"التطرف" بداية لطريق الانحراف عن المألوف.. "التطرف" هو بداية الإنسلاخ مما اعتدنا عليه من التسامح.. "التطرف" هو شرارة الكراهية التي تشعل وتؤجج نيران البغض.. والعنف.. وتبيح القتل تحت كل المسميات المغلوطة بما فيها "الدين" الذي يستغلونه "كحجة" لقطع الرقاب.. والقضاء علي صور الحياة الإنسانية تحت بند "الجهاد". قلبي علي "ولدي" انفطر.. وقلب "ولدي" عليّ ممكن يكون "حجر".. للأسف الشديد هذا مايحدث اليوم في العديد من المدن العربية والأوروبية وتعاني منه آلاف من الأسر وخاصة الأمهات اللاتي راح أبناؤهن ضحية للتطرف الديني وتعرضوا "لغسيل أدمغة" تحولوا بعدها من شباب أو شابات أبرياء مقبلين علي الحياة.. إلي قتلة وسفاكين لدماء الأبرياء.. تحت بند العقيدة والجهاد.. مع أن الدين منهم بريء تماما. هذه القضية الشديدة الأهمية التي تجعل الجميع يتساءلون كيف لشباب مثل الزهور يستطيعون حمل السلاح والقتل والاغتصاب.. ويتحولون لآليات لايراعون فيها أمًا أو أبًا ولايعيرون أسرهم قدرهم ويصبحون مأساة حية بالنسبة لأهاليهم.
ولقد وعت السينما الجادة أهمية هذا الحدث الجلل الذي وقع ضحيته الآلاف من الشباب غير المسلم في أوروبا وآلاف أخري مضاعفة من الشباب والشابات المسلمين في عالمنا العربي أو المقيمين في دول المهجر. المخرج الفرنسي كان له منذ عدة سنوات قليلة ومع بزوغ هذه الظاهرة فيلم رائع (desintegration) قدم من خلاله المساجد المقامة تحت بئر السلالم والزوايا الصغيرة ودورها الخطير في الدعوة للجهاد والسيطرة علي عقول الشباب. وأيضا ليس بغريب أن يتصي اثنان من كبار مخرجي العرب أحدهما من الجزائر رشيد بوشارب.. والثاني من تونس رضا الباهي لهذه الظاهرة.. الأول في فيلمه "الطريق إلي اسطنبول" عن رحلة أم خرجت للبحث عن ابنتها التي وقعت في حب شاب مسلم أقنعها بالجهاد في تركيا. والفيلم الثاني "زهرة حلب" للمخرج المتميز رضا الباهي وهو الذي عرض في مهرجان مونز لأفلام الحب باعتبار أن الكراهية أحد أفعال (الحب) السلبي.. وذلك في إطار المسابقة الرسمية، وأثار العديد من الجدل والمناقشة.. الفيلم بطولة هند صبري وهشام رستم وباكورة إنتاج شركة هند صبري الجديدة. أقوي.. وأعظم.. وأسمي المشاعر هي "الأمومة" فالأم هي الوحيدة القادرة علي التضحية بحياتها برضا كامل في سبيل إنقاذ أولادها.. ومهما كان الثمن.
وحول الأمومة في مواجهة الإرهاب تدور حكاية "زهرة حلب" من خلال الأم (سلمي) هند صبري التي تعمل مسعفة في إحدي سيارات الإسعاف.. تعيش بمفردها مع ابنها الشاب الذي يبلغ الثمانية عشرة من عمره. وهو شاب متفتح يهوي الموسيقي والعزف علي الجيتار.. ويعيش حياة منعمة.. أما الأب فقد تم الطلاق بينه وبين سلمي. يتعرض الابن "مراد" لحالة من غسيل المخ من قبل أحد الأصدقاء لتفاجأ به يطلب من والدته أن ترتدي النقاب لكنها ترفض.. لتفاجأ به إنه انضم بعد ذلك إلي (جبهة فتح الشام) أو "النصرة سابقا" ويسافر إلي سوريا وبالتحديد حلب.. ويجن جنون سلمي وتعمل المستحيل علي إنقاذ ابنها.. حتي يهديها تفكيرها بأن تعلن انضمامها ورغبتها في الجهاد والالتحاق بهم والانضمام إليهم. وبالفعل تسافر للانضمام إليهم إلي أن تقع في أدي تنظيم (داعش) ويتم اغتصابها.. وفي نفس الوقت تحاول جبهة فتح الشام تحريرها وبعد أن طلب أحد شيوخها الذي أسعفته من قبل.. لكنها في محاولة للهروب يتم قتلها بالخطأ علي يد ابنها.. والذي يكتشف ذلك عندما ذهب يتفحص الجثة. الفيلم مليء بالمشاعر الإنسانية الجياشة وقد تم التصوير مابين تونس ولبنان ولعل أهم ما يميز الفيلم أنه لم يدخل في أي إطارات سياسية ولم ينحز إلي أي من التيارات السياسية أيضا.. بل طرح كل ذلك من خلال علاقات إنسانية لعل أهمها هي مشاعر الأمومة.. والبنوة.. وأثر ذلك علي العديد من الأسر.
ويقدر مشاعر الأمومة الجميلة التي تتحلي بها النساء.. فإن نون النسوة عاشقة للنميمة والفضفضة.. وفي دول المغرب العربي حيث ينتشر (الحمام) وتذهب إليه النساء باختلاف مستوياتهن.. وهو بالنسبة لهن مثل جلسات الطب النفسي الجماعي.. في الحمام تتعري النساء جسديا ونفسيا لاتجد واحدة حرجا في أن تنقل همومها ومشاكلها وكل ما تتعرض إليه من قهر علي كل المستويات. وفي واحد من أجمل الأفلام التي عرضت في مهرجان الحب داخل إطار المسابقة الأوروبية..وهو أيضا مشارك بالمناسبة في المهرجان الأول لشرم الشيخ للسينما العربية والأوربية .. الفيلم الفرنسي "وأنا في عمري هذا مازلت اختبئ لكي أدخن" إخراج الممثلة والمخرجة الجزائرية "ريحانة" وإنتاج ميشيل راي جافراس وكانت ريحانة منذ عدة شهور اختصت مجلة آخر ساعة بأول حديث لها في الصحافة العربية. وريحانة ليست مجرد فنانة عادية بل هي مناضلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني عاشت حياتها في الجزائر لكن مع نهاية (العشرية السوداء) ومقتل ابن عمها الفنان "عز الدين حجاوي" والفنان علي تنمي الذي كان يشاركها بطولة فيلم "الفراشات لن تطير مجددا" بالإضافة لظروف عائلية وماتعرضت له من تهديدات انتقلت إلي فرنسا لتعمل في مجال الفن التشكيلي قبل أن تتجه للمسرح وتقدم مسرحيتها التي حملت نفس اسم الفيلم.. وفيها اختزلت كل آلام السنين ومرارة وغضب كل النساء من خلال (12) بطلة أو شخصية نسائية في حالة "فضفضة" داخل الحمام. ريحانة تعرضت في باريس لمحاولة تشويه وجهها بماء النار.. أثناء عرض المسرحية.. التي بالصدفة شاهدتها ميشيل جافراس هي وزوجها كوستا جافراس فطلبت من ريحانة أن تحولها إلي فيلم سينمائي لتخوض به تجربة العمل الأول.. بهذا الفيلم الرائع الذي يحمل مزيدا من الصدق والرؤية الإنسانية. ورغم أن الفيلم يدور داخل الحمام إلا أنك لاتشعر فيه بأي إثارة أو إسفاف.. زوايا الصورة عند المخرجة كانت أكثر من رائعة.. كذلك السيناريو شديد الحبكة.. بالإضافة إلي الأداء الرائع لبطلات الفيلم وعلي رأسهن العظيمة بيتونة. إن الغوص في أعماق البشر ونفوسهم ماهو إلا تحليل صغير للمجتمع الذي نعيش فيه.. ومدي تأثيره وانعكاساته علي كل جوانب الحياة.