رغم إقرار مجلس النواب قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية بصفة نهائية، وإرساله إلي رئيس الجمهورية الذي قام بالتصديق عليه، وبعد حالة من السجال القانوني بين مؤسسات الدولة، التزمت كافة الهيئات القضائية المخاطب بها القانون بترشيح ثلاثة نواب من بين أقدم سبعة قضاة، وقاموا بإرسالها إلي رئاسة الجمهورية لاختيار واحد منهم ليكون رئيسا جديدا لكل هيئة قضائية. غير أن مجلس الدولة هو الجهة القضائية الوحيدة التي قامت بترشيح نائب واحد وهو أقدم النواب بها، المستشار يحيي دكروري، اعتراضًا منهم علي التعديلات الجديدة، وتمسكًا بمبدأ الأقدمية المطلقة، لنصبح أمام موقف صدامي جديد، يراه بعض القضاة استمرارًا لحالة الخلاف القائمة مع الدولة، ففي حالة رفض اختيار مرشح الجمعية العمومية لمخالفة نص القانون سيختار رئيس الجمهورية، نائبًا آخر من بين أقدم سبعة نواب، الأمر الذي قد لا يقبله قضاة مجلس الدولة، فيلجأون إلي الطعن علي القانون أمام المحكمة الدستورية العليا. كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر قانون تنظيم تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية برقم 13 لسنة 2017 ويتضمن القانون تعديلاً للقوانين الأربعة المنظمة لاختيار رؤساء مجلس القضاء الأعلي ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، حيث نصت التعديلات علي تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه من أقدم سبعة يرشحهم المجلس الأعلي لكل هيئة، فيما عدا مجلس الدولة إذ ترشحهم الجمعية العمومية لمستشاري المجلس، ومدة التعيين أربع سنوات أو ما تبقي من مدة سلفه حتي بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال عمره. ونصت التعديلات علي وجوب إبلاغ رئيس الدولة بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس الهيئة ب60 يوما علي الأقل ونصت علي أنه في حال عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة أو ترشيح من لا ينطبق عليه الضوابط يعين رئيس الجمهورية رئيس الهيئة من بين أقدم سبعة من نواب رئيس الهيئة. وبناء علي ذلك كان من المقرر أن تصوّت الجمعية العمومية لمجلس الدولة علي ترشيح 3 من نواب الرئيس، لإرسال أسمائهم لرئاسة الجمهورية لاختيار رئيس مجلس الدولة الجديد، إعمالًا للقانون الجديد بتعديل طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، إلا أن الجمعية العمومية قررت إرسال اسم واحد فقط وهو المستشار يحيي الدكروري حيث أصدر مجلس الدولة بيانا صحفيا أكد فيه أن قرار ترشيح المستشار يحيي دكروري لرئاسة مجلس الدولة جاء بأغلبية أعضاء الجمعية العمومية وقال المستشار الدكتور محمد حسن رئيس الأمانة الفنية للمجلس الخاص إن الجمعية العمومية لمستشاري مجلس الدولة الخاصة انعقدت السبت الموافق 13/5/2017 تطبيقاً لنص القانون رقم 13 لسنة 2017 الخاص باختيار رئيس مجلس الدولة حيث إن النص قد تطلب ترشيح ثلاثة من بين أقدم سبعة نواب لرئيس مجلس الدولة وبعد استعراض القانون من جانب الجمعية وبعد المناقشات، انتهت الجمعية بالأغلبية إلي ترشيح أقدم نواب رئيس مجلس الدولة، المستشار يحيي دكروري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة منفردا لاختيار رئيس مجلس الدولة الجديد، متمسكين بذلك ب»مبدأ الأقدمية» المتعارف عليه منذ القدم وعدم الاعتراف بالقانون الجديد المختص باختيار رؤساء الهيئات القضائية ووفقًا لهذا المبدأ فإن الدور يأتي علي المستشار دكروري، خلفًا للمستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة الحالي والذي ستنتهي ولايته في 19 يوليو المقبل. والمرشحون السبعة هم، المرشح الأقدم المستشار يحيي دكروري، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع، والمستشار محمد زكي، رئيس التفتيش الفني ونائب رئيس مجلس الدولة، والمستشار فايز حنين، رئيس هيئة مفوضي الدولة ونائب رئيس مجلس الدولة، والمستشار أحمد أبو العزم، رئيس قسم التشريع ونائب رئيس مجلس الدولة، والمستشار بخيت إسماعيل رئيس محاكم القضاء الإداري، والمستشار ربيع شعراوي رئيس المحاكم الإدارية التأديبية، والمستشار أحمد أبو النجا رئيس اللجنة الثانية للفتوي، والمستشار مهند عباس رئيس اللجنة الثانية للفتوي عضو احتياطي، وذلك لخروج المستشار محمد زكي رئيس التفتيش الفني ونائب رئيس مجلس الدولة إلي المعاش بشهر سبتمبر المقبل. المستشار حسن البرعي، نائب رئيس مجلس الدولة، رئيس المحكمة الإدارية العليا، قال إن جميع المستشارين الذين شاركوا في الجمعية العمومية لمجلس الدولة الذين يصل عددهم إلي أكثر من 50٪ من بين 1109 قضاة هم وكلاء ونواب لرئيس مجلس الدولة ومستشارون مضي علي درجة مستشار بالمجلس سنتين علي الأقل وبالتالي هم يدركون جيداً المشروعية وحريصون علي تطبيق القانون ورغم ذلك كانوا يريدون من وراء قرار جمعيتهم العمومية أن يسجلوا موقفاً ولا تتمثل المسألة فيما إذا كان هذا القرار متفقا مع القانون من عدمه. وشدد علي أن قرار ترشيح نائب واحد ظاهريًا ليس مخالفاً لنص القانون الجديد فلم يلزمني بترشيح ثلاثة ولكن حدد ترشيح ثلاثة نواب وإذا تم ترشيح أقل من ثلاثة أو بعد الميعاد المحدد فمعني ذلك قد يختار رئيس الجمهورية واحداً من السبعة ونحن قلنا له رغم ذلك النص الذي لقي اعتراضنا علي المشروع من خلال جمعية عمومية طارئة وقلنا لا، بالرغم من ذلك مازلنا متمسكين بالثوابت القضائية الراسخة المطبقة في مجلس الدولة وهي قاعدة الأقدمية فليس من الممكن أن يكون هناك اختيار لمن يرأس من هو أكبر منه سناً فنحن قلنا لهم اعتبرها مخالفة واختر أنت لأننا تربينا وتعلمنا من 70 سنة في مجلس الدولة منذ أيام السنهوري باشا أن الأقدم هو الأقدم واحترام الأقدمية، هو مبدأ أصيل فالقرار كان نوعاً من الاعتراض فحسب لصدور القانون رغم اعتراض قسم التشريع عليه وموقف الجمعية العمومية جاء للتسجيل للتاريخ بأن مجلس الدولة تمسك بقاعدة الأقدمية متمثلاً في رأي الجمعية العمومية المنوط بها الأمر، وألقينا الكرة في ملعب الرئاسة فنحن نقول كلمتنا، وليس غيرها ولكن إذا اختار غيره فهذا شأنه طبقا لنص القانون حتي لو سيختار الأحدث من بينهم. بينما يري المستشار إبراهيم علي نائب رئيس مجلس الدولة، أن قرار الجمعية العمومية مخالف لتعديلات القانون الجديد الذي تم إقراره لكن القضاة مازالوا متمسكين بالثوابت القضائية القديمة التي من ضمنها اختيار الجمعية العمومية لرئيس المجلس خاصة أنه أرسلت كافة الهيئات القضائية ترشيحاتها ما عدا مجلس الدولة لأن الجمعية العمومية هي صاحبة الاختصاص في الموضوع واختارت المستشار يحيي الدكروري وسترسله لرئيس الجمهورية فالسيناريو المتوقع عقب هذه الخطوة إما أحد الأمرين أن يستخدم رئيس الجمهورية حقة بأن يختار واحداً من بين أقدم سبعة نواب طالما لم يرسل له العدد المحدد وفقا لنص القانون والذي من حقه القانوني بأنه قد يكون من ضمن السبعة الذين سيختار بينهم يقع الاختيار علي المستشار الدكروري وقد يرفض ويعين غيره. أضاف: »وفي هذه الحالة بعد اختيار رئيس الجمهورية رئيساً مغايراً عن مرشح مجلس الدولة سيرجع الأمر لمجلس الدولة إما أن يقبل الاختيار الجديد وإن كنت لا أعتقد أنه يمكن أن يسلم به لأنهم يقصدون الخطوة التي اتخذوها دفاعاً منهم عن استقلال القضاء وإما أن يتخذوا الطريق القانوني المتاح في حالة اختيار شخص آخر غير المستشار يحيي دكروري فيمكنه الطعن علي مشروع القانون الجديد باعتباره صاحب مصلحة في الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، لأنه لا يصح رفع دعوي مباشرة الآن إلا اذا اقتضت المصلحة بعد تطبيق القانون والتي تسمي طريقة »دفع غير مباشر» طالباً الحكم بعدم دستورية القانون الجديد. المستشار عادل فرغلي نائب رئيس مجلس الدولة والرئيس السابق لمحاكم القضاء الإداري، يقول إن وضع القانون نصاً لكافة الاحتمالات التي يمكن أن ينتج عنها عدم الالتزام بترشيح ثلاثة من أقدم سبعة نواب وبالتالي ففي هذه الحالة سيعين رئيس الجمهورية مباشرة من يريده من خلال الاختيار المطلق سواء كان أحدث أو أقدم من بين أقدم سبعة نواب خلال ال60 يوماً ولن يكون في هذه الحالة مقيداً بعدد معين من النواب مثلما كان سيحدث في حالة ترشيح ثلاثة بعينهم للاختيار من بينهم. موضحاً أعتقد أن القضاة بهذه الخطوة لجأوا إلي التصعيد الذي قد يصل الأمر إلي الاعتراض علي تعيين رئيس الجمهورية لشخص آخر وعرض الأمر من جانب الرئيس الذي تخطي في التعيين علي المحكمة الدستورية العليا للفصل بدستورية القانون من عدمة وسيظلون متمسكين ولكن إذا تأخر حكم الدستورية سيتم تعيين رئيس جديد في الأول من يوليو القادم وقد تتأخر المحكمة أو لا تتأخر فالفترة المتبقية لمعظم النواب فترة قليلة قد لا تتجاوز سنة قضائية فيمكن ألا تلحق المحكمة بأن تصدر حكمها خلال هذه السنة.