المسلمون كل عام ليلة القدر التي تأتي في العشر الأواخر من رمضان ونحتفل فيها بنزول الوحي علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، وهي الليلة التي وصفها الله سبحانه وتعلي بأنها "خير من ألف شهر"، ولذلك فإننا نكثر من الصلوات وقراءة القرآن والدعاء لأن أبواب السماء تكون مفتوحة في هذا اليوم. وإذا كان المسلمون يقدسون هذه الليلة فإن اليهود أيضا لهم بعض الأيام المقدسة التي يحتفلون فيها مثل عيد المشاعل الذي يملأ الأفق بالنيران والدخان ويتسبب في الكثير من الحرائق والحوادث. يحافظ اليهود علي الاحتفال بهذا اليوم ويسمونه عيد "لاج بعومر" وهو يوم يحتفل به اليهود في إسرائيل وتقاد فيه المشاعل في كل الأنحاء ويستمر إيقاد تلك النيران حتي ساعات الصباح الباكرة. ويقول د. أحمد إمام أستاذ الديانة اليهودية بكلية الآداب جامعة عين شمس إن لهذا العيد عدة أسباب أولها قائم علي حدث تاريخي منذ حقبة المشناة في اليهودية ووفق هذا التفسير يقال إن المتمردين أشعلوا منارات علي رؤوس الجبال للإبلاغ عن قيام الثورة وتعتبر منارات "لاج بعومر" هي ذكري لتلك المشاعل. أما السبب الثاني فهو مرتبط بشخصية من نفس الحقبة وهو الحاخام شمعون بار يوحاي، ففي القرن السادس عشر أجري مشعوذو صفد الاحتفال والإيقاد في ليلة "لاج بعومر" علي قبر شمعون بار يوحاي علي جبل الجرمق الذي يقع غربي الجليل، وسرعان ما أصبحت هذه العادة هي الحدث المركزي في "لاج بعومر". ويضيف: يرجع البعض الاحتفال بهذا اليوم إلي توقف العدوي التي انتشرت بين اليهود في القرن الأول ميلاديا وقتلت ما يقرب من 24 ألف شخص، لذا يتوقف أغلبية اليهود عن ممارسة تقاليد الحداد التي مارسوها منذ نهاية عيد الفصح. ويري الكثير من اليهود أن هذا الاحتفال هو لإحياء ذكري قربان "العومر" النباتي الذي قدمه اليهود في الهيكل. يجتمع الأطفال والشبان والبالغون حول هذه المشاعل ويذهبون في رحلات أو يقومون بحفلات شوي في الحدائق ويطهون البطاطا المحمصة. ويوضح د. إمام أن البعض يعتقد أن "لاج بعومر" يمثل انتصارا لرجال "بار كوخبا" علي الرومان، وهذا غير صحيح لأنه يعتبر يوم فرح ويوقف اليهود فيه كل مظاهر الحداد في تلك الفترة، بالإضافة إلي ذلك فقد تبنت الحركة الصهيونية العلاقة التاريخية بين "لاج بعومر" وثورة بار كوخبا، وحولتهما إلي جزء من الصراع من أجل النهضة القومية اليهودية. كان هناك تشابه بين عادات هذا العيد وعادات عيد وثني أوروبي قديم عيد "القديسة والبورج" الذي يتم الاحتفال به في نفس الفترة من السنة وتشمل عاداته إيقاد مشاعل وإحراق فزاعات خشبيّة. ومن العادات البارزة أيضا في هذا اليوم صناعة أسهم وأقواس والتدريب علي استخدامها بالقرب من المشاعل، وأحد التفسيرات يرجح ارتباط هذا الفعل أيضا بثورة بار كوخبا التي كانت في الفترة التي كانوا يستخدمون فيها السهم والقوس كسلاح أساسي في المعركة. ولهذا الاحتفال بعض الأضرار والآثار الجانبية علي صحة الإنسان نتيجة لإشعال كم هائل من المشاعل مثل احتمال حدوث الحرائق وتلوث الهواء، كما أن الكثير من الأفراد يصابون بحروق وجروح كثيرة، بالإضافة إلي أن الدخان يسبب إزعاجا لمن لا يحتفلون بالعيد في إسرائيل. أما في الإسلام فيتم الاحتفال بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ويقول عنها الدكتور عطية القوصي، المفكر الإسلامي وأستاذ التاريخ بجامعتي القاهرة والأزهر، إن ليلة القدر من الليالي المباركة التي اختصها الرحمن سبحانه وتعالي بالذكر والتكريم في القرآن الكريم إعلاء لشأنها وتحدثا بفضلها لكي يغتنم المؤمن من فضلها، وهي من الليالي المقدسة عند المسلمين، وهي غالبا ليلة السابع والعشرين من رمضان بحسب أرجح الآراء، لكن لم يحددها لنا الله سبحانه وتعالي في قرآنه ولا رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه، لذلك يجتهد المسلمون في العشر الأواخر من شهر رمضان لكي ينالوا بركة هذه الليلة. وأشار القوصي إلي أن المسلمين علي مر التاريخ اهتموا بليلة القدر فكان في العصر الفاطمي والمملوكي يتم الاحتفال بليلة القدر بصورة لا تقل عن الاحتفال بعيدي الفطر والأضحي، فكان الخليفة أو السلطان يأمر بجمع المقرئين لتلاوة القرآن علي أن يقرأ كل مقرئ سبع أو سدس القرآن، ويتم في هذه الليلة إيقاد الشموع في الجوامع الكبري مثل الأزهر الشريف والأنور المعروف الآن باسم جامع الحاكم بأمر الله، وجامع عمرو بن العاص وجامع أحمد بن طولون، وهي مساجد كانت ولا تزال تشهد تجمعا من المصلين عليها في هذه الليلة المباركة. وأشار القوصي إلي أن العصر الفاطمي بما عرف عن الخلفاء الفاطميين من محبة لتنظيم الاحتفالات الدينية أن ظهرت ليال أخري احتفل به المجتمع الديني، وهي التي عرفت باسم ليالي الوقود الأربع وهي ليلة مستهل رجب وليلة نصفه وليلة مستهل شعبان وليلة نصفه، وهي الليالي التي كانت تقاد فيها المساجد في القاهرة كلها احتفالا بهذه المناسبات الدينية التي تأتي قبل حلول شهر رمضان الكريم، ثم يأتي الاحتفال الكبير بليلة القدر الذي كان يعد ولا يزال أحد أهم المناسبات الدينية علي الإطلاق.