الجميع اختار ميدان التحرير، ووحدها توجهت إلي مقر السفارة الأمريكية بالقاهرة، في جاردن سيتي. للأسبوع الثالث علي التوالي تواصل أسرة الشيخ الدكتور عمر عبدالرحمن، أمير الجماعة الإسلامية ومفتيها، اعتصامها المفتوح أمام السفارة، للمطالبة بالإفراج عن والدهم الضرير، الذي يقضي عقوبة السجن مدي الحياة في السجون الأمريكية، بدعوي تورطه في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في العام 3991. الشيخ محمد، نجل الشيخ عمر عبد الرحمن، لم يتردد في الإعلان عن استمرار الأسرة في هذا الاعتصام إلي أن يتم الإفراج عن والده، معتبراً أن احتجاز الشيخ عمر واعتقاله في أمريكا "سبة في جبين العلماء، ويجب علي العلماء أن يقفوا صفاً واحداً للإفراج عن الشيخ، لأن التفريط في هذه القضية هو تفريط في هيبة العلم".. وعمر عبدالرحمن، أو الأمير الغائب، هو مفتي الجماعة الإسلامية وقائدها، وهو صاحب الفتوي الشهيرة بقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، كما سبق أن أفتي بعدم جواز الصلاة علي الرئيس جمال عبدالناصر بعد وفاته، فيما واجه الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأركان نظامه الفاسد، بكتابه الشهير "قولوا للظالم لا". الشيخ المحتجز في بلاد العم سام، بعد أن انتقل للإقامة بها منذ العام 0991 يعد اسماً فارقاً في تاريخ التنظيمات الجهادية المسلحة بصفة عامة وتنظيم الجماعة الإسلامية بصفة خاصة، ويكفي أن انقسام الأصوليين والراديكاليين المصريين أوائل الثمانينيات كان بسببه. الدكتور كمال حبيب الخبير في شئون الجماعات الإسلامية قال في هذا الشأن: "إن خلاف الجهاديين بدأ في العام 3891 عندما طرح المتحالفون إعادة تنظيم الأوضاع فيما بينهم داخل المعتقلات والسجون". وكان مجلس شوري الجهاديين آنذاك، به عضوان فقط من أبناء الجهاد، في مقدمتهم عبود الزمر، إضافة إلي 01 أعضاء للجماعة الإسلامية، علي رأسهم الشيخ عمر عبدالرحمن، الذي رآه أبناء الجهاد مفتيا،ً واعتبره أبناء الجماعة الإسلامية أميراً، حيث قال القيادي الجهادي المعروف عصام القمري، أحد أعضاء الجهاد، قولته الشهيرة "لا ولاية لضرير" في إشارة إلي الشيخ عمر عبدالرحمن، "ما كان سبباً في شق التحالف بين الجهاديين، والانقسام في تنظيمين، هما الجماعة الإسلامية والجهاد" بحسب كمال حبيب.. غير أن منظر الجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم يري أن فتوي القمري "لا ولاية لضرير" لم تصدر بسبب صراع علي السلطة، أكثر من كونها تعكس قناعة كبيرة لديه، فهو رجل عسكري، يعترض حتي علي قيادة المدني "فما بالنا إذا كان هذا المدني كفيفاً"، علي حد قوله. وعلي مدار العقود الماضية لعب عمر عبدالرحمن دوراً أساسياً في كافة توجهات وخطط الجماعة الإسلامية، فكان المرجعية الدينية لعملياتها الإرهابية، كما كان أول من وافق علي مراجعات وقف العنف التي أعلنتها الجماعة في العام 7991. وفي هذا السياق يري محمد نجل الشيخ عمر عبدالرحمن، أن الجماعة الاسلامية، لم تدخل بكل ثقلها، بعد الثورة، من أجل الإفراج عنه، نظراً للظروف التي تمر بها مصر، واحتراماً للمجلس العسكري. وربما هذا ما يفسر الالتحاق المتأخر لقيادات الجماعة الإسلامية الحاليين، في التضامن مع اعتصام أسرة الشيخ "الأسير"، والذي جاء بعد نحو تسعة أيام من انطلاقه، ما فسره البعض، برغبة من الجماعة في عدم استفزاز المجلس العسكري، بإجراءات قد تحرجه علي الصعيد الدولي، والدليل أن الجماعة التي حشدت مئات الآلاف من أبنائها في جمعة "الشريعة الإسلامية" في 92 يوليو الماضي، لم ترسل ولو بضعة مئات من شبابها لمشاركة أسرة الشيخ عمر عبدالرحمن اعتصامها أمام السفارة الأمريكية حتي الآن، مكتفية بمؤتمر صحفي نظمه عدد من قيادات الصف الأول فيها هناك، بعد أن حجت كل رموز العمل الإسلامي والمدني أيضاً إلي مقر إقامة أسرة الشيخ، وبعد أن أعلن نجله "نحن لن نتحرك من أمام السفارة، حتي يتم الإفراج عنه، أو في أسوأ الظروف، يتم سجنه في مصر، فيمكن لأسرته خدمته والقيام علي شئونه". وفي السياق ذاته طالب عبود الزمر عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية، المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالضغط علي الولاياتالمتحدة لتسليم الشيخ عمر عبدالرحمن، محذراً واشنطن من "غضب إسلامي إن مس الشيخ مكروه في سجونها، "وإن لم يتحرك المجلس العسكري، فإن هذا الاعتصام الرمزي لأسرة الشيخ أمام السفارة الأمريكية سيتحول لاعتصام بالآلاف". كما انتقد منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية، أداء الحكومة المصرية في هذه القضية، معتبراً أنها مازالت تقوم بنفس سياسيات النظام السابق، ومازالت تعرقل الإجراءات اللازمة للإفراج عن عمر عبد الرحمن، مشيراً إلي أن نظام مبارك منع كل المحاولات للإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن، كان أبرزها موافقة الحكومة القطرية علي استضافة عمر عبد الرحمن علي أرضها، وبعد ضغط الحكومة المصرية تراجعت الدوحة عن موافقتها. فيما أكد محمود عبد الشافي رئيس رابطة المحامين الإسلاميين أن عمر عبد الرحمن هو أكثر من واجه النظام السابق، وأعلن كلمة الحق أمامه دون خشية منه، ورغم كل المحاكمات الاستثنائية التي عقدت خصيصا لمحاكمته. من جانبه يري عبد الله النجل الثاني لعمر عبدالرحمن يري أن مبارك حاول التخلص من والده "لظنه أنه يحرض عليه بعد أن اتهمه بالفساد والظلم، فما كان من الرئيس المخلوع" إلا مقايضة الولاياتالمتحدةالأمريكية بحبس والدي مقابل تمرير بعض المصالح لواشنطن" علي حد قوله. ومن ثم لا يبدو مستغرباً أن تتضمن وصية عمر عبدالرحمن التي بعث بها إلي الجماعة الإسلامية، في مارس الماضي، يطالب عبد الرحمن بالثأر له من الولاياتالمتحدة، في حالة قتله، مشيراً إلي أنه يشعر بحالة من التربص به والتنكيل التي قد تصل لحد القتل. بينما يري قمر موسي محامي عمر عبد الرحمن أن اعتقال الشيخ، جاء بعد أن دبرت الإدارة الأمريكية مؤامرة ضده، والدليل علي ذلك أن الشيخ كان ممنوعاً من دخول الولاياتالمتحدة، ومدرجا علي قوائم الممنوعين من السفر، ثم سمح له بالدخول، ولفقت له القضية، وتمت محاكمته أمام قاض يهودي، قبل أن يكشف عن أنه بصدد التعاون مع منظمة المحامين الإسلاميين العالمية لرفع دعوي أمام لجنة حقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة، مشدداً علي أن قضية عمر عبد الرحمن أصبحت قضية إنسانية، نظراً لشدة مرضه وطول مدة سجنه.