وهكذا مضت الجمعة الماضية »جمعة الإنذار الأخير« بهدوء وسلام بما لها وعليها حيث أثارت بما حملته من مسمي كثيرا من الجدل والحوار بين مختلف أفراد الشعب والتيارات السياسية التي تموج بها البلد حاليا »140 ائتلافا« وتساءل البعض الإنذار الأخير لمن؟ هل هو لحكومة د.عصام شرف أم للمجلس العسكري.. واستطرادا لهذا التساؤل خرجت مطالبات داخل الميدان وخارجه تطالب باستقالة د.شرف وحكومته بسبب كما يقولون تراخيها في اتخاذ القرارات تنفيذا للمطالب الثورية وضعف الأداء الذي لا يتفق ومتطلبات الثوار.. كما علقت اللافتات في ميدان التحرير تنتقد مواقف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بسبب أدائه الذي لا يجاري حركة الثورة وخاصة بيان اللواء الفنجري الأخير الذي وصفته بعض رموز الثوار بالحدة والقسوة والذي أكد فيه أن المجلس الأعلي لن يسمح لأحد بالقفز علي الثورة. وأن جميع الخيارات مفتوحة مبررين ذلك بأن المجلس الأعلي أصبح يدير شئون البلاد وبالتالي فإن عليه أن يتقبل النقد علي أدائه.. غير أن أكثر مايلفت النظر في الجمعة الأخيرة »جمعة الإنذار الأخير« هو تلك الخلافات ولا أود أن أقول الانشقاقات بين مختلف التيارات الثورية وخاصة بين تلك التي شاركت في هذه الجمعة وبلغ عددها 22 ائتلافا في غياب جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي اللذين أعربا عن عدم الاشتراك في هذه التظاهرة لعدم جديتها من وجهة نظرهما.. ولقد سبق أن حذرت في مقال سابق من مغبة هذه الخلافات بين مختلف التيارات الثورية وخطورتها علي مسيرة الثورة. حقيقي إن تظاهرات يوم الجمعة الماضي وما قبلها من جمعات يمكن أن تمثل ضغوطا علي المجلس الأعلي وحكومة د.شرف للإسراع في تنفيذ مطالب الثورة غير أن مثل هذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلي عكس ما هو مرجو منها ذلك أن إدارة الدولة أي دولة ليست أمرا سهلا فكل دول العالم حتي أكثرها غني وتقدما مثل الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان تعاني هي الأخري من مشاكل وأزمات مالية واقتصادية واجتماعية رغم قدراتها الفائقة وهو ما يؤدي إلي التغيير في حكومات هذه الدول الديمقراطية كل دورة برلمانية أو دورتين. فكل حزب يأتي إلي سدة الحكم يواجه بمعارضة شديدة وانتقادات لاذعة من أحزاب المعارضة إلي أن يتم إسقاطه في الانتخابات التالية وتلك هي الديمقراطية التي نأمل أن تتم بها في أقرب وقت ممكن.. إن التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا هي بكل تأكيد تحديات جسيمة وتحتاج منا جميعا علي مختلف المستويات والتوجهات إلي قدر كبير من الحنكة والإخلاص في العمل والقدرة علي تحمل المسئولية والتجرد وأن تسود بيننا روح التسامح ونتخلص من مشاعر الانتقام والتشفي دون المساس بحقنا في استرداد كافة حقوقنا المشروعة بحكم القانون وفي مقدمتها حقوق الشهداء حتي نرسو بسفينة الوطن والمواطنين إلي بر الأمان. هناك بالفعل من يريدون القفز علي الثورة وتسخيرها لمصالحهم وتوجهاتهم وتجنيد شبابها الشرفاء لتنفيذ مخططاتهم يرفضون وينتقدون قرارات أو توجهات الحكومة أو المجلس الأعلي وكأنهما يعملان لغير صالح هذا الشعب بل بدأوا في تصنيف الناس بين خائن ومعارض وعميل وأنهم فقط هم الأشراف والمخلصون حماة الثورة.. شنوا هجوما عنيفا علي حكومة د.شرف واتهموا العديد من أعضاء وزارته بأنهم غير مخلصين ومن فلول النظام السابق وأنهم لا يرغبون بصدق في تنفيذ مطالب الثورة التي لابد من تنفيذها فورا دون إدراك أو تقدير للظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد بعد الثورة وتوقف العديد من المصانع عن الإنتاج أو العمل بنصف طاقاتها وتراجع عائدات بدرجة كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلي أكثر من 80٪ وانخفاض معدلات الاستثمار الخارجي والداخلي بسبب الأوضاع الأمنية وتجاوز البعض في مطالبهم الفئوية إلي الدعوة لعصيان مدني ووقف العمل في مجمع المصالح بميدان التحرير لمدة ثلاثة أيام والتهديد بمنع مرور السفن في قناة السويس هذا الممر المائي الدولي الهام وهوما يمثل خطورة كبيرة علي سمعة ومستقبل الاقتصاد القومي المصري. كما تمادي البعض في بلبلة الأفكار وزعزعة الاستقرار حينما أعلنوا من خلال برامج »التوك شو« مقترحاتهم لتشكيل حكومة جديدة بدلا من حكومة د.شرف ونصب نفسه رئيسا لهذه الحكومة وصديقه نائبا له كما عرض أسماء أعضاء حكومته من الوزراء وعندما سأله مقدم البرنامج عن صحة ذلك قال بكل ثقة إن الثوار في الميدان هم الذين اختاروه رئيسا لحكومة جديدة وكذلك نائبه كما تحدث عن جهوده في إطلاق سراح د.عمرو حمزاوي والناشط طارق زيدان بعد أن تم احتجازهما في إحدي عمارات بالميدان حيث كانا يشاركان في برنامج محطة الجزيرة الفضائية.. ولاشك أن هؤلاء وأمثالهم هم الذين يؤججون مشاعر الشباب مستغلين حماسهم وطاقاتهم الثورية ونبل مقاصدهم وأهدافهم الوطنية. والحقيقة أن حكومة د. شرف تحظي بثقة الكثيرين وفي مقدمتهم شباب الثورة باعتباره واحدا منهم عندما حملوه علي الأكتاف في الميدان بعد توليه المسئولية الوزارية. أما إتهامهم له بأنه شخصية ضعيفة ومتردده وغير قادرة علي العطاء فإن ذلك يرجع في المقام الأول إلي المهام الجسام الملقاة علي عاتقه وعاتق حكومته في هذه الظروف الصعبة للغاية وكذلك المشاكل التي يحاولون وضعها أمامه سواء بحسن أو بسوء نية والمطالب المشروعة غير المحدودة التي يدفعون بها ويطالبونه بتحقيقها فورا وهم يعلمون تماما أن تحقيقها يحتاج إلي وقت ومال وإلي تكاتف وتفهم وتقدير كافة أبناء الشعب وطوائفه وأحزابه. حتي حركة وزارة الداخلية الأخيرة والتي تعد أكبر وأشمل حركة شهدها قطاع الشرطة منذ إنشائه لم تسلم من الانتقادات والتهكم والتجريح وكأن رجال الشرطة ليسوا هم أبناءنا وإخواتنا وآباءنا ناسين أو متناسين أن ما أصاب قطاع الشرطة من فساد وتجاوزات هو نفس ما أصاب كل القطاعات الأخري في الدولة وغافلين عن أهمية هذا القطاع الحيوي لأمن واستقرار هذا الوطن وشعبه وتأثير ذلك علي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المأمولة.. ثم ألا ينبغي علينا أن نأخذ درسا وعبرة مما حدث في العراق الشقيق ما لقيه ومازال يلقاه من فوضي وحرب أهلية بسبب الذي اتخذته قوات الغزو الأمريكية آنذاك بتسريح جهازي الشرطة والجيش. إن سياسة الاقصاء والاستقطاب التي كانت سائدة في النظام البائد أصبحت مرفوضة وليس لها مكان بعد 25 يناير كما أنه لايجب أن يكون هناك هيمنة أو فرض وصاية وسيطرة من أي جماعة أو تيار أو فكر وخاصة أصحاب الصوت العالي ذلك أن شباب الثورة الشرفاء الذين فجروا الثورة بأهدافهم النبيلة »حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية« وسالت دماؤهم الطاهرة علي أرض ميدان التحرير هم من خيرة أبناء هذا الشعب العظيم الذين سبق أن قدم مئات الآلاف من الشهداء في حرب التحرير 1956 - 1967 - 1973 وحرب الاستنزاف وسالت دماؤهم الطاهرة علي أرض سيناء دفاعا عن الوطن وحريته وكرامته. إن الثورة مثلها مثل كل الثورات التي شهدها العالم لن تحكم إلي الأبد بل هي وسيلة فاعلة للتخلص من نظام سيئ وفاسد ثم تبدأ في بناء نظام جديد أفضل يحقق الخير والرخاء والاستقرار لأبنائه ويضمن العدل والحرية لكل المواطنين في إطار الدستور والقانون ولهذا فإننا ندعو جموع الشعب إلي جمعة الاستقرار للبدء في بناء مصر المستقبل دولة حرة شامخة.