لواء طارق المهدى »بيزنس قنوات ما بعد الثورة« كان شعار القنوات الجديدة التي تم إطلاقها مؤخرا في مصر بعد تفعيل قانون تعديل تعاقد المنطقة الإعلامية الأخري، الأمر الذي أدي إلي إطلاق العديد من القنوات الفضائية التي تنوعت رؤاها وطبيعتها وتوجهاتها ما بين قنوات تحمل شعارا دينيا في مضمون سياسي وبين أخري تحمل توجهات سياسية تهدف إلي تحريض الشعب علي الاستمرار في براثن الثورة . رغم تنوع القنوات واختلافها إلا أنه أصبح لا يوجد رقيب علي مثل هذه القنوات، التي تنوعت وتزداد بضراوة، تحمل وراءها أهدافا سياسية، والتساؤل هنا حول الأهداف الحقيقية لهذه القنوات ومن هي الجهات القائمة عليها، وما المضمون الذي ترغب في ايصاله إلي الجمهور؟! فالإعلام الآن تحول من مضمون ورؤية إلي مجموعة من المرتزقة الذين يهدفون إلي تحقيق الربح فقط من خلال »بيزنس الثورة«. ومع تزايد الأوضاع سوءا، وحالة الانفلات الأمني والسياسي في البلاد، ظهر لوبي جديد من القنوات يحمل الشعارات الدينية في مضمون سياسي يهدف إلي استغلال الدين وتطويعه في مجال السياسة، علي رأسها مجموعة القنوات التي أطلقها الإخوان المسلمون لتحقيق أهدافهم السياسية بل إن الأمر لم يتوقف علي الإخوان بل إن الاحزاب لم تترك المجال بدون أن تحقق الاستفادة من الغنيمة. وقد بدأت هذه الموجة بتعاقد المنطقة الإعلامية الحرة علي إطلاق 16 فضائية وقعت عقودها مع شركات مختلفة والتي تحمل غالبيتها شعارا دينيا يتبع التيارات السلفية المختلفة التي تمول من العائلات الخليجية والسعودية علي وجه الخصوص، بالإضافة إلي أن الباب أصبح مفتوحا أمام عودة الفضائيات السلفية التي تم إغلاقها علي نايل سات وعادت مرة أخري من جديد بعد الثورة بترخيص جديد غير كونها قنوات دينية بعد حظر إطلاق نايل سات قنوات دينية، ومن بين هذه قنوات الحافظ والناس والرحمة والفجر وتواصل والخليجية والعفاسي. قناة »مصر 25« كانت أبرز القنوات التي انطلقت بعد الثورة وتعد أول قناة مصرية تنطلق بعد الثورة، والتي يرأس مجلس إدارتها صادق عبدالرحمن الشرقاوي الذي ينتسب إلي جماعة الإخوان المسلمين، ويؤكد أن القناة تهدف إلي التركيز علي قضايا المجتمع المصري من خلال شبكة من المراسلين في جميع أنحاء مصر، مشيرا إلي أنه يجري حاليا الإعداد و التخطيط للخريطة البرامجية للقناة الجديدة والتي تضم العديد من البرامج التي سيقدمها شخصيات إعلامية متميزة، وقد أطلقها الإعلامي محمد جوهر، وهو من أقدم الإعلاميين خبرة في إطلاق القنوات وتصوير التقارير الإخبارية . محمد جوهر هو واحد من أبرز الإعلاميين الذين ظل اسمه مرتبطا بالرئاسة منذ عهد الرئيس الراحل السادات لارتباطه بتسجيل خطابات الرئاسة ولقاءات الرئيس التي كانت تجري لبثها أي قناة في الداخل أو الخارج، وأصبح واحدا من أهم الكيانات الموجودة في الإعلام العربي من خلال شركته" فيديو كايرو" التي يرأس مجلس إدارتها. كما قام الإعلامي إبراهيم عيسي بإطلاق قناة فضائية تحمل اسم " التحرير، وتأتي فكرة إنشاء المحطة خلال الأسبوع الثاني من الثورة عبر شركة أجنبية ،وتقدم القناة برامج سياسية وثقافية، وتتضمن القناة برنامج توك شو رئيسي لمدة ساعتين يوميا يقدمه إبراهيم عيسي، بينما بقية البرامج مسجلة وتضم فيديوهات وصورا عن الثورة والتأريخ لها، وتعتمد القناة علي الناشطة نوارة نجم و وعدد من شباب الثورة الذين يقدمون برنامجاً جماعيا ناطقا باسمهم حتي الإخوان المسلمون لم يتركوا الباب مفتوحا، بل برزوا أكثر من خلال الساحة الإعلامية بعد إطلاق قناة تحمل اسم "الإخوان" لتكون المتحدث الرسمي للجماعة لتحسين الصورة الذهنية لهم التي كونها النظام السابق، بالإضافة إلي مجموعة من القنوات المنتظر إطلاقها قناة البيت بيتك التي يشارك فيها المهندس محمود بركة رجل الأعمال نجيب ساويرس. وقد كشف الدكتور عبدالرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد ومفتي الإخوان المسلمين، عن عزم الجماعة إطلاق قناة فضائية جديدة علي القمر المصري »نايل سات« لتكون أول قناة إعلامية شرعية تطلقها الجماعة منذ إنشائها. ويشير إلي أن إطلاق الجماعة قناة فضائية أمراً طبيعياً في ظل المتغيرات الحالية وقال إن الإخوان يحرصون علي التواصل مع المجتمع وإعلان توجهاتهم السياسية علي الملأ، وسيكون للقناة دور تنويري، مشيراً إلي أن الجماعة حاولت إطلاق القناة في ظل النظام السابق، لكن الأمن ألقي القبض علي العشرات لإجهاض المشروع. قناة "المصري" كانت أبرز القنوات الحزبية والناطقة بلسان حزب الوفد، ليكون بذلك الوفد أول حزب مصري يمتلك فضائية، حتي الأحزاب انتهزت الفرصة لتنال من غنيمة الثورة، تتحدث القناة عن رؤية الحزب للمرحلة السياسية الحالية، بجانب المخاطر التي تحيط بثورة 25 يناير والإجراءات السريعة والحاسمة المطلوب اتخاذها لحماية الثورة. ويقول د. إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية إن معظم القنوات الجديدة التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، كلها تهدف إلي تحقيق أهدافها السياسية المتمثلة في التأثير علي رأي الشارع المصري، مشيرا إلي أن غالبية هذه القنوات أصبحت تستغل الثورة في تحقيق الانتشار، فأصبحت تستغل في أسمائها مفردات الثورة مثل 25 يناير أو التحرير أو الميدان أو الحرية أو العدالة لاستثمار الحدث والصعود، مشيرا إلي أن الهدف من هذه القنوات هو تحقيق مكاسب مالية وسياسية باسم الثورة، من خلال استغلال شعارات الثورة بعد عملية الركود التي أصابت إعلام الترفيه من مسلسلات وأفلام. بينما يقول حسن الشامي رئيس الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية إن حرية واستقلال الإعلام من أهم الحقوق السياسية في مجتمع يتطلع للتعددية السياسية والفكرية. فلا معني لتعددية دون حرية.. ولا فائدة من التعددية إذا لم تكن لها الحرية والاستقلال الإعلامي. حيث تحتل قضية حرية الرأي والتعبير مكانة بارزة كأحد أهم حقوق الإنسان وذلك منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م. وأضاف الشامي إن احتكار الدولة لأجهزة الإعلام قبل الثورة جعلها تفرض علي الجمهور أخبار الحزب الحاكم ودعايته مع مصادرة حق أحزاب المعارضة في المساواة، رغم أن أجهزة الإعلام ملكية عامة وليست ملكية مجموعة أشخاص يتحكمون في إنتاج وتوزيع وعرض نوعية معينة من الثقافة والدراما وتهبط بأذواق المواطنين في التسلية والترفيه. ويقول إبراهيم هلال أستاذ القانون - إن الإعلاميين المصريين يقفون اليوم أمام واقع جديد، وكأنهم استيقظوا ذات صباح ليجدوا أن استديوهاتهم صارت في عراء سياسي لا سقوف له ولا جدران. هذه المفاجأة التي كانت بلا شك سارة لكثيرين منهم وضعتهم جميعا في اختيار آمل ألا يصل إلي حد المأزق. فالإعلام الحكومي الذي لم يزل مستقبله غير واضح، خطا خطوات واسعة علي طريق »المهنية« عبر تغطية إخبارية موضوعية لما يجري في مصر. وأصبحت نشرات أخبار التليفزيون المصري أكثر جذبا وأشمل في تغطيتها ليس فقط للشأن المصري بل وحتي للشأن العربي. فيمكنك أن تفهم ما يجري في ليبيا أو اليمن عبر هذه النشرات لأن منتجيها من صحفيين ومحررين لم تصلهم تعليمات توضح لهم »الخط السياسي المصري« من هذه الأزمات، وبالتالي تمكنوا من استعراض الأحداث بمهنية ظلت مكبوتة لعقود.