د. عصام شرف يبدو لي أن الوعكة التي أصابت رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف لم تكن صحية بقدر ماكانت سياسية.. أو إن شئنا الدقة كانت وعكة صحية لأسباب سياسية. والحق يقال بأن الضغوط التي تعرض لها الرجل خلال الشهور الماضية منذ توليه الوزارة وحتي الآن ليست بالهينة.. ولكن للحق أيضا فإن الدكتور شرف ساهم باختياراته وبقراراته وصمته بنصيب كبير في زيادة هذه الضغوط. فاختيارات شرف لم تكن في الغالب موفقة ظهر ذلك منذ بداية تشكيله لحكومته الأولي التي جانبها التوفيق وجاءت عكس مانادي به الثوار.. فظهرت العديد من الشخصيات المعروفة بانتمائها للحزب الوطني والمحسوبة علي نظام فاسد.. ومع ذلك لم يتم استبعادها إما نتيجة الغفلة.. وهو أمر مستبعد أو بفعل ضغوط وهو ما اتضح لاحقا إلا أننا أيضا لا نستطيع أن نعفيه من المسئولية في هذه الحالة بسبب المشاركة علي الأقل بالصمت والقبول لأمر ما كان ينبغي قبوله، خاصة بعدما انعكس ذلك علي أداء الحكومة البطئ والباهت أحيانا والذي يصب في عكس اتجاه الثورة ورغبات الثوار في كثير من الأحيان. ربما تنبه رئيس الوزراء مؤخرا لذلك بعدما شعر أن شعبيته ومكانته في ميدان التحرير اهتزت كثيرا لحد المطالبة بسحب الشرعية التي كانت وحدها سببا في وصوله إلي سدة الحكم.. إلا أن تدارك شرف جاء متأخرا وفقد كل معني له بعدما فشل في إجراء تغيير وزاري لسبعة من أعضاء الحكومة لرفض المجلس العسكري لطلبه. ورغم أن ضغوط المعتصمين في ميدان التحرير نجحت في إحداث هذا التغيير ليس فقط لسبعة وإنما لأكثر من ذلك، إلا أن رئيس الوزراء كعادته لم يستغل الفرصة جيدا وبدا وكأنه لم يقدر حقيقة الفرصة الثمينة التي منحها له الميدان بالاستمرار بالرغم من مطالبات البعض له بتقديم استقالته.. إلا أن هذه الأصوات بدأت في الانخفاض تدريجيا بعدما ارتأي آخرون منح شرف فرصة أخري. ومع ذلك لم تأت رياح التغيير بما لا تشتهي سفن الثوار.. وبدأ الغموض يغلف الأسماء المطروحة لتولي الحقائب الوزارية وكأنه متعمد حتي لا يواجه برفض سريع من الميدان.. إلا أن الحقائق بدأت تتكشف بأسرع ما توقعه الكثيرون فظهرت أصابع الاتهام لتحيط ببعض الأسماء المطروحة إضافة إلي الإصرار علي التمسك بشخصيات أخري موالية للنظام السابق ليبدو المشهد وكأن مصر نضبت وعقمت عن إنجاب شخصيات تتمتع بالكفاءة والخبرة والحنكة والنزاهة ولا تدور حولها شبهة الاقتران بنظام فاسد. لا أحد ينكر أن بعض الأسماء المطروحة أصابت الثوار بخيبة أمل خاصة بعدما ظهر بعض رجال الأعمال في الوزارة الأمر الذي أعاد بقوة شبح مأساة التزاوج بين السلطة والثروة التي دفع ثمنها الشعب من إهدار ثروته والتي صبت في جيوب أصحاب المصالح والنفوذ ليس هذا فقط بل أصبح والمحير فعلا قبول استمرار أسماء بعينها أمثال وزير الكهرباء حسن يونس ووزيرة التعاون الدولي فايزة أبوالنجا ووزير البيئة الدكتور ماجد جورج والتي ارتبطت بالنظام السابق لسنوات طويلة وهو ما بدا أمرا غير منطقي ويصعب قبوله. الأغرب أن تأتي تصريحات الدكتور حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء، وهو أحد الشخصيات المرموقة والتي تحظي باحترام وتقدير وثقة الكثيرين إلا أن أول تصريحاته والتي فتحت الباب مرة أخري أمام قبول الاقتراض من الخارج أو بمعني آخر لم تبد رفضا للاقتراض وهو ماجعلت الشكوك تتسرب في نفوس بعض المتحمسين للرجل لتجعل التخوف من ميوله الرأسمالية أكثر من الثقة في قدرته ورغبته لتحقيق العدالة الاجتماعية. لا أعتقد أن تشكيل حكومته الجديدة يرضي الثوار وتكون قادرة علي تحقيق مطالب الشعب في نفس الوقت أمر مستحيلا ربما يبدو بالفعل صعبا أمام إحجام بعض الأسماء ذات الثقل والمكانة والتاريخ الثوري الناصع ورفضهم المشاركة في وزارة لأسباب مختلفة نتفهمها ونحترمها لكن لاشك أيضا أن هناك الكثيرين من الشخصيات الأخري التي لا تقل ثقلا ووطنية وكفاءة يمكن أن تقبل هذه المهمة الصعبة. إلا أن الأمر في نظري يتطلب جهدا أكبر من الدكتور شرف في البحث عن هذه الشخصيات والاستعانة بها حتي ينجو من مأزق الاستعانة بأسماء محروقة أو مشبوهة أو لا تحظي بالثقة.. ومن ثم تصبح فرصة استعادته للشعبية والشرعية المستمدة من ميدان التحرير ليست فقط ضئيلة وإنما معدومة. أقدر أن المهمة ثقيلة لكن من الممكن ألا تصبح كذلك لو أن الدكتور شرف وجه بوصلة قراراته واختيارات ومواقفه تجاه الميدان.. فهي فقط القادرة علي إرشاده للطريق السليم. فليجرب ذلك فلاشك أن النجاح سيكون حليفه تماما مثلما كان الفشل حليفه عندما ابتعد عن أحلام الميدان ومطالب الثوار وأهداف المعتصمين. لا تقنعني كثيرا الأحاديث عن الضغوط التي يتعرض لها رئيس الوزراء من قبل المجلس العسكري وإن كنت علي ثقة من تعرضه لهذه الضغوط، لكني علي ثقة أيضا من أن التسليم لها أو الاستسلام لها ليبدو أمرا غير منطقي.. فإما أن يقدم الدكتور شرف استقالته ويعلن عن هذه الضغوط بصراحة أو يعود للميدان الذي استمد منه شرعيته ليستمد منه القوة علي مواجهة هذه الضغوط. فمن يجعل وقوده ثقة الثوار لا يجب أن يلتفت لأي ضغوط مهما كان حجمها ومهما كانت قوة مصدرها. فشرعية التحرير وقوته تعلو أي قوة وأثبتت مليونية 8 يوليو وما بعدها ذلك.. والأمر فقط يتطلب إرادة قوية وثقة في أن خريطة الطريق لمصر الجديدة لا يرسمها سوي المعتصمين في ميدان التحرير. [email protected]