أفضل ما فعله أوباما قبل أن يترك منصبه ويرحل ويُحسب له هو افتتاحه "للمتحف الوطني للتاريخ الأفريقي الأمريكي" في واشنطن الذي يروي القصص الملحمية للأمريكيين من أصول أفريقية .. ليكون هذا المتحف الذي طالب به الأفريقيون منذ عقود عديدة ليفتتحه في عهد أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية .. وليُقام المتحف بعد حوالي 400 عام من وصول أول فوج من الأفارقة قسراً إلي سواحل أمريكا وهي في طور الإنشاء ليروي للتاريخ معاناة وكفاح ودور هذه الأقلية السوداء في بناء أمريكا .. والمثير أن يأتي الافتتاح بينما يتجدد التوتر العرقي والعنف العنصري في أنحاء متفرقة من أمريكا اليوم .. المتحف الضخم يعدُّ أحد أعظم أعمال المعماري البريطاني الذي صممه في شكل بسيط مكون من طوابق علي الطراز الأفريقي " الكورون " والمُطعّم بالأشكال الحديدية تغطيه من الخارج ليبدو هو نفسه كسجن الذي يرمز لتحرر الأفارقة من سجون أمريكا .. ومن أهم معالم المتحف الرمزية هو إطلالة نوافذه علي نصب " لينكولن " التذكاري، وهو المكان الذي نطق فيه " مارتن لوثر كينج " عندي حلم .. وقد بُني المتحف بتكلفة 540 مليون دولار تكفلت الحكومة بنصف التكلفة وجاء باقي المبلغ من تبرعات الأفراد والشركات .. وهو مُقام علي مساحة 37 ألف متر مربع مخصص بالكامل لحياة وتاريخ وثقافة الأمريكيين من أصول أفريقية .. قبل افتتاح المتحف بأيام دعا أوباما مرشح الرئاسة الأمريكي حينذاك "ترامب" أن يستفيد من دروس التاريخ عن التحديات التي تغلب عليها الأمريكيون ذوي الأصول الأفريقية .. وكان ترامب قد دعا السود لدعمه واصفاً الوضع في مجتمع الأمريكيين الأفارقة بأنه أسوأ من أي وقت مضي قال أوباما يوم الافتتاح السبت 24 سبتمبر الماضي الذي نُشرت أخباره في الجرائد الأمريكية ومنها "الآرت ديلي" المتخصصة في الفنون والعمارة .. بقوله: "إلي جانب عظمة المبني فهو القصة الأشمل التي يتضمنها .. فتاريخ الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية لا ينفصل عن تاريخنا الأمريكي الأشمل .. إنه ليس الشق المخفي أو السفلي من التاريخ الأمريكي بل إنه شق أساسي في تاريخ أمريكا " .. وقد جاء الافتتاح فيما تزايد التوتر إثر مقتل مواطن أسود بإطلاق النار عليه من شرطة مدينة شارلوت قبل الافتتاح بأسبوع واحد وسبقه وتلاه حوادث عنف عديدة لمقتل سود غير مسلحين بأيدي رجال الشرطة .. وفي هذا قال أوباما : " إن توقيت افتتاح المتحف جاء في ظل تجدد التوترات " العرقية " وهذه المرحلة مُضطربة وإذا لم نتوخ الحذر قد نعود إلي الوراء بدلاً من المضي قدماً للأمام " .. وقال في مقابلة تليفزيونية بمناسبة افتتاح المتحف: "إذا كان لدينا مئات السنين من التمييز العنصري فمن المحتمل أن آثار هذا التمييز مازالت قائمة، علينا أن نعترف بهذا ونقر به".. المتحف ينقسم إلي قسم تحت الأرض مخصص لتاريخ الأمريكيين السود والقسم الثاني في الطوابق العليا مخصص لأحوال السود الثقافية والاجتماعية .. وهو أول متحف وطني يوثِّق حقائق القمع الممنهج علي الأرض الأمريكية - الهندية سابقاً - ضد الزنوج السود من أصل أفريقي الذين انتزعوهم من أفريقيا وليتم تسخيرهم وقمعهم عنصرياً جسدياً ونفسياً لتعمير القارة الأمريكية الاستعمارية .. يعرض المتحف 36 ألفا من المقتنيات استُخدمت في جلب أو شراء العبيد من أفريقبا وكلبشات حديدية لتكبيل أقدام العبيد.. ويضم آلاف المقتنيات مثل خوذة سوداء وقفازات حمراء للملاكم الأسود العالمي المسلم محمد علي كلاي .. وجاكيت أسود لامع للمغني العالمي الزنجي مايكل جاكسون .. وبالمتحف عرض لعربة مقصورة من قطار قديم يعود لفترة الفصل العنصري .. ويتضمن المتحف من المواقف الاجتماعية للسود صورا ل "روزا باركس" التي رفضت أن تخلي وتترك مقعدها في الأتوبيس لرجل أبيض عام 1955 .. كما بالعرض صور وحشية لعدد من الرجال السود شُنقوا وأيديهم موثوقة بعضهم إلي بعض .. كما يشمل العرض عربة قطار سكة حديدية تعود لعشرينيات القرن الماضي .. وأيضاً يتم عرض مبني كان مخصصاً لسكني العبيد السود من ساوث كارولينا .. ونعش الصبي إيميت تيل الذي أدي قتله عام 1955 لإعطاء دفعة قوية لحركة الحقوق المدنية للسود في ولاية مسيسيبي .. وسيارة كاديلاك حمراء اللون كانت مملوكة لرائد موسيقي " الروك آند رول" تشاك بيري .. وضم المتحف حذاء رياضيا مكتوبا عليه "نعم نستطيع" وهو شعار حملة "أوباما" الانتخابية كأول رئيس لأمريكا من أصول أفريقية .. قبل الافتتاح تم حجز مائتي ألف تذكرة زيارة للمتحف ونفذت خلال شهر واحد، وصدرت تذاكر زيارة أخري في نوفمبر الماضي .. وصرح مدير المتحف لوني بانش: "إن من بين أسباب إقامة هذا المتحف هو مساعدة أمريكا علي تذكُّر ومواجهة ماضيها العنصري للتعذيب ..إلي جانب الإحساس بالضغوط النفسية بين لحظات الدموع ولحظات السعادة .. افتتح أوباما المتحف بحضور الآلاف من المدعوين معظمهم من السود وحضرت معه زوجته ميشيل أوباما .. والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وزوجته لورا بوش ..وكولن باول ..والممثل روبرت دي نيرو والممثلة السوداء أنجير باسيت .. والمذيعة السوداء أوبرا وينفري والممثل الأسود ويل سميث ..