناسبة جداً لربات البيوت في الصعيد، ممن يردن الحصول علي دخل، وبدلاً من الحصول علي قرض لعمل مشروع يمكن بمبلغ بسيط جداً أن تبدأ السيدة هذا المشروع في البيت وتصبح سيدة منتجة خاصة إذا لم يكن لها دخل مناسب تتعيَّش منه. يواصل: تابعت تعليقات من نفذوا الفكرة في منازلهم ووجدت أنها إيجابية للغاية، ولذلك قررت أن أتبني الفكرة من خلال الجمعية التي أعمل فيها في سوهاج، وأن يكون مشروع تربية دودة الكمبوست أحد مشروعات الجمعية لدينا، فهو مشروع خيري جيد، ويعزز فكرة الأسر المنتجة التي كانت موجودة بكثافة في مصر منذ سنوات، وأنا شخصياً متفائل بالفكرة وواثق أنها ستنتشر خاصة في أوساط الشباب الباحث عن فرصة عمل، وستحقق نجاحاً كبيراً وتدر دخلاً مناسباً لكل من فكر في خوض التجربة.