مرت مصر خلال السنوات الأخيرة بظروف صعبة وقاسية بسبب نظام فاسد نهب البلاد وشرد العباد ونشر البطالة وزاد الجهل وأزمن المرض.. وجعل مصر بلد أيتام وأرامل ومعاقين.. فقد تحولت البلاد في عهده لدار أيتام كبيرة تنوح فيها الأرامل والثكالي والمعيلات في كل مكان وفي أي وقت، ويسبقهم الأطفال الذين يبكون اليتم في وسائل المواصلات والشوارع بشتي الطرق والوسائل من أجل الاستعطاف. ورغم انتشار المنظمات والجمعيات الخيرية التي تعمل جاهدة للوصول لهؤلاء الأيتام ورعايتهم.. فالأيتام في كل المجتمعات إذا كانوا قصرا يعين عليهم أوصياء يقومون علي كفالتهم ومراعاة احتياجاتهم حتي بلوغهم سن الرشد وإذا كانوا منقطعين من شجرة يودعون في دور الأيتام ليتلقوا الرعاية والحنان. ولكن في مصر قضية الأيتام ليس لها مثيل في أي دولة أخري فهي مهنة تجد إقبالا منقطع النظير عليها، فالكسب فيها سهل ووفير.. فنجد امرأة عجوزا شمطاء تتسول باسم رعايتها لليتيم.. أي يتيم هذا الذي تتحدث عنه، فهل هناك يتيم عمره خمسين عاما؟! وأخري ترك لها زوجها (5) أطفال فهي تمد يدها لتأخذ من الحلال فهي لا تريد أن تغضب الله بامتهانها عملا حراما.. أي وجهة نظر هذه التي تريد أن تقنعنا بها. وثالثة زوجها مريض وغير قادر علي العمل، فهي تطلب المساعدة لأن أولادها في وضع اليتيم، فالرجل الذي تزوجته ليعيلها علي غدر الزمان أصبح عالة عليها وحاله يشبه اليتيم بالتمام والكمال. أما الأطفال فمعظمهم لا يتكلمون ولكنهم يلقون في حجرك ورقة مكتوبة بأسلوب ركيك، يشرحون فيها حالهم الهباب وأيام العذاب. وهذه الحكايات والصور كم هي مؤذية ومخزية ولكنها تجد من يتعاطف معها ويخرج ما معه من قروش ليعطيها لهم. لكن أنا من الذين يحلمون بيوم يأتي علي مصر.. يكرم فيه اليتيم بأن يلقي الرعاية من أهله قبل أي أحد آخر وأن ترعي الحكومة الأرامل حتي لا يبلغن سن الهرم وهن يتسولن علي أبنائهن فوق الخمسين! فملف الأيتام في مصر لابد للحكومة من مراجعة كل تفاصيله لمعرفة حجمهم بالضبط ومدي احتياجهم للرعاية.. وحتي نغلق دور الأيتام التي أصبحت بطول البلاد وعرضها وحتي لا نجد من جاء للدنيا يتيما وعاش يتيما ومات يتيما في دار أيتام اسمها مصر.