عشرات الأطفال نراهم يوميًا يسكنون الشوارع، لا مأوي ولا ملاذ لهم غير الأرصفة وأسفل الكباري، يحتضنهم فتوات ويسرحونهم في الشوارع للتسول دون رقابة عليهم، قد يعطف عليهم المواطنون مرة ويتعرضون للأذي مرات أخري كل هذا وسط غياب مجتمعي يفتقد للتوعية والإرشاد. في المقابل، تطالعنا العديد من الأخبار عن أمهات يلقين بأبنائهن حديثي الولادة علي أبواب المستشفيات، وآخريات يتركن أطفالهن أمام دور الأيتام، نزعت من هؤلاء كل مشاعر الأمومة والرحمة التي منحها الله لهن، بينما أمهات آخريات يبكين لفقدان أبنائهن نتيجة اختطافهم أو فقدانهن، كل هذا يحرك مؤشر الخطر تجاه أزمة أوشكت علي الانفجار وهي توفير الأمان للأطفال، ويُنذر الأمر بكارثة مؤكدة إن لم تتكاتف كل الجهات المعنية بوضع قيود تحمي الأطفال من تجار البشر وسماسرة الخطف ومافيا التسول. بصمة القدم البحث عن حلول جذرية لاستخراج شهادات الميلاد لجميع الأطفال بات أمر حتميا، وأصبح لا بديل عن فرض قوانين تُجرم التخلي عن الأبناء، وتُعيد الأطفال المخطوفين لذويهم، وفي هذا الإطار تقدمت النائبة شادية ثابت، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب باقتراح برغبة للإسراع بتفعيل خاصية استخدام بصمة القدم في تسجيل شهادات ميلاد الأطفال، وفرض تنفيذها علي كل الوحدات الصحية وأماكن الولادة.. ثابت، أكدت أن إدراج بصمة قدم المولود علي شهادة الميلاد سيحُد من ظاهرة خطف الأطفال بشكل كبير، لافتة إلي أن تطبيقها سهل للغاية وغير مُكلف، موضحة أن إدراج صورة الطفل عند مولده في شهادة الميلاد لن يُفيد كثيرًا لأن صورة الطفل عند الميلاد ستختلف بالطبع بمرور الوقت ولن يسهل التعرف عليه، بينما بصمة القدم أو اليد لا تتغير بمرور الوقت، وإن ثبت أنها تتغير يمكن تحديثها كل عامين أو أكثر. وقالت ثابت: »ما دفعني لإطلاق هذا المقترح هو مشاعري كأم فكل يوم نري صورًا لأطفال مفقودة علي مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل الأمر يستفزني للغاية، وجعلني أتقدم بتلك الرغبة، كما أن البرلمان عليه القيام بدوره في حماية حقوق وحريات المواطنين وتيسير الحياة الشخصية ودعم أمنهم». ومن المتوقع أن تبدأ الحكومة تنفيذ مقترح »بصمة القدم» في غضون شهور قليلة من خلال مكاتب الصحة بالمحافظات، حيث سيتم أخذ بصمة الطفل بالحبر لحين توفير أدوات أخذ البصمة بطريقة مميكنة وستكون بشكل إلزامي، مرفقة بإخطار ولادة الطفل لقيده بالسجل المدني.. وسيتم إدراج تلك البصمة بشهادة الميلاد للتأكد من هوية الطفل، وهي بصمة تكون مع الطفل منذ الولادة وتستمر بمرور الزمن، بعكس بصمة أصابع اليد، وهناك دول نفذت تلك الخطوة قبل مصر مثل السعودية والإمارات. انتفاضة إلكترونية الأمر يمس قطاعا عريضا من المصريين فكل منا معرض في أي وقت لفقدان أي من أفراد أسرته سواء بسبب الخطف أو الفقدان، لذلك أطلق مجموعة من النشطاء علي مواقع التواصل الاجتماعي »فيسبوك وتويتر» »هاشتاج» حمل اسم »#أنا_مش_لقيط» للمطالبة بإدراج عينة من الحمض النووي ال»DNA» يتم أخذها إجباريًا عند تحديث بيانات البطاقة الشخصية. هايام أسامة، أدمن صفحة »أنا مش لقيط» علي »فيسبوك» قالت: »الأمر في غاية السهولة لا يتطلب منا سوي قليل من الجهد والوقت، فحينما يذهب كل رجل أو امرأة متزوجين يتم أخذ عينة من الحمض النووي لكل منهما وإدراجه في قاعدة بيانات وزارة الداخلية، وبذلك سيتم وضع قيود علي كل أب وأم، وسيتم بسهولة إثبات نسب أي طفل يفقد أو يتم اختطافه». تابعت: »المرحلة الثانية من المشروع، سيتم أخذ عينة من كل طفل يتم العثور عليه سواء مُشرد أو مع متسول أو لقيط ويتم إدراجهم في قاعدة بيانات خاصة بهم بما يؤدي لعودة كل طفل مخطوف أو مفقود لأهله»، وعن التكلفة المادية قالت هايام: »في فترة من الفترات كان إجباريًا علي المصريين الذين يستقلون القطارات، قطع تذكرة الهلال الأحمر مع تذكرة القطار، الأمر سيتم بنفس الطريقة ولكن تلك المرة سيتم دفع قيمة التحليل إجباريًا، قد يبدو الأمر صعبًا في تنفيذه في البداية، لكن حين يعمم لن نجد طفلًا من غير أهل». مبادرة رئاسية الرئيس عبد الفتاح السيسي يعي جيدًا حجم تلك الأزمة التي نحن بصدد الوقوع فيها بسبب تفاقم مشكلات الأطفال، لذلك كانت له المبادرة الإنسانية الأولي في هذه القضية، وأصدر قرارًا بقانون رقم 15 لسنة 2015 لتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي 137 لسنة 2010، ليكون »كل من توفي والداه أو توفي أبوه ولو تزوجت أمه أو مجهول الأب أو الأبوين»، وبذلك تم إدراج الأطفال مجهولي النسب تحت قائمة الأيتام، جاء القرار ليحل أزمة كبري عاني منها مجهولو النسب، وهي صعوبة استخراج أوراق رسمية، ووفقًا للقرار أصبح بمقدورهم استخراج أوراق يحصلون بمقتضاها علي ضمان اجتماعي، وتأمين صحي، وشهادة ميلاد. من جانبه، أشاد الدكتور هاني هلال، رئيس الائتلاف المصري لحقوق الطفل، بالقرار مُشيرًا إلي أنه سيُغير من نظرة المجتمع القاسية لهؤلاء الأطفال مجهولي النسب، ولفت إلي أن الجهود الحكومية المبذولة في هذا القطاع حتي الآن لا ترقي إلي المستوي المطلوب، في ظل توافر الإرادة السياسية النابعة من اهتمام رئيس الجمهورية بملفات وقضايا حقوق الطفل. أضاف: »ما زال ملف حقوق الطفل في تراجع علي أولويات الأجندة الحكومية، كما أن هناك حالة من العشوائية في تناول هذا الملف من قبل الوزارات المعنية، مُطالبًا بتفعيل مُبادرة إدراج بصمة القدم للمواليد»، مُشيرًا إلي أنها مُتبعة عالميًا في العديد من الدول لزيادة وسائل الأمان، لافتًا إلي أن الأمر يتوجب عمل كل الوزارات معًا كمؤسسة واحدة والتنسيق والتكامل فيما بينهم. قيد التنفيذ مصدر أمني بوزارة الداخلية، أكد ل»آخر ساعة» وجود مشروع لإضافة المزيد من العلامات التأمينية علي شهادة الميلاد وتطويرها، فضلًا عن وجود لجان تقوم بدراسة إضافة بصمة قدم الطفل ال»باركود» في شهادة الميلاد بمجرد ولادته، وذلك لحماية الأطفال من جرائم الاختطاف ولسهولة تحديد هويتهم ونسبهم، وهذه الآلية ستُتيح حفظ بصمات الأطفال في خزنة البصمات بمصلحة الأحوال المدنية، موضحًا أن وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، وجه بتفعيل عمل تلك اللجان تمهيدًا لتطبيقها بعد سن التشريعات القانونية اللازمة لها. أضاف المصدر، أن التنسيق يتم بين مصلحة الأحوال المدنية، ووزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، كما ستحمل الشهادة الجديدة الرقم القومي للأب والأم لسهولة إعادته في حالة فقدانه أو خطفه، مشيرًا إلي أن آلية التطبيق تتمثل في نظامين لأخذ البصمة الأول إلكتروني، والثاني يدوي بالحبر، ويكون من خلال مكتب الصحة، وبداية التنفيذ ستكون من خلال النظام الثاني لحين توفير أجهزة البصمة الحرارية في مكاتب الصحة، ومن المتوقع أن يشمل هذا التطوير علي إضافة مبالغ قليلة علي المواطنين كرسوم لاستخراج الشهادات. وأرجع، سبب تأخر تطبيق هذه الخاصية إلي معالجة بعض الثغرات التي قد يستغلها البعض في تزوير الشهادات بالإضافة إلي عمل تجارب مبدئية قبل التنفيذ الفعلي لضمان تأمين تلك الشهادات بنسبة 100%، أما فيما يتعلق بأخذ عينة من الحمض النووي للأب والأم عند تجديد بطاقاتهم الشخصية، فأوضح المصدر أنه يمكن دراسة ذلك الأمر بعد وصول أي مقترحات في هذا الشأن لكن حتي الآن لم يتم فحص هذا الأمر. انخفاض الجريمة في السياق، اعتبر مُساعد وزير الداخلية الأسبق، الخبير الأمني، اللواء محمد ربيع الدويك، أن الأمر أصبح ضرورة مُلحة لمواجهة الجرائم المُستجدة بأساليب حديثة لأن هذا الإجراء يسد الطريق علي مُرتكبي جرائم الخطف بصفة عامة وجرائم خطف الأطفال وحديثي الولادة بصفة خاصة، كما يُمكن بعدها القضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع بتحديد أهلية كل طفل وكذلك الأمر بالنسبة لمجهولي النسب، موضحًا أن تطبيق هذا الإجراء من الناحية العملية ليس به أي صعوبة تعيق التنفيذ خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي نعيشه وتسعي إليه كل مؤسسات الدولة. وفيما يتعلق بتكلفة المشروع، قال إنها زهيدة إذا ما قورنت بالعائد الأمني فإن أساليب البحث التقليدية تستغرق من الوقت والجهد وقتا كبيرا إضافة إلي تكلفة مالية كبيرة حيث إن البحث والتحري وتجنيد المصادر السرية والمرشدين يحتاج إلي نفقات كبيرة لكشف غموض الحوادث، وبصفة خاصة جريمة الخطف التي تعد الجريمة رقم واحد في خطورتها لأنها تهز الأمن العام.