لايأتي شهر رمضان إلا وتذكرت علي الفور الكاتب الكبير مصطفي محمود، واجتهاداته في تفسير القرآن الكريم، وبرنامجه الرائع (العلم والإيمان) الذي كان يحاول أن يجد الصلة القوية بين العلم والإيمان بالله، فما أكثر ماتحاورت معه، وما أكثر الأحاديث التي أجريتها معه في شهور رمضان أو غيره من الشهور، وكنت أخرج دائما من حواراتي معه وأنا موقن تماما بأن الرجل قد أفادته دراسته في كلية الطب وقراءاته المتعددة في الفكر الإسلامي، وأنه خرج بزاد وفير مكنه أن تكون له رؤيته ورؤاه الخاصة بمختلف قضايا الفكر الإسلامي. كنت أناقشه ذات يوم في التصوف الإسلامي، وعمق هذا الفكر الصوفي ومخاطره أيضا، وتداعي إلي ذهني كلمة مضيئة قالها أحد الفلاسفة وهي: أنا لست في حاجة إلي المعرفة لأومن، ولكن أنا في حاجة إلي الإيمان لأعرف يومها علق كاتبنا الكبير علي هذه اللفتة الفلسفية بقوله: هذه الكلمة تذكرني بكلمة للصوفي ابن عبدالجبار النفري يقول فيها عن ربه في كتابه المواقف والمخاطبات: »أنا يستدل بي .. أنا لا يستدل عليّ«.. وهذا تعليق علي كلمة هذا الفيلسوف وهو تطبيق علي كل الناس الذين يسوقون علي الله البراهين.. فالله هو برهان الأشياء وهو الذي يعطي الأشياء الخفية، فهو البرهان وهو حجة الحجج، أما أن يساق علي الله البراهين فهي درجة يمكن أن تقول عنها سنة أولي معرفة، أو سنة أولي حضانة في علم المعارف الإلهية.. لكن للأسف نحن نلجأ إلي البراهين لسبب أن العالم الذي نعيشه هو سنة أولي حضانة في الدين أو المعارف، وأنا أسميه نحن نعيش في عصر تبجح العقل.. العقل فرض نفسه علي كل شيء حتي الميادين التي ليست من اختصاصه لأن الله بحكم كونه فوق العقل، وفوق الزمان فلا يكون موضوعا يتدخل العقل فيه، لأن الله فوق العقل وفوق الزمان وفوق المكان.. وفوق عالم السببية بحيث لايصح أن نقول عن الله .. كيف؟ وأين ومتي؟.. فالله حيث لا حيث ، فلا يصح للعقل أن يتدخل ويحكم ويفتي في الذات الإلهية. ويخلص من تحليلاته أن الله غني وهو في ذاته برهان كل شيء والله عند ابن عربي أظهر من كل ظاهر وأخفي من كل خفي، والآية القرآنية صريحة: هو الأول والآخر والظاهر والباطن. فأما عالم الظاهر فهو عند ابن عربي رمزي .. شفري.. غيبي، لاتستطيع أن تفك شفرته، أو تقرأ رمزه إلا إذا كان عندك علم رباني. ومن أقوال الدكتور مصطفي محمود وهو يدعو ربه: »وأقسمت عليك بعجزي واقتدارك.. ألا جعلت لي مخرجا من ظلمتي إلي نوري.. ومن نوري إلي نورك.. سبحانك لا إله إلا أنت . لا إله إلا الله«.