قطاع غزة وربما القضية الفلسطينية برمتها يتحدد الآن في قطر، جلسات من المناقشات والمفاوضات السرية غير المباشرة بين حماس وإسرائيل تدور الآن في غرف مغلقة بالدوحة، هكذا أفادت صحيفة لوموند الفرنسية اليومية نقلا عن مصادر دبلوماسية عليا، لم تُسمها. المفاوضات ترعاها تركيا ويتوسط فيها مجرم الحرب، توني بلير، شريك جورج دبليو بوش، في جريمة غزو العراق وقتل أكثر من مليوني شخص في بلاد الرافدين، ويبدو الهدف المعلن من الحوار الإسرائيلي الحمساوي هو إرساء الاستقرار في القطاع بعد 3 حروب في سبع سنوات و10 سنوات من حصار خانق أفقر أكثر من نصف سكانه، فيما الهدف الخفي هو تسوية شاملة لن تخدم سوي الأهداف الصهيونية. طبقا لتصريحات دبلوماسي غربي له صلة وثيقة بحماس، فإن توني بلير، الذي استقال مؤخرا من منصبه كممثل للرباعية الدولية (الولاياتالمتحدة-روسيا- الاتحاد الأوروبي- الأممالمتحدة)، التقي خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، علي الأقل مرتين، في العاصمة القطرية حيث مقر إقامة الأخير، وتهدف تلك المفاوضات، التي كانت سرية حتي أيام قليلة مضت، إلي فتح الطريق لإعادة إعمار غزة مقابل هدنة لا تقل عن 10 سنوات مع الدولة العبرية، وفي هذا الإطار فإن السيد بلير يمتلك تفويضا من إسرائيل، بحسب تصريحات الدبلوماسي الغربي للومند الفرنسية. خالد مشعل نفسه اعترف بتلك المفاوضات في تصريحات أدلي بها لصحيفة العربي الجديد، ومقرها العاصمة البريطانية لندن، التي يرأس تحريرها الإخواني الهارب وائل قنديل والممولة من قطر، ووصف مشعل المفاوضات بأنها «إيجابية» غير أن مشعل تلقي صفعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كذب الأمر شكلا وموضوعا بالقول «لم نجر أية مفاوضات مع حماس لا مباشرة ولا غير غير مباشرة.. لا من خلال دول أخري ولا من خلال أي وسيط آخر ولكن مجلة الرسالة الناطقة باسم حماس (نلاحظ هنا أن جبهة النصرة الإرهابية في سوريا، والمدعومة من تركيا، تصدر صحيفة تحمل نفس الاسم) نشرت تصريحات حصرية منسوبة لأحد مستشاري رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو قال فيه هناك اتفاق قريب يلوح في الأفق: رفع الحصار عن غزة ووقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس». طبقا لنفس المصدر الغربي فإن الوثيقة موضع النقاش بين إسرائيل وحماس تدور حول تجديد طريقة العبور من وإلي قطاع غزة وإزالة العقبات في طريق ذلك، وإنشاء ميناء بحري في غزة بتمويل قطري- تركي مشترك وسيتم تفتيش البضائع قبل وبعد دخولها غزة بواسطة إسرائيل في ميناء قبرص، وكانت تل أبيب تقدمت باقتراح لتفتيشها في ميناء أشكيلون (شمال قطاع غزة) قبل أن ترفضه حماس. بناء ميناء للبضائع في قطاع غزة كان ضمن برنامج المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية منذ عام 1999 قبل أن ترفض إسرائيل الفكرة بحجة اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005) وطبقا لصحيفة هآرتس العبرية فإن خالد مشعل ناقش مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسألة إنشاء ممر بحري بين غزة وشمال قبرص الواقع تحت الاحتلال التركي منذ عام 1974. وطبقا للمصدر الدبلوماسي الغربي، فإن عدة دول بالإقليم لها مصلحة في نجاح مفاوضات الدوحة بين إسرائيل وحماس، وأولها المملكة العربية السعودية التي تريد استقطاب حماس لديها لتعزيز المحور السني في مواجهة إيران، لا سيما بعد تسوية تلك الأخيرة أزمة ملفها النووي مع الغرب ورفع العقوبات عنها، ولكي تبتعد طهران تماما عن القطاع الذي تعبث فيه منذ سنوات، كما أن تركيا تريد تسوية حساب قديم مع إسرائيل ويتمثل في قضية السفينة «مافي مرمرة» التي أبحرت من السواحل التركية عام 2010 بهدف كسر الحصار علي قطاع غزة ولكن قوات خفر السواحل الإسرائيلية واجهتها بعنف مما أدي لمقتل 9 من ركابها. كما أن لإسرائيل والاتحاد الأوروبي مصلحة في رفع الحصار عن غزة ودفع اقتصادها للأمام، حيث يدفع الأوربيون إعانات لأكثر من 60% من سكان القطاع الذين يعانون من البطالة، إضافة لارتفاع معدلات وفيات الأطفال في القطاع لأعلي مستوي له منذ 50 عاما، فضلا عن الأحوال المعيشية المتردية تدفع عددا غير قليل من الشباب للالتحاق بجماعات مسلحة بدأت تظهر في غزة وتبايع ما يُعرف بتنظيم (داعش). علي رأس المعارضين للاتفاق تأتي السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، حيث إن اتفاق مثل هذا يقلل من أمل سلطة رام الله في العودة مرة أخري لحكم القطاع منذ انقلاب حماس المسلح عليها وطردها منه عام 2007 وفي هذا الصدد قال أحمد عساف المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية اتفاق حماس مع توني بلير يفتح الطريق لمزيد من الانقسام ويخدم أهداف حكومة الاحتلال ونفس القلق عبر عنه دبلوماسي أوروبي مقيم بالقدس، حيث أوضح الاتفاق يعزز من قوة حماس ويضعف محمود عباس وهذا ما لا نتمناه. حماس التي ورطت الشعب الفلسطيني في حروب عبثية، أعوام 2008-2009 و2012 و2014 لم تسفر عن شيء سوي عن تدمير قطاع غزة بالكامل تقريبا وموت عشرات الآلاف من الأبرياء بينما لم يُصب أي من قادتها بخدش، يبدو أن أنها تنكرت لمبادئها واعترفت بإسرائيل كدولة وتتفاوض معها، وليس هذا فقط بل إنها تخلت عن ثوابت القضية الفلسطينية المتمثلة في دولة علي حدود 67 عاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. الأخطر من ذلك هو أن حماس التي تريد الاستئثار بحكم القطاع منفردة تُجر إلي فخ ينصبه الإسرائيليون أو ربما هي شريكة معهم في مؤامرة تهدف إلي إتخام قطاع غزة البالغ مساحته 360كم مربع ويفوق عدد سكانه المليوني نسمة، ثم تصدير كل مشاكله الاقتصادية والديموجرافية إلي مصر، وفي نفس الوقت يتم خلق سيناريو مشابه في الضفة الغربية ليتم إلحاقها بالمملكة الأردنية، وهو ما تروج له القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي وصحيفة يدعوت أحرنوت منذ سبتمبر من العام الماضي، حيث تحلم تل أبيب بإلقاء فواتير احتلالها علي القاهرة وعمان، فمن ناحية ينتهي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين للأبد، ومن ناحية أخري تتحول غزة والضفة لمنطقتين عازلتين بما يوفر عمقاً أمنياً لسكانها علي حساب سيادة الآخرين، ويحاول الإسرائيليون العزف علي وتر مسؤولية مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية وكونها دوماً الوسيط الأهم في حل كل الأزمات وتضحياتها في الماضي ب100 ألف من خيرة شبابها، فضلا عن اقتصادها، من أجل القضية الفلسطينية، وبناءً عليه فلتستمر مصر في البذل من أجل أشقائها. بالعودة ليوم الثالث من أكتوبر عام 2008 وزيارة الموقع الألكتروني لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط نكتشف أن هذا الطرح ما هو إلا جزء من مناقشة دارت في اجتماع غداء منتدي السياسة في معهد واشنطن بين اللواء الإسرائيلي المتقاعد جيورا آيلاند والسفير الأمريكي مارتن إنديك، الأول هو رئيس سابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ويعمل حالياً أحد كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب. والثاني هو سياسي أمريكي وسفير واشنطن لدي إسرائيل لفترتين امتدتا من أبريل، 1995 إلي سبتمبر، 1997 ومن يناير 2000 إلي يوليو، 2001 عيّنه الرئيس باراك أوباما مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط في يوليو عام 2013. ويعمل حالياً مديراً لمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز. وفي السطور التالية نعرض باختصار لأهم ملاحظتهما ورؤية كل منهما لحل القضية الفلسطينية، والتي نُشرت بتاريخ 3 أكتوبر 2008 بعنوان (Rethinking the Two-State Solution إعادة النظر في حل الدولتين) «في إطار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تكمن مفارقة. فبالرغم من أنّ حل الدولتين معروف جيداً ومقبول علي نطاق واسع، وبالرغم من وجود إجماع دولي علي الحاجة إليه، لم يحرز تقدما يذكر لتحقيق هذه الغاية. يعني هذا أن أياً من الطرفين لا يرغب في الحل وليس علي استعداد لاتخاذ ما يلزم من مخاطر للمضي قدماً والتوصل إلي اتفاق. وفي نهاية المطاف، فإن أقصي ما تستطيع حكومة إسرائيل تقديمه للفلسطينيين والبقاء سياسياً - هو أقل بكثير مما يمكن أن تقبله أي قيادة فلسطينية. وعلي هذا النحو، هناك فجوة بين الجانبين تستمر في الاتساع علي مر السنين. إحدي التغييرات المتصورة هي إعطاء الأردن المسؤولية الأمنية عن الضفة الغربية. سيكون من المفضل إعطاء هذا الدور إلي الأردن بدلاً من السلطة الفلسطينية لسبب رئيسي واحد: هو حماس. هناك قلق مشروع من أنه إذا أقيمت دولة فلسطينية في الضفة الغربية، فسوف تسيطر عليها حماس لا محالة. لذلك، فإن ترك المسؤولية الأمنية إلي الأردن مع ضمان الاستقلال السياسي الفلسطيني يمكن أن يمنع التهديد الذي يشكله حماس علي إسرائيل. وعلاوة علي ذلك، في ضوء سيطرة حماس علي غزة، قد يكون الفلسطينيون أكثر استعداداً للعيش تحت حكم الأردن من العيش في دولة حماس إذا تم إنشاء دولة في الضفة الغربية. ففي استطاعة مصر التنازل عن مساحة متواضعة من الأرض تؤدي إلي زيادة كبيرة في حجم قطاع غزة. وتحتفظ إسرائيل بعد ذلك بقسم من الضفة الغربية يعادل ما تعطيه مصر لغزة من أرض. في المقابل، تمنح إسرائيل جزءاً معادلاً من الأرض من صحراء النقب إلي مصر وتخلق بذلك ممراً مباشراً من مصر إلي الأردن. بالرغم من أن جيورا آيلاند يقدم أفكاراً مثيرة للاهتمام، إلا أنها ليست خيارات قابلة للتطبيق. تحدّيه مهم لتوفير حلول بديلة، لكنه يتخذ نهجاً غربياً جوهرياً للوضع، ينجذب إليه الأمريكيون بدافع الاعتقاد أنّ لكل مشكلة حلاً، لكنّ في حلوله عيوبا جوهرية. بخصوص الخيار الأردني، في نهاية المطاف لن تكون هناك حكومة أردنية واحدة مستعدة لتولي مسؤولية الأمن من إسرائيل والقيام بمهام ضبط الفلسطينيين. فالفلسطينيون في الضفة الغربية يشكلون تهديداً ديموجرافياً للأردنيين. وعلاوة علي ذلك، يمر آيلاند علي قضية الهوية الفلسطينية بسرعة كبيرة جداً بإشارته إلي أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيكونون مستعدين لقبول الهوية الوطنية الأردنية. ومن المشكوك فيه جداً أن يوافق الفلسطينيون علي ذلك بسهولة. أما بخصوص الخيار الإقليمي، فمن الناحية التاريخية لم تكن الدول العربية راغبة في الدخول في هذا النوع من الحل. ونظراً لإصرار مصر في ثمانينيات القرن الماضي علي رفع مسألة منطقة طابا الحدودية الصغيرة جداً في سيناء إلي التحكيم الدولي، من غير الواقعي أن نتوقع بأن يتخلّي المصريون عن طيب خاطر عن أي شبر من سيناء لمصلحة جيرانهم الفلسطينيين. انتهي الاقتباس من كلام الرجلين الموثق علي الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن ويمكن التحقق والمراجعة باللغتين الإنجليزية والعربية من خلال الرابط التالي: http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/rethinking-the-two-state-solution3 كما أن الجنرال آيلاند نشر رؤيته باستفاضة من خلال وثيقة تشتمل علي 46 صفحة باللغتين الإنجليزية والعبرية، بعنوان (Regional Alternatives to the Two-State Solution البدائل الإقليمية لحل الدولتين) علي الموقع الألكتروني لمركز بيجين - السادات للدراسات الاستراتيجية، وذلك في الأول من يناير عام 2010 وهو ما يمكن التحقق منه من خلال الرابط التالي: http://besacenter.org/policy-memorandum/regional-alternatives-to-the-two-state-solution-2-2/