لم يكن حديث الوزير الإسرائيلي أيوب قرا وما رددته وسائل إعلام عبرية منذ أيام، عن وطن للفلسطينيين في سيناء قُبيل زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو الأول من نوعه، إذ صدر مثله عن مسؤول في تل أبيب عام 2005، في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، وتحديداً من وزير في حكومة رئيس الوزراء الراحل آريل شارون، وكان الرد الرسمي المصري ما علق به وزير الخارجية آنذاك أحمد ماهر بقوله إنه »كلام حشاشين». الرئيس السيسي ونظيره الفلسطيني محمود عباس بل وحتي بنيامين نتنياهو كانوا حريصين، علي نفي ما أذاعته القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي وصحيفة عبرية غير معروفة ومحسوبة علي أوساط اليمين المتطرف، عن موافقة القاهرة والسلطة الفلسطينية علي إنشاء دولة فلسطينية في سيناء وترحيل فلسطينيي الضفة الغربية للأردن.. ذلك السيناريو الذي تحلم به إسرائيل لتلقي بكل فواتير احتلالها علي القاهرة وعمان، فمن ناحية ينتهي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين للأبد، ومن ناحية أخري تتحول غزة والضفة لمنطقتين عازلتين بما يوفر عمقاً أمنياً لسكانها علي حساب سيادة الآخرين، ويحاول الإسرائيليون العزف علي وتر مسؤولية مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية وكونها دوماً الوسيط الأهم في حل كل الأزمات وتضحياتها في الماضي ب100 ألف من خيرة شبابها، فضلا عن اقتصادها، من أجل القضية الفلسطينية، وبناءً عليه فلتستمر مصر في البذل من أجل أشقائها. كلام الحشاشين الإسرائيليين لم يتوقف عند هذا الحد، حيث زعم راديو وزارة الدفاع التابع للدولة العبرية أن اتفاق وقف إطلاق النار، المستمر بين حماس وتل أبيب منذ صيف 2014، جاء في جزء كبير منه مبنياً علي اتفاق بين الرئيس السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يتم بمقتضاه منح سكان غزة 1600 كم مربع من سيناء (5 أضعاف مساحة القطاع)، علي أن يتنازل عباس للإسرائيليين عن مطلب دولة فلسطينية، عاصمتها القدسالشرقية علي حدود 1967، وهو ما ينافي المنطق ومعطيات الواقع حيث إن الرئيس عباس لا يملك التحدث باسم سكان قطاع غزة المسيطر عليه تماماً من قبل حماس منذ عام 2007، كما كان مكتب عباس حريصاً علي التأكيد مرة أخري أنه لا يمكن مساندة أي مقترح تسوية للقضية الفلسطينية بعيداً عن حل الدولتين. أكاذيب أحرونوت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية سارت في ركب المتعاطين للحشيش، وكذبت الكذبة وصدقتها ثم انتقلت إلي مرحلة الترويج لها بالقول إن مصر مستعدة للتنازل عن جزء من سيناء للفلسطينيين وتريد أيضاً إلحاق الضفة الغربية بمن فيها بالمملكة الأردنية، ولم تذكر الصحيفة بأي صفة قانونية وأخلاقية يمكن لمصر أن تقترح شيئاً كهذا! كاتب أكاذيب يديعوت أحرونوت أثبت بما لا يدع مجالاً للشك جهله وخلله النفسي، حيث وصف كل الدبلوماسيين الدوليين وجميع الوسطاء الذين لعبوا دوراً في مفاوضات السلام علي مدار السنوات العشرين الماضية، بأنهم مصابون بجنون العظمة وأنهم يفتقدون للشجاعة السياسية، لأنهم توهموا أنهم يملكون إرادة تمكنهم من التوصل لتسوية سياسية للصراع الدائر منذ عام 1948، بينما مقترح إنشاء دولة فلسطينية في سيناء وإلحاق الضفة الغربيةبالأردن هو عين العقل ولب الصواب! جهل وكذب الكاتب الإسرائيلي يمكن اكتشافه ببساطة بالعودة ليوم الثالث من أكتوبر عام 2008، وزيارة الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط لنكتشف أن هذا الطرح ما هو إلا جزء من مناقشة دارت في اجتماع غداء منتدي السياسة في معهد واشنطن بين اللواء الإسرائيلي المتقاعد جيورا آيلاند والسفير الأمريكي مارتن إنديك، الأول هو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ويعمل حالياً أحد كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب. والثاني هو سياسي أمريكي وسفير واشنطن لدي إسرائيل لفترتين امتدتا من أبريل 1995 إلي سبتمبر 1997، ومن يناير 2000 إلي يوليو 2001، عيّنه الرئيس السابق باراك أوباما مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط في يوليو عام 2013. ويعمل حالياً مديراً لمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز. وفي السطور التالية نعرض باختصار لأهم ملاحظتهما ورؤية كل منهما لحل القضية الفلسطينية، والتي نُشرت بتاريخ 3 أكتوبر 2008، بعنوانکethinking the Two-State Solution (إعادة النظر في حل الدولتين) أوهام الجنرال آيلاند في إطار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تكمن مفارقة. فبالرغم من أنّ حل الدولتين معروف جيداً ومقبول علي نطاق واسع، وبالرغم من وجود إجماع دولي علي الحاجة إليه، لم يحرز تقدم يذكر لتحقيق هذه الغاية. يعني هذا أن أياً من الطرفين لا يرغب في الحل وليس علي استعداد لاتخاذ ما يلزم من مخاطر للمضي قدماً والتوصل إلي اتفاق. وفي نهاية المطاف، فإن أقصي ما تستطيع حكومة إسرائيل تقديمه للفلسطينيين - والبقاء سياسياً- هو أقل بكثير مما يمكن أن تقبله أي قيادة فلسطينية. وعلي هذا النحو، هناك فجوة بين الجانبين تستمر في الاتساع علي مر السنين. أحد التغييرات المتصورة هو إعطاء الأردن المسؤولية الأمنية عن الضفة الغربية. سيكون من المفضل إعطاء هذا الدور إلي الأردن بدلاً من السلطة الفلسطينية لسبب رئيسي واحد: هو حماس. هناك قلق مشروع من أنه إذا أقيمت دولة فلسطينية في الضفة الغربية، فسوف تسيطر عليها حماس لا محالة. لذلك، فإن ترك المسؤولية الأمنية إلي الأردن مع ضمان الاستقلال السياسي الفلسطيني يمكن أن يمنع التهديد الذي يشكله حماس علي إسرائيل. وعلاوة علي ذلك، في ضوء سيطرة حماس علي غزة، قد يكون الفلسطينيون أكثر استعداداً للعيش تحت حكم الأردن من العيش في دولة حماس إذا تم إنشاء دولة في الضفة الغربية. ففي استطاعة مصر والكلام مازال علي لسان الجنرال آيلاند - التنازل عن مساحة متواضعة من الأرض تؤدي إلي زيادة كبيرة في حجم قطاع غزة. وتحتفظ إسرائيل بعد ذلك بقسم من الضفة الغربية يعادل ما تعطيه مصر لغزة من أرض. في المقابل، تمنح إسرائيل جزءاً معادلاً من الأرض من صحراء النقب إلي مصر وتخلق بذلك ممراً مباشراً من مصر إلي الأردن. السفير إينديك وبالانتقال إلي كلام السفير مارتن إينديك نجد التالي: رغم أن جيورا آيلاند يقدم أفكاراً مثيرة للاهتمام، إلا أنها ليست خيارات قابلة للتطبيق. تحدّيه مهم لتوفير حلول بديلة، لكنه يتخذ نهجاً غربياً جوهرياً للوضع، ينجذب إليه الأمريكيون بدافع الاعتقاد أنّ لكل مشكلة حلاً، لكنّ في حلوله عيوبا جوهرية. بخصوص الخيار الأردني، في نهاية المطاف لن تكون هناك حكومة أردنية واحدة مستعدة لتولي مسؤولية الأمن من إسرائيل والقيام بمهام ضبط الفلسطينيين. فالفلسطينيون في الضفة الغربية يشكلون تهديداً ديموجرافياً للأردنيين. وعلاوة علي ذلك، يمر آيلاند علي قضية الهوية الفلسطينية بسرعة كبيرة جداً بإشارته إلي أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيكونون مستعدين لقبول الهوية الوطنية الأردنية. ومن المشكوك فيه جداً أن يوافق الفلسطينيون علي ذلك بسهولة. أما بخصوص الخيار الإقليمي، فمن الناحية التاريخية لم تكن الدول العربية راغبة في الدخول في هذا النوع من الحل. ونظراً لإصرار مصر في ثمانينيات القرن الماضي علي رفع مسألة منطقة طابا الحدودية الصغيرة جداً في سيناء إلي التحكيم الدولي، من غير الواقعي أن نتوقع بأن يتخلّي المصريون عن طيب خاطر عن أي شبر من سيناء لمصلحة جيرانهم الفلسطينيين. انتهي الاقتباس من كلام الرجلين الموثق علي الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن ويمكن التحقق والمراجعة باللغتين الإنجليزية والعربية من خلال الرابط التالي: www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/rethinking-the-two-state-solution3 كما أن الجنرال آيلاند نشر رؤيته باستفاضة من خلال وثيقة تشتمل علي 46 صفحة باللغتين الإنجليزية والعبرية، بعنوانکegional Alternatives to the Two-State Solution (البدائل الإقليمية لحل الدولتين) علي الموقع الإلكتروني لمركز بيجين- السادات للدراسات الاستراتيجية، وذلك في الأول من يناير عام 2010، وهو ما يمكن التحقق منه من خلال الرابط التالي: http://besacenter.org/policy-memorandum/regional-alternatives-to-the-two-state-solution-2-2