صعوبة بالغة تشهدها المناقشات حول قانون "هيئة الخبرة القضائية"، في فصل الخبراء عن وزارة العدل، حيث أبدت الوزارة رفضها لخمس مواد من مشروع القانون المقدم من الخبراء، الذي يناقش حاليا باللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، والذي يجعل من الخبراء هيئة مستقلة بما يحقق استقلالهم بعيداً عن تبعيتهم للوزارة ماليا وإداريا وفنيا، بعدما عكف قطاع التشريع بوزارة العدل خلال شهر كامل علي إعداد مذكرة مكتوبة بأسباب اعتراضها علي تلك المواد، وتم تسليمها إلي البرلمان فيما قام نادي خبراء وزارة العدل بإرسال مذكرة للرد عليها. وتمثل أول الاعتراضات علي رفض وزارة العدل إنشاء هيئة مستقلة للخبراء، وتسميتها ب"هيئة الخبرة القضائية"، وبموجبها يتم فصل الخبراء عن وزارة العدل، وإنشاء هيئة خاصة بهم مستقلة ماليا وإداريا وفنيا، واستندت الوزارة في رأيها بوجود شبهة بعدم دستورية تحويل الخبراء إلي هيئة قضائية بالمخالفة للمادة (184) من الدستور، التي نصت علي أن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم باختلاف درجاتها وأنواعها ورد خبراء وزارة العدل في مذكرة لهم تم إرسالها إلي مجلس النواب للرد علي اعتراضات الوزارة علي مشروع القانون، بأن المادة 199 من الدستور أكدت استقلال الخبراء، بالنص علي أن الخبراء القضائيين وخبراء الطب الشرعي والأعضاء الفنيين بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية عملهم علي النحو الذي ينظمه القانون، مؤكدة أن الدستور خاطب السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب لإصدار قانون ينظم ما ورد في تلك المادة. أضافت المذكرة، أن قصد المشرِّع الدستوري من استقلال الخبراء القضائيين في نص تلك المادة كان واضحًا في أن يكون الاستقلال كاملا غير منقوص، وأن يكون كاملا "فنيا وإداريا وماليا" وهذا ما ورد صراحة بمضبطة اللجنة التأسيسية للدستور؛ إذ نصت علي أن يكون "الخبراء القضائيون مستقلين عن وزير العدل كسلطة تنفيذية أو عن أي رئيس تنفيذي.وأن خبراء العدل غير مستقلين من الناحية القانونية ويتبعون السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية، وفي ذلك مخالفة لاتفاقية مكافحة الفساد التي ستلجأ إليها مصر لاسترداد الأموال المهربة للخارج فقط. أما علي المستوي الدولي فتعد أحكامًا باطلة لأنها فقدت ما نصت عليه اتفاقية مكافحة الفساد من أن كل من يعمل في فحص وتحقيق تلك القضايا يكون مستقلا استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية، وأوضحت أن الاستقلال الذي أفرده الدستور للخبراء القضائيين استقلال في صورته الكاملة التي يجب علي المشرِّع النيابي وضعه في صورة هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية، استنادا إلي المادة 215 من الفصل الحادي عشر الخاص بالهيئات المستقلة للأجهزة الرقابية التي نصت علي "يحدد القانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية وتتمتع تلك الهيئات بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري"، بالتالي فإن الدستور لم يمنع إنشاء هيئات مستقلة. كما اعترضت وزارة العدل علي ما ورد بنص المادة 18 من مشروع القانون التي تنص علي "لا يسأل عضو الهيئة جنائيا أو عسكريا عن قراره أو عما قد يرد في تقاريره من أخطاء مهنية وتكون المساءلة تأديبيا وفقًا لهذا القانون، وبالنسبة للمساءلة المدنية فيسري عليهم أحكام دعوي المخاصمة المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، ورد الخبراء علي اعتراض الوزارة في مذكرتهم بأن عدم المساءلة عقبة إجرائية هدفها عدم التسرع في اتخاذ أي من الإجراءات الجنائية ضد أعضاء الهيئة إلا بعد الحصول علي إذن من جهة لا تسمح به إلا بعد التحقق من جديته وعدم وجود أي كيدية أو تعسف مما يوفر عنصر الأمان للأعضاء وحمايتهم من تنكيل الخصوم بهم، والمقصود بعدم المساءلة العسكرية فإنها أيضا عقبة إجرائية خاصة أن الخبراء يباشرون قضايا تكون وزارة الدفاع طرفا فيها، وهذا الإجراء يرتكن إلي أسباب عملية؛ حيث يقوم عضو الهيئة بإجراء المعاينات وتحقيق وقائع الدعوي الفنية والمادية وهي أعمال من المتصور فيها قيام من صدر التقرير ضده أن يكيد أو ينكل بالخبير الذي باشر هذه الدعاوي وبالتالي وجب علي المشرِّع حماية الخبير من المساءلة عن أعماله. واعترضت وزارة العدل، علي المادة 20 من مشروع القانون التي نصت علي "أعضاء الهيئة عدا معاوني الخبراء القضائيين غير قابلين للعزل إلا بالطريق الذي يقرره هذا القانون، وقالت إن نص المادة بأن جعل الخبراء القضائيين غير قابلين للعزل تمثل حصانة قضائية مقصورة علي القضاء والهيئات والجهات القضائية دون غيرها .. ورد الخبراء علي اعتراض الوزارة أن مفهوم نص المادة أرجع عدم قابلية أعضاء الهيئة للعزل إلي الإجراءات المنصوص عليها بالقانون، ولم يمنع العزل علي إطلاقه، كما أنه لم يعنِ ذلك حصانة قضائية ودستورية مطلقة وإنما هي حماية قانونية طبقا للمادة 199 من القانون، ويجد بالقانون النصوص المنظمة لعزل أعضاء الهيئة وطريقة تعيينهم. أما الاعتراض الرابع فكان بشأن أن القانون قصر علي المحكمة بأن يكون الندب لخبراء الهيئة فقط وأنه قيّد المحكمة بعدم الندب لأي جهة أخري، ورد الخبراء بأن مشروع القانون ورد في مادته الثانية بأن أرجع لجهات القضاء ندب أعضاء الهيئة أو غيرها حسب ما تراه المحكمة ولم يلزمها بانتداب أعضاء الهيئة فقط. بينما كان الاعتراض الخامس، علي أنه من المستقر عليه في محكمة النقض أن محكمة الموضوع غير ملزمة برأي الخبير الذي انتدبته ولكن لها أن تأخذ بما لها من سلطة في تقدير الأدلة تقرير الخبير الاستشاري دون أن تناقش تقرير الخبير المنتدب في رأيه المخالف له، ورد الخبراء بأن المادة 156 من قانون الإثبات نصت علي أن رأي الخبير لا يقيد المحكمة، والفلسفة في ذلك أن هذه المادة هي إعطاء فرصة للقاضي ألا يجبره الخصم علي الأخذ بتقرير الخبير بنص قانوني إلا إذا استجد بالأوراق في الفترة بين إعداد التقرير وصدور حكم نهائي دليل ما يخالف أو ما يغير ما وصل إليه الخبير، ويستطيع القاضي أن يعيدها للخبير لبحث المستجدات، وهي أيضا تبحث بمعرفة الخبير عليه، فإن الشق الفني في الدعاوي القضائية دائما لأهل الخبرة "الخبير القضائي". المهندس محمد ضاهر رئيس نادي الخبراء، قال إن خبراء وزارة العدل أجروا تعديلات جديدة علي قانون "هيئة الخبرة القضائية"، وأرسله إلي مجلس النواب موضحا أنه حذف وصف "قضائية" عن الهيئة المقرر إنشاؤها للخبراء، واستبدالها ب"المستقلة"، لتكون هيئة الخبرة المستقلة، بدلًا من هيئة الخبرة القضائية. ثانيا حذف مادة العزل محل الاعتراض من وزارة العدل واعتمدنا فيها علي أساس أن الخبراء الفنيين خاضعون لمجلس التأديب الذي يتولي تأديب الخبراء، وحذفنا مادة الحصانة من مشروع القانون التي كانت تطالب بأننا نعامل معاملة القضاة في الحصانة. وأضاف، نعمل من خلال القانون والظهير الدستوري ألا وهو دستور 2014 الذي نص علي استقلال الخبراء القضائيين في عملهم وينظم عملهم القانون، لذا فالقانون المقدم ليس بدعة جديدة مجرد ما صدر الدستور ونحن طالبنا بأن نكون مستقلين عن وزارة العدل والاستقلالية لأسباب لحيدة التقارير وعدم التدخل الفني من وزارة العدل بها سواء فنيا أو ماليا أو إداريا كما نصت المادة 199 من الدستور، مشيرًا إلي أن القانون الخاص بالخبراء هو من القوانين المكملة للدستور، ولا بد أن يصدق عليه مجلس الشعب. تابع، تقدمنا بمشروع القانون إلي عدة أحزاب إلي أن قدم إلي حزب الوفد الذي تقدم بالقانون إلي مجلس النواب وتبناه المستشار بهاء الدين أبوشقة وأعضاء الوفد وحوالي 67 عضوا آخر، وتقدم به إلي رئيس مجلس النواب الذي أحاله إلي اللجنة التشريعية لمناقشته التي عقدت أول جلسة مناقشة باللجنة التشريعية في شهر نوفمبر من العام الماضي ثم أعيدت مناقشته في 9 مايو الماضي وحضرت مندوبة وزارة العدل التي أبدت اعتراضها جملة وتفصيلا ورفض القانون برمته لأنه تشوبه عدم الدستورية لوجود مصطلح هيئة قضائية وما يتبعها من أمور وكان الرد عليها بأن الجهة التي تحكم بالدستورية من عدمه هي المحكمة الدستورية العليا وليست وزارة العدل فوزارة العدل خصمً. وقال ضاهر، إن الجهات القضائية السويسرية اشترطت استرداد الأموال المهربة باستقلال الأجهزة التي تحقق في تلك الأموال عن السلطة التنفيذية، فالمطالبة بالاستقلال حفاظا علي عودة الأموال إلي البلاد، ثالثا لضمان حيدة التقارير الفنية وعدم تدخل السلطة التنفيذية فالتدخل عندما يكون الترقيات والإجازات والمرتبات والنقل وكل ما يتعلق بشئون الخبراء يتحكم فيه وزارة العدل فيمكن في أي لحظة نقل الخبيرإلي أي مكان في حالة عدم الانصياع إلي وزارة العدل وحدثت وقائع عدة سابقة بهذا الشكل. ومن الناحية المادية، التي هي محل الخلاف مع وزارة العدل التي تحججت بعدم مقدرتها علي تخصيص ميزانية مستقلة، قال إن ميزانية الخبراء المخصصة سنويا والمقدرة ب 348 مليون جنيها بالتحديد هي ميزانية كافية للهيئة كما قررها القانون ولا نطالب بأي زيادة إضافة إلي توجيه مبلغ أمانات الخبرة لهيئة الخبراء التي تدفع في المحكمة التي تتراوح بين 200 الي 400 مليون جنيه سنويًا، والتي تخصص إلي صندوق الرعاية الصحية للقضاة في وزارة العدل لأن هذه الأموال ليست لها علاقة بالقضاة لأن القاضي يقول حكمت المحكمة بالحكم وعلي أطراف النزاع والمدعي إيداع أمانة علي ذمة أتعاب ومصاريف الخبير توضع بخزينة المحكمة دون قيد أو شرط وبالتالي لا أنتفع بها بل ينتفع بها القضاة. وتساءل قائلًا: "لماذا تغضب وزارة العدل من استقلالنا فنحن هيئة لها مواردها ولا تمت للوزارة بصلة؟"، مضيفًا إن القضاة عملهم القانون ونحن فنيون عملنا هو الناحية الفنية فلا يستطيع أن يصدر حكما في قضية إلا بتقرير الخبير بمتوسط سنوي من 400 الي 600 ألف قضية علي مستوي الجمهورية تهم حوالي 15 مليون متقاضٍ، كما أن الهيئة بها جهاز رقابي له كافة الصلاحيات وله حق عزل الخبير ومجازاته كيف يشاء، وهي نواحٍ فنية تمس 3600 خبير حسابي وهندسي وزراعي في 42 مكتبا علي مستوي الجمهورية، كما أن رئيس الهيئة لا يملك أن ينقل عاملا بل منوط بوزارة العدل، فاليد الأولي لوزارة العدل وأطالب بغل يدها عن مصلحة الخبراء حتي يستقل.