كانت المرة الأولي التي أزورها في منزلها بعد وفاة زوجها المشير عبدالحكيم عامر الرجل الثاني الذي تزوجته سرا أثناء حكم عبدالناصر والذي قيل إنه انتحر.. وقيل أيضا إنهم دسوا السم له في العصير بعد هزيمة 1967. إنها برلنتي عبدالحميد التي شاهدت لها بعض أفلامها من قبل »درب المهابيل« و»رنة الخلخال« و»فضيحة في الزمالك«.. ومن قبلهما »ريا وسكينة« التي قامت فيه بدور قصير. منزل متواضع في العجوزة في نفس العمارة التي يسكن فيها نجيب محفوظ علي النيل فوق أشهر بائع فول وطعمية.. بعد أن كانت تسكن في إحدي الڤيلات الجميلة بالهرم وتعيش حياة رغدة أشبه بحياة الأميرات. هي التي فتحت لي الباب.. واستقبلتني استقبالا أشعرتني فيه بنوع من الحميمية وكأني صديقة لها. إنها نفيسة عبدالحميد حواس التي أصبح اسمها برلنتي عبدالحميد بعد أن اقتحمت مجال التمثيل. لم أكن أتصور أبدا هذه الشخصية كما تخيلتها من خلال مشاهدتي لأفلامها.. لكن وجدت شخصية مختلفة تماما.. فبالرغم من أنها امرأة مليئة بالأنوثة.. فهي ذكية.. مثقفة.. بنت بلد.. متحدثة لبقة واثقة من نفسها. ❊ ❊ ❊ كنا في أحد أيام الشتاء الباردة.. وجلست في الصالون.. وكان ابنها د.عمرو عبدالحكيم عامر لا يزال طفلا صغيرا يلعب وحيدا في الشرفة المطلة علي محل الفول.. يرتدي شورتاً وقميصاً صيفياً.. هذا الطفل الذي كتب عليه أن يعيش مع أمه بين الكواليس. وبدأت تتحدث بكل ثقة عن الزوج الذي »أحببته وأحبني وتزوجنا سرا.. وكنت أتمني أن يكون الزواج علنا« كان المشير يأتي إلي خلسة في بيتي لكي لا يراه أحد.. يخفي وجهه بالكوفية لكي لا يراه البواب.. وكنت أعد له البيض المسلوق الذي كان يحبه. لكن السر لا يبقي سرا مثل المطار السري وانتقلت إلي المكان الجديد في الهرم في الڤيللا التي أعدها لي.. والتي أنجبت فيها ابننا عمرو عبدالحكيم. قالت لي أيضا: »إن شخصية المشير ليست الشخصية التي يمكن أن تنتحر.. فقد كان قويا.. تحمل صدمة الهزيمة وحدث خلاف بينه وبين عبدالناصر.. وقاموا وقتها بتعذيبي لكي أعترف بالزواج لكي يسيئوا إليه لكني رفضت.. وبعد الهزيمة أخذوه لإحدي الڤيللات المهجورة بالهرم وحددوا إقامته. وطبعا أنت تعرفين بقية القصة التي يعرفها كل مصري.. لكن أحدا لم يجرؤ علي ترديدها في عصر »الدكتاتور«.. وأذكر يومها أن خرج أهله يصرخون.. »قتلوه« »قتلوه«.. ❊ ❊ ❊ ولدت نفيسة عبدالحميد حواس في أحد الأحياء الشعبية في باب الشعرية »ولذلك نتصورها دائما بنت البلد التي حصرها المخرجون في هذا الدور الذي أجادته بداية من »ريا وسكينة« و»درب المهابيل« و»رنة الخلخال«.. التحقت بمعهد الفنون المسرحية بعد أن حصلت علي شهادة الفنون الطرزية.. وتعلمت التمثيل علي يد أستاذها زكي طليمات أول عميد للمعهد في ذلك الوقت.. والذي رأي فيها مشروع ممثلة مختلفة عن كل الممثلات وذلك في سنة أولي معهد.. وحدث أن أصيبت ملك الجمل التي سبقتها إلي التمثيل بسنوات بمرض منعها من تمثيل مسرحية »الصعلوك« ولكي ينقذ زكي طليمات الموقف أسند الدور لبرلنتي طالبته الجديدة الذي يثق في قدراتها وذلك في مسرحية »الصعلوك« وأدي دور البطولة أمامها زميلها الطالب عبدالغني قمر. وبعد تخرجها عملت في المسرح المصري الحديث وهي الفرقة التي كونها زكي طليمات.. وجمع تلاميذه الذين تنبأ لهم بمستقبل كبير مثل سناء جميل وشكري سرحان وعمر الحريري وملك الجمل وعبدالغني قمر ونور الدمرداش.. وأصبح اسمها برلنتي عبدالحميد.. وفعلا أصبح هؤلاء كلهم من النجوم.. وقدموا معا مسرحيات »طبيب رغم أنفه« و»مسمار جحا« و»البخيل« و»الحليف«.. وفي عام 1953 صدر قرار وزارة الإرشاد بدمج فرقة المسرح الحديث مع الفرقة المصرية وأصبح اسمه المسرح القومي الذي كان يديره يوسف وهبي.. وبدأت المشاحنات تدب بين الكبار العمالقة والصغار الذين يبحثون عن فرصة.. فقررت برلنتي الاستقالة.. ورحبت بها السينما.. ومن حظها أن أول أفلامها كان مع صلاح أبوسيف أبوالواقعية المصرية في السينما.. فقدمها في فيلم »ريا وسكينة«. وكان شغله الشاغل في هذه الفترة البحث عن وجوه ذات طابع شعبي لتجسد شخصية الناس العادية والبسطاء. لم تكن هي البطلة لكنها لفتت النظر إليها بحضورها وأنوثتها الطاغية. ويبدو أن برلنتي كانت فاتحة خير علي صلاح أبوسيف فقد حقق الفيلم الكثير من النجاح وأصبحت ممثلة غير تقليدية.. ففي هذا الفيلم جسدت دور الفتاة الشعبية المنكسرة.. واستوعبت الدور جيدا ولجأت إلي التعبير البسيط المؤثر ونطق الكلمات. ثم اختارها توفيق صالح لكي تقوم بدور البطولة في ثاني أفلامها وأشهرها وهو »درب المهابيل«. ❊ ❊ ❊ إن برلنتي تتميز بجمال بدائي وحشي ومزاج ناري مدمر وشرير.. وذلك يبدو في فيلم »رنة الخلخال«. في هذا الدور تتحول من مثيرة للغرائز إلي شريرة.. فتتزوج من عجوز عبدالوارث عسر الذي يعطف عليها ويحتويها من الفقر والحرمان. ويتزوج ابنه شكري سرحان من مريم فخر الدين ليعيشوا في بيت واحد.. ولكنها تغار من شبابها وضحكاتها وحين تتحرك يسبقها رنين الخلخال ليمهد جواً من النشوة لمغازلة الابن العريس الشاب. وفي مرة أخري تلتقي بمريم فخر الدين في »فضيحة في الزمالك« وتؤدي امرأة متزوجة من موظف متواضع.. وهي تحب نفسها وتعشق طموحها تمنح جسدها لعجوز وغد محمود المليجي يموت بين ذراعيها وهي في شقته.. وتعتقد أنها أفلتت من الجريمة.. بينما تتهم شقيقتها وزوجها لكن أمرها ينكشف. ومع يوسف شاهين مثلت نداء العشاق في دور غازية تنقل الخراب في كل مكان تحل فيه. وقد حصرها المخرجون في هذا الدور لتصبح واحدة من أهم المتربعات علي عرش الفتنة. ❊ ❊ ❊ وتنتهي مرحلة من مراحل حياتها علي شاشة السينما وظروفها الشخصية. فقد تحررت في الواقع من الجهل.. وانسحبت من علي الشاشة بعد زواجها بالمشير عامر. وحاولت أن تعود للسينما بعد حادث المشير وفعلا أنتجت ومثلت فيلم »العش الهادئ« عن رواية توفيق الحكيم مع محمود ياسين.. لكن الفيلم لم يحقق أي نجاح. لقد خسرت برلنتي.. ودفعت ثمن اقترانها بالرجل الثاني وفقدت الكثير من أدوارها التي أسندت إلي أخريات منهم شادية وهند رستم. ❊ ❊ ❊ أصيبت برلنتي عبدالحميد نجمة الجاذبية والإغراء وزوجة الرجل الثاني المشير عامر قبل عام بجلطة في المخ.. وتوفيت في مستشفي القوات المسلحة دون أن يحس بها أحد، بعد أن تركت لنا 30فيلما.