سعدت لإصدار المادة الجديدة لتجريم التمييز في قانون العقوبات، لكن ذلك أثار بذهني سؤالين موازيين : لماذا لم يصدر مع هذه المادة مواد وقوانين أخري مكملة (كدور العبادة المعدل وغيره) لعلاج المشكلة جذريا، أو علي الأقل بشكل أوسع وأشمل بما يؤدي في النهاية لتراجع مظاهر الفتنة الطائفية والقضاء عليها، وحتي يعود شعب مصر متسامحا طيبا متآلفا ومتكافلا ومقتسما ل"اللقمة" كما كان علي مر العصور؟!.. والسؤال الثاني: لماذا يعجل الحاكم دائما بإصدار القوانين عندما يحتاجها أولا لعلاج الأزمات والحالات التي تزعجه، ولا يسرع في القوانين التي تريح المواطنين وتحقق مصالحهم.. وقد تكون الشهور السابقة من الفترة الانتقالية الحالية خير دليل علي ذلك.. فكثير من الأمور العاجلة الخاصة بالمواطنين من البسطاء والفقراء ومحدودي الدخل تترك وتؤجل لكي يتم علاجها بعد الفترة الانتقالية علي الرغم من أنها تؤجج وتعطل، وقد تهدد أهداف المجلس العسكري نفسه وحكومته، والتي أعلن عن نيته تحقيقها خلال إدارته المؤقتة.. (1) هذه الملاحظة يؤكدها مالم يصدر من قوانين وقرارات بتحديد حد أقصي للمرتبات، واستخدام فائضها لزيادة الحد الأدني، وهذا الفائض مع المليارات التي تدفع للمستشارين دون حق غالبا يكفي الفروق تماما، ولن يضع أي أعباء علي موازنة الدولة، رغم الاعوجاج في كثير من بنودها.. ويساهم في تأكيد الملاحظة أيضا ماصدر قبل ذلك من قوانين لصالح الحكم والإدارة وبسرعة وإصرار وعلي غير رغبة الشعب، ومنها قانون تجريم التظاهر والطلبات الحياتية العاجلة والتي قامت الثورة أساسا لعلاجها ( هل نجرم من يطلب حقوقه أو يقول آي لوجيعة تؤلمه في وقت يري الجميع البطء والتدليل وترك الكثيرين من رءوس الفساد تمرح وتقوي وتهدد بعودة خطر الفساد والتدني لمكانة مصر الذي حققه الحكم البائد؟).. في كل الحالات ومن باب الإيجابية ينبغي أن نشكر المجلس العسكري علي إصدار هذه المادة لتجريم التمييز وإن كنا نؤكد أنها لا تكفي، وأنها تعالج الشكل أكثر من الجوهر والمضمون في أزمة خطيرة كهذه، خصوصا أنها مشكلة رئيسية وحاكمة للسلام الاجتماعي لمصر، وقد تضخمت بفعل فاعل وبشكل غير طبيعي بسبب استخدامها كلعبة (لكنها لعبة خطرة للأسف) من جانب الحكم السابق، وعاونه في ذلك للأسف أيضا بعض قيادات مسيحية وكانت للأسف ثالثا مصلحة الطرفين دون مصلحة مصر تغذي هذه الظاهرة وتنميها دون مراعاة أو حتي إدراك حقيقي لخطورتها البالغة علي كيان ووجود مصر.. اللهم إلا إذا كانت تلك المصلحة الضيقة المتبادلة هي في تفتيت مصر ذاتها، وهذا أمر خطير نستبعده، لكننا لايمكن بالضرورة أن نستبعد بحثه وعلاج أسبابه قبل أن ننزلق إليه دون قصد أو يحدث رغما عنا بفعل ضغوط ومصالح أعدائنا استغلالا للتوهان وعدم التركيز وسط الزحام الذي لا يتيح اتساع النظرة والخيال الكافي للحفاظ علي تماسك أعرق دولة في التاريخ الإنساني! ونعود للسؤال: هل تنحصر مظاهر التمييز الضارة جدا بمصر أو تتوقف علي التمييز الديني فحسب؟.. (2) إننا نود القضاء علي كل أنواع الظلم والتمييز ضد إخوتنا المسيحيين إلي الدرجة التي تصل بهم إلي الرضا الوطني الكامل.. كما نود القضاء علي كل أنواع الظلم والتمييز ضد كل المواطنين بما يصل بهم أيضا للرضا الوطني الكامل، بعيدا عن النظرة الطائفية أو الفئوية أو الأنانية الضيقة لأي الأطراف بصرف النظر عن التعداد أو من قبل من، وغيرها من المبررات الشكلية الصغيرة، خصوصا أن كثيرا من المسلمين هم من أصول مسيحية أسلمت بعد دخول الإسلام إلي مصر.. فمن يعقل أن الغالبية الكبري حاليا من المسلمين هي نتيجة هجرات أو زيادة معدلات مواليد للقلة المسلمة التي فتحت مصر دون زيادة تقابلها من أغلبية مسيحية من سكان مصر حينها؟.. الأهم من هذه التفاصيل الصغيرة لماذا نتناسي أنواع التمييز الأخري التي مارستها أنظمة الحكم السابقة لمصلحتها فقط، وهذه الأنواع من التمييز مازالت مستمرة ومؤثرة حتي الآن.. ولا أعرف إن كانت تلك الأنظمة لم تدرك ذلك التأثير المدمر للمجتمع ولتقدمه ولتطور إنتاجه وإبداعه ولكل شيء إيجابي فيه..؟! (3) إلي جانب استكمال القوانين اللازمة لمعالجة التمييز الديني لماذا لا تصدر قوانين ثانية لمنع مظاهر التمييز الأخري بالمجتمع.. لنأخذ نموذجاً لا يظهر علي السطح لكنه يؤثر في بنيان المجتمع وفي كفاءته ومستقبله بشكل كبير.. إنه التمييز القبيح وغير الأخلاقي الذي يمنح للعاملين بمختلف الوظائف والمهن بالمجتمع ممن يتم تجنيدهم من جانب أجهزة الأمن السياسي من أمن دولة ومخابرات وغيرها داخل مصر وهم غير العاملين أصلا بهذه الأجهزة ونحترم عملهم بالطبع وكلنا نعرف ما تؤدي إليه هذه العلاقات والخدمات لصالح الحاكم واستمراره دون النظر لإرادة الشعب من تمييز لهم بمنحهم أعلي المناصب والأموال والتيسيرات.. وهذه الخدمات يقدمونها بالطبع ضد زملائهم وضد مهنهم وضد فئات الشعب التي يعملون أو يندسون وسطها.. ألم يتأكد للجميع أن كل تلك الجهود والأعداد الهائلة من أفراد الأمن العلني والسري والميزانيات الضخمة المخصصة لها هي من العوامل الرئيسية التي "جابت مصر ورا" ؟!.. والحل بالطبع أيها السادة هو احترام حقوق جميع المصريين وعدم التمييز بين أحد منهم، أيا كان السبب وأن يكون اعتماد أمن الحاكم علي العدالة والإنجاز ونوال رضا الشعب بدلا من أساليب التجسس وخلق العداوات وبث الفساد بين أفراد وفئات المجتمع.. وقد اتضح جليا أن عمليات إفساد الشعب والإيقاع بين فئاته خلال العقود السابقة كانت ممنهجة ومنظمة من أجل استمرار فئة معينة في السيطرة علي الحكم دون مراعاة مصلحة مصر ودون التأثر بتراجع مكانتها أمام تقدم الآخرين من حولنا، بينما حكامنا غارقون في وهم أن مصلحة مصر هي في استمرار حكمهم وحكمتهم الفريدة وغير المتوافرة في غيرهم.. فهل يصعب علي أجهزة الحكم الحصول علي المعلومات التي يحتاجونها من داخل المجتمع من خلال العاملين الشرعيين بتلك الأجهزة، مع استخدام طرق طبيعية وإعمال الفكر البحثي والإبداعي الإيجابي بدلا من طريقة "بتوع البطاطا" وتجنيد الأخ ضد أخيه والجار ضد جاره والزميل ضد زميله بما يخرب العلاقات والأعمال من داخلها. (4) مؤكد أنه لايوجد في مصر من لا يعرف أن تمييز المنافقين والمتعاونين مع أجهزة الأمن لصالح الحاكم وضد مصلحة الشعب كان يتيح لهم الحصول علي المناصب ومواقع القيادة والدخول المرتفعة وغيرها من امتيازات.. ومن المؤكد أيضا أنه لايزال معظم هؤلاء في مواقعهم الحيوية التي قد تؤثر علي مستقبل مصر وعلي ما تستهدفه الفترة الانتقالية للوصول إلي حكم مدني يهدف الي إعلاء قيمة القانون ويجعل ال58 مليونا أمامه سواء بمن فيهم رئيس الدولة نفسه، كما يهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية، وهؤلاء العملاء المتميزون يمثلون خطرا أيضا علي كل من انتخابات البرلمان والرئاسة، وذلك بتوافر الفرصة أمامهم لتهيئة أوضاع لا يمكن أن تؤدي سوي لنتائج محددة سلفا ولنوعية من الفائزين دون غيرهم، وبمعني آخر فرصتهم متاحة لتكرار أساليب العهد البائد وإعادة إنتاج نفس الفساد ونفس التكوين المسيطر علي الحكم دون شرعية حقيقية ودون إرادة من الشعب مما يهدد باستمرار الأجواء في مصر بين الثورات والثورات المضادة.. فمن يستطيع أن يؤكد لنا عدم وجود هذه الأعداد الكبيرة التي جندها الأمن سابقا في المواقع الحيوية.. خصوصا أننا نعلم يقينا أنه مازالت توجد نماذج صارخة من هؤلاء في مواقع حيوية كالصحافة والإعلام والجامعات والقضاء وغيرها من المواقع المؤثرة فيما سيذهب إليه مستقبل مصر القريب؟! .. فمتي نتعلم من تجارب من سبقونا في التقدم والنهوض الحقيقي، ويشعر الرئيس أنه كالمرءوس دون تعال ودون استئثار أو استبداد أوظلم كصفة وحيدة حرمها خالق الكون علي نفسه، وبالرغم من ذلك يستحلها الحكام المستبدون لأنفسهم.. لنترك الغرور ولنرتفع بأنفسنا فوق الأنا وشخصنة المصالح، ولنترك أساليب "بتوع البطاطا" التي عفي عليها الزمن، وليعتمد حاكمنا المدني المقبل مهما كانت الفئة القادم منها علي الكفاءة والعدل والمساواة؟! عفوا.. الأرقام تداخلت عذرا عزيزي القارئ.. حدث خطأ عفوي في مقال الأسبوع الماضي "حسين سالم نهب وحده نصف قروض أكبر بنكين في مصر". حيث تداخلت الأرقام بسبب تقني بحت ينتج من نقل الكلام المكتوب علي الكمبيوتر (I.B.M) لأجهزة (Apple) المتخصصة في الطباعة فينقلب الرقم المتضمن كسورا عشرية ليأتي الرقم الصحيح يمينا مكان الكسر ويصبح الكسر هو الرقم الصحيح وتصادف أن كان المقال مليئا بأرقام المليارات وكسورها، التي لا يمكن تجاهلها لأن كسور المليارات هي مئات الملايين.. ولم يكن ممكنا علي أحد غير الكاتب اكتشاف التداخل وكنت طريح الفراش، فأرجو المعذرة.. وعلي ذلك يجب التنويه وتصحيح أهم هذه الأرقام وإيجاز مغزاها كالتالي: بلغ إجمالي القروض التي حصل عليها حسين سالم الصديق المقرب جدا من الرئيس المخلوع أكثر من 13 مليار جنيه.. وهو ليس فقط أكبر حجم من القروض يعطي لرجل أعمال، إذ ظللنا نعتقد أن أحمد عز وأمثاله ممن حصلوا علي قروض بين 3 إلي 6 مليارات هم أكبر من حصلوا علي قروض من البنوك المصرية وإنما هذا الرقم هو أكبر قرض يقدم لعميل واحد في تاريخ البنوك المصرية علي الإطلاق.. ومن هذا المبلغ قروض من البنك الأهلي وحده حوالي 52 مليار جنيه تمثل أكثر من ربع قروض البنك الأهلي لجميع عملائه في تلك الفترة وتزيد علي مجموع القروض التي حصل عليها أكبر 62عميلا للبنك مجتمعين وقد حصلوا علي ما مجموعه حوالي 02 مليارا.. وبلغت القروض التي حصل عليها "نديم مبارك" من بنك مصر 4 مليارات جنيه.. والغريب أنه لم يسدد معظم هذه المبالغ للبنكين، وكانت طريقته في السداد الشكلي هو الحصول علي قرض جديد لسداد قرض قديم دون رد ما أخذه أصلا وهكذا.. وقد كانت معظم القروض دون ضمانات كافية أو بضمانات وهمية كأراض منحها له مبارك أو لعلاقته به ولا تكون ملكيته لها نهائية، ولم يكن لأي بنك أن يوافق علي مثل هذه القروض أبدا إلا بسبب الرئيس المخلوع.. مما يفهم منه ضمنيا أن المقترض الفعلي يعتبر مبارك نفسه، وخاصة بعد أن ضم كلا من البنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات لتبعية رئاسة الجمهورية مباشرة وجعل ابنه جمال مسئولا مباشرا بالمركزي وممثلا له بمجالس إدارات بنوك أخري، كما لم يشر أو ينبه أي من جهاز المحاسبات أو البنكين الكبيرين لهذه القروض بالغة الضخامة، واضطرار البنكين لسداد جزء كبير منها من أموالهما وأموال المودعين.. وتمثل المبالغ التي لم يسددها حسين سالم لبنكي الأهلي ومصر نصف مجموع ما خصصه البنكان لتغطية ديونهما من جميع عملائهما من شعب مصر "بأجمعه"!