أعمال عنف هي الأسوأ منذ سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث ارتقي ثلاثة شهداء فلسطينيين برصاص الاحتلال في مواجهات إثر تركيب تل أبيب أجهزة للكشف عن المعادن علي مداخل المسجد الأقصي، وهو ما يعتبره الجانب الفلسطيني واحداة من سلسلة إجراءات خبيثة لتهويد المدينة، فيما قُتل 3 إسرائيليين طعناً في إحدي مستوطنات الضفة الغربية. من جانبه أمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتعليق كل الاتصالات الرسمية مع إسرائيل إلي أن تزيل أجهزة الكشف عن المعادن. علماً بأن الاتصالات الحالية مقتصرة إلي حد كبير علي التعاون الأمني. وقال عباس في كلمة بثها التليفزيون "أُعلن تجميد الاتصالات مع دولة الاحتلال، وعلي كافة المستويات لحين التزام إسرائيل بإلغاء الإجراءات التي تقوم بها ضد شعبنا الفلسطيني عامة ومدينة القدس والمسجد الأقصي خاصة، والحفاظ علي الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصي". وكانت الاشتباكات اندلعت في وقت سابق بين المصلين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية. وتزايدت التوترات منذ أيام مع رشق الفلسطينيين الشرطة الإسرائيلية بالحجارة واستخدام الشرطة قنابل الصوت بعد تركيب أجهزة لكشف المعادن خارج الحرم القدسي الشريف بعد مقتل شرطيين إسرائيليين في 14 يوليو الجاري. ورغم الضغوط الدولية لإزالة أجهزة كشف المعادن قررت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الإبقاء علي الأجهزة تحت ذريعة أنها ضرورية لمنع تهريب الأسلحة للحرم. الحياة اليومية كما هو معروف عن إسرائيل منذ نشأتها فإنها تطبق المثل العربي الشائع "ضربني وبكي ثم سبقني واشتكي" حيث إنها تسارع بوصف أي عمل ضد قوات احتلالها بأنه عمل من أعمال "الإرهاب"، وتتجاهل حقيقة أن هذه الواقعة وغيرها من الأحداث المماثلة هي رد فعل علي واقع أعنف يتعرض له الفلسطينيون علي نحو يومي من قبل السلطة القائمة بالاحتلال. صورة الحياة اليومية للفلسطينيين مليئة باليأس المطلق في مواجهة التدهور المستمر للأوضاع علي أرض الواقع، والمتمثل في جملة من الانتهاكات، كالاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، والعمليات العسكرية المتكررة، والسياسات الإسرائيلية التمييزية والقمعية والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني. وقبل رفع الصوت عاليا ضد "الإرهاب" الفلسطيني المزعوم، يجب علي تل أبيب والمجتمع الدولي بأكمله أن ينظر في الظروف التي سمحت بتهيئة مثل هذه الأعمال. يواجه الفلسطينيون العنف بمجرد وضعهم الأقدام في الشارع، فالاحتلال الإسرائيلي عمل علي خلق وضع يعرِّض السكان المدنيين لمواجهة واسعة وقوية ومستدامة من قبل قوات جيشها المدجج بالسلاح. وكسلطة احتلال، تتواجد إسرائيل في الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني في الأراضي المحتلة، بما في ذلك في القدسالشرقيةالمحتلة. وعليه يواجه الفلسطينيون الإجراءات التي يمليها الجنود علي أساس يومي في القدسالشرقية (كما هو الأمر في الضفة الغربية). ويحرس الجنود المدججون بالسلاح و"الحرس" وضباط الشرطة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأحياء الفلسطينية، والمواقع الدينية مثل المسجد الأقصي، ومداخل البلدة القديمة. لا سيما بوابة دمشق التي أصبحت مثالا للعسكرة، التي تحيط بها فرق من الجنود والشرطة، ويتجولون أحيانا علي ظهور الخيل، و"كاميرات المراقبة" تراقبهم. ومع استمرار هذا المشهد يخضع الفلسطينيون، بينهم أطفال صغار وكبار السن، يوميا إلي "التفتيش الأمني"، وغالبا ما يواجهون تصرفات مشينة من قبل القوات الإسرائيلية كالتخويف والتهديد والمضايقة والعنف. وردا علي تصاعد العنف منذ سبتمبر عام 2015، أصدرت إسرائيل قوانين جديدة تقر من خلالها بالسماح لقوات الاحتلال بإطلاق النار علي أي شخص تري أنه يشكل تهديدا علي حياة طرف آخر، علاوة علي الموافقة علي تسليح المدنيين الإسرائيليين اليهود. عمليات الجيش الإسرائيلي تخترق المجال العام والخاص للمواطن الفلسطيني، وتقوم يوميا بتصرفات بوليسية تضيِّق الخناق علي الفلسطينيين، فالجنود يحتلون نقاط التفتيش، ويقومون بمسارات دورية، ويفتشون المنازل والهيئات للبحث عن الأسلحة أو أشياء مشبوهة أخري. مما ولّد لدي الكثير من الفلسطينيين الشعور بالتهديد بسبب الوجود العسكري الدائم، وخصوصا في ظل ارتفاع عمليات القتل خارج نطاق القضاء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. من جهة أخري وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، تشن إسرائيل غارات عسكرية وعمليات واسعة النطاق في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أسفر عن مقتل مدنيين وهدم البنية التحتية وتدمير المؤسسات العامة، والمنازل، وذلك تحت ذريعة مواجهة التهديدات المزعومة وهجمات المتشددين. ولا يخفي علي أي مراقب عدم التكافؤ في القوة بين الاحتلال العسكري الإسرائيلي والفلسطينيين والاستخدام غير المتناسب للقوة ضدهم. فعقب هجوم الشاحنة الذي شهدته القدس عام 2015، فرضت إسرائيل العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في انتهاك واضح للقانون الدولي، فقد جاء الرد الإسرائيلي علي الهجمات باقتحام قوات الاحتلال حي القدسالشرقية من جبل المكبر، وشنت حملة اعتقالات وفرضت الحصار عن طريق إغلاق قبالة المدخل الرئيسي للحي بكتل الإسمنت و"السيطرة علي حركة المرور" في مداخل أخري. وفي الوقت نفسه، قامت قوات بحراسة مسيرة نظمها المستوطنون الإسرائيليون وحملوا خلالها شعارات تحريضية. ومع فرض إسرائيل العقاب الجماعي المتكرر علي أصحاب الأرض الأصليين، غالبا ما تصاحبه عمليات التوغل العسكري وهدم المنازل والأبنية الأخري، والاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين الأبرياء. وعلاوة علي العنف غير المتناسب الذي تنفذه بشكل مباشر القوات العسكرية الإسرائيلية، تستمر إسرائيل في التوسع الاستيطاني غير القانوني، بالاستمرار في تشييد المستوطنات غير القانونية وجدار الفصل العنصري، إلي جانب استغلال الموارد الطبيعية، وارتكاب انتهاكات قانونية أخري (مثل الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة) والقهر الاقتصادي، وفرض قيود علي حركة الأشخاص، والتهديم المتكرر للمنازل وتدمير البنية التحتية، والإنكار المستمر لحق العودة للاجئين والنازحين الفلسطينيين. كل هذه الممارسات أدت إلي تفاقم العنف الذي يواجهه الفلسطينيون. كما تحرم هذه الإجراءات الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وتحبط الجهود الدولية المبذولة من أجل تحقيق سلام عادل وشامل ودائم علي أساس حل الدولتين بدعم من الأممالمتحدة. ويصبح مشهد الاحتلال أكثر تعقيدا لفقدان الحلول وفرص التغيير الفعال، حيث يعاني الشعب الفلسطيني يوميا من فشل جهود الأممالمتحدة والمجتمع الدولي وعجزهم عن اتخاد إجراءات فعالة، فعلي أرض الواقع لا تواجه إسرائيل أي عقوبات من المجتمع الدولي، رغم عدم امتثالها لقرارات الأممالمتحدة واستمرارها في انتهاكاتها السافرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي . وعلي الرغم من ذلك، تبقي العديد من الدول علي التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي وحتي الأيديولوجي، وعلي رأس هؤلاء الولاياتالمتحدةالأمريكية. الانتقادات الدولية تقتصر علي الهجمات الفردية والمعزولة لبعض الأفراد الفلسطينيين علي حساب العنف المستمر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما يدفع بعض الفلسطينيين لارتكاب أعمال العنف.. أحد المواطنين الفلسطينيين من مدينة الخليل وصف الوضع علي النحو التالي: "يشعر الناس أنهم يفتقدون للحماية، فلا اتفاقات حماية، ولا وجود فعلي للسلطة الفلسطينية. أما المجتمع الدولي، وتحديدا الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهم لا يهتمون بهذه المسألة ولا يدرجونها في جدول أعمالهم ولا يتخذون قرارات صارمة بشأنها ناهيك عن التماطل في الانتقال إلي الخطوة التالية من أجل حل الدولتين. لهذا فقد المواطنون الأمل وتعبوا من شرح أسباب إقدام بعض الفلسطينيين علي القيام بهجمات فردية، المواطنون يعانون نفسيا ويعانون من يومياتهم، كما تعلمون، في كل عشرة كيلومترات تصادفك نقاط التفتيش، الناس هنا أصبحوا يفكرون بهذه الطريقة: أنت تريد أن تتنفس، تريد أن تثبت أنك موجود، يجب علينا أن نشعر بأننا بشر. نحن لسنا حيوانات... " "لماذا يعاملنا الاحتلال بهذا الشكل؟ " تشديد الخناق في ظل الاحتلال الإسرائيلي والشعور باليأس بسبب تخلي المجتمع الدولي عن القضية وضعف القيادة الفلسطينية، دفع الفلسطنيين إلي ارتكاب أعمال عنف فردية للمقاومة ضد النظام الظالم. طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي، ستستمر مقاومة الفلسطينيين للعنف الذي يواجهونه. ومن أجل وضع حد لسفك الدماء في المنطقة، علي إسرائيل أن تتوقف عن ممارساتها غير المشروعة ". ويؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة مرة أخري موقفه بالتذكير بأنه علي الأممالمتحدة والمجتمع الدولي أن يبذلا كل جهد ممكن لتحقيق السلام الحقيقي في فلسطين، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون ممارسة الشعب الفلسطيني لكامل حقوقه غير القابلة للتصرف بما في ذلك الحق في تقرير المصير، والحق في العودة للاجئين، والحق في إقامة دولة مستقلة. مزيد من التوضيح للأسف الشديد تختلط الأمور في أذهان بعض المسلمين بشأن المسجد الأقصي، فمنهم من يعتبر أن الأقصي هو ذلك البناء ذو القبة الذهبية، والبعض الآخر يظن أن الأقصي المبارك هو ذلك البناء ذو القبة الرصاصية السوداء، ولكن مفهوم الأقصي الحقيقي هو كل ما يقع داخل السور الذي يحيط بساحة الأقصي وما بداخلها. ولمزيد من التوضيح ومنعاً للبس ، فإن المسجد الأقصي هو أولي القبلتين وثالث الحرمين ويقع داخل الحرم القدسي الشريف، حيث ظل علي مدي قرون طويلة مركزا لتدريس العلوم ومعارف الحضارة الإسلامية. ويقع المسجد الأقصي علي تلة في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة "البلدة القديمة"، التي تقع شرقي القدس في الضفة الغربية، ويبلغ طول سور المسجد حوالي 144 كم متر مربع. ويعرف المسجد الأقصي بأسماء متعددة ، تدل كثرتها علي شرف وعلو مكانة المسمي، وقد جمع للمسجد الأقصي وبيت المقدس أسماء تقرب من العشرين أشهرها المسجد الأقصي وبيت المقدس وإيلياء. ويبلغ عدد أبواب المسجد الأقصي 14 بابا، 4 منها مغلقة، فيما استولت إسرائيل علي مفاتيح باب حارة المغاربة منذ عام 1967، وتتحكم في فتحه وإغلاقه، حيث يعد هذا الباب هو أقرب الأبواب إلي المصلي الجامع، الذي يهدف اليهود إلي إزالته وبناء معبد يهودي مكانه. والأبواب المفتوحة للمسجد الأقصي هي باب الأسباط وباب حطة وباب العتم وباب الغوانمة وباب المطهرة وباب القطانين وباب السلسلة وباب المغاربة وباب الحديد وباب الناظر، وهي أبواب قديمة جددت عمارتها في العصور الإسلامية. ويملك المسجد الأقصي 4 مآذن يعود تاريخ إنشائها للعهد المملوكي، تقع 3 منها علي صف واحد غربي المسجد، وواحدة في الجهة الشمالية علي مقربة من باب الأسباط. أما "حائط البراق" فيقع في الجزء الجنوبي الغربي من جدار المسجد، ويبلغ طوله حوالي 50 مترا وارتفاعه حوالي 20 مترا، وهو جزء من المسجد الأقصي، في حين يطلق عليه اليهود الآن "حائط المبكي"، حيث يدعون بأنه الجزء المتبقي من الهيكل المزعوم.